على عكس النقد الذي وُجّه إلى الأمين العام لـ»حزب الله» حسن نصرالله لتجاهله معركة حلب التي وقعت قبل أيام من إلقاء كلمته الأسبوع الماضي حيث حققت المعارضة السورية تقدماً، يجوز القول إن الكلمة كانت التلخيص السياسي لنتائج المعركة كما فهمها الحزب وكما يسعى إلى استثمارها.

ذلك أن العرض الذي قدمه نصرالله بضمان عودة رئيس الوزراء الأسبق سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة إذا انتخبت كتلة «المستقبل» النيابية مرشح الحزب ميشال عون لرئاسة الجمهورية، يرمي إلى تكريس ما بدأ يظهر من نتائج للحرب السورية على الواقع السياسي اللبناني.

معلوم أن واحداً من العوائق أمام وصول عون إلى المنصب الذي يطمح إليه منذ أكثر من ربع قرن هو الامتناع شبه الكامل لكل نواب «المستقبل» عن مجرد البحث في إمكان انتخابه، ما يحرم عون الأكثرية الساحقة من أصوات السنّة اللبنانيين ويطعن بميثاقية توليه المنصب. والميثاقية تعني هنا توافق التيارات الرئيسة في الطوائف الكبرى – على غرار «المستقبل» في الطائفة السنّية- على الخيارات المحددة لمصير البلاد. وعلى الرغم من حصول عون على تأييد مسيحي كبير بعد تأييد «القوات اللبنانية» لوصوله إلى قصر بعبدا، إلا أن ذلك لا يكفي وفق المعايير اللبنانية ليعتبر الأمر مقضياً.

يريد «حزب الله» إذاً إنهاء الاستعصاء الدستوري والميثاقي القائم منذ عامين ونيف بتظهير تصوره لمستقبل الوضع في سورية وتعميمه على لبنان. الحزب يرى أن المعارضة السورية لبشار الأسد انتهت ولم يبقَ من الفصائل غير تلك المصنفة «إرهابية» وغير المقبولة دولياً. الحل السوري بحسب هذه الرؤية سيكون تسوية بين أصدقاء يكتشفون أهمية التنسيق بين بعضهم. الأصدقاء الجدد هم روسيا وتركيا وإيران، الذين تجمعهم مصالح أمنية واقتصادية ضخمة في منطقة يبتعد عنها العامل الأميركي المنافس. مصير بشار الأسد تفصيل يمكن التوصل إلى تسوية في شأنه عند تبلور الاتفاقات الكبيرة بين هذه القوى.

من جهة ثانية، يعلن استقرار خطوط التماس الجديدة في حلب أن ثمة توازناً لا يجب على أي من الأطراف خرقه. وإذا كان تطويق حلب الشرقية ممنوعاً، فإن إسقاط الجزء الغربي من المدينة في أيدي قوات المعارضة ممنوع أكثر على ما دل فشل محاولتي التقدم صوب معمل الإسمنت وجمعية الزهراء.

على هذه الخلفية جاء عرض نصرالله. فالوضع اللبناني هو نسخة محلية عن ذاك القائم في حلب. لا يستطيع أي من الطرفين المتصارعين حسم الموقف لمصلحته لا بالقوة المسلحة ولا بالاجتياح السياسي. لا بد من أخذ الحيثية التي يمثلها الحريري في الاعتبار ضمن رؤية النصر الاستراتيجي الذي يتحقق في سورية لمصلحة محور «الممانعة»: المعارضة السورية المطالبة بتداول السلطة والحكم الديموقراطي تعرضت إلى تدمير ممنهج وبات الباقون على قيد الحياة من شخصياتها خارج الأرض السورية، والفصائل المسلحة جرى تطويعها ضمن آليات العسكرة المحكومة بالتمويل والتسليح والاتكال على المعابر الآمنة التي تسيطر عليها أطراف خارجية.

في لبنان، لا يشكل سعد الحريري إذا جيء به رئيساً للحكومة بعد الرضّات القاسية التي تعرض لها مالياً وسياسياً، خطراً على إمساك «حزب الله» للمفاصل الحاكمة في لبنان على المستويات الأمنية والسياسية والمالية، كما أن هيمنته على جمهوره وتحكمه بمستقبل لبنان ككل سيتعززان. يريد نصرالله أن ينتخب الحريري مهيض الجناح ميشال عون المكبل بتحالفه مع «حزب الله». هذه باختصار صورة لبنان في ظل التسوية السورية المقبلة ما دامت القوى المقابلة في غفلتها.