هو أقرب إلى اللهو منه إلى إدارة شؤون الدولة في مجلس السلطة التنفيذية. مجلس الوزراء الذي يحمل، إلى جانب صلاحياته، صلاحيات رئيس الجمهورية، بدا أمس أشبه بسيرك لألعاب الخفّة. يقترح وزير الدفاع سمير مقبل ثلاثة أسماء لخلافة الامين العام للمجلس الاعلى للدفاع اللواء محمد خير، المنتهية ولايته الممددة خلافاً للقانون، فلا يصوّت نحو ثلثي الوزراء لمصلحة أي من الأسماء. إلا أن «الفاقع» أن مقبل نفسه امتنع عن تأييد أيٍّ من الضباط الذين اقترحهم!
الوزيران جبران باسيل والياس بو صعب كانا قد استبقا جلسة مجلس الوزراء أمس بإعلانهما موافقتهما المسبقة على الأسماء التي ينوي وزير الدفاع طرحها لكسر مبررات التمديد مرة تلو الأخرى. وفي الجلسة، ما كاد مقبل يقترح أول اسم، حتى رفع باسيل وبو صعب يديهما موافقين، وتبعهما كل من وزير الطاقة أرتور نظاريان والوزير سجعان قزي والوزير المحسوب على الرئيس ميشال سليمان عبد المطلب حناوي ووزيرا حزب الله محمد فنيش وحسين الحاج حسن، فيما لم يعلن وزير الدفاع تأييده للأسماء التي يقترحها.
وتكرر الأداء نفسه مع الاسمين الثاني والثالث أيضاً اللذين حازا تأييد سبعة وزراء فقط، الأمر الذي يحول دون تعيين أيّ من الثلاثة، إذ يحتاج تعيين أحدهم إلى تأييد ثلثي الوزراء. ودفع هذا الأمر باسيل إلى أخذ الكلام، قائلاً إن أداء مجلس الوزراء يحرجهم ليخرجهم عن طورهم، فهم لن يقبلوا أن يفرض التمديد مرة أخرى كأمر واقع بعد ألاعيب كهذه، علماً بأن الوزراء المعترضين على الأسماء المقترحة لم يبرروا اعتراضهم أو وجهة نظرهم، باستثناء وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي قال إنه ضد تعيين مسؤولين أمنيين في غياب رئيس للجمهورية، علماً بأن مجلس الوزراء عيّن في كانون الثاني الماضي 3 أعضاء في المجلس العسكري، أي ثلاثة زملاء لخير.
ما سبق يؤكد الموقف العونيّ بأن اقتراح الأسماء وعدم التوافق عليها ليسا سوى مقدمة للتمديد لخير، ومن بعده لقائد الجيش العماد جان قهوجي، بذريعة منع الفراغ. وقال باسيل لـ»الأخبار» إن التيار الوطني الحر لن يبقى متفرجاً «على مخالفة الحكومة للقانون بالتمديد في المراكز الأمنية»، مشدداً على أنه «من المؤكّد أنه سيكون لنا موقف عملي مما جرى في جلسة مجلس الوزراء (أمس)». وعن الخيارات المتوافرة أمام التيار، قال باسيل: «دخلنا مرحلة جديدة من المواجهة. يمكننا فعل أمور كثيرة، وسنحدّد متى وأين وكيف. كلّ الخيارات مفتوحة، من الاعتكاف الى الخروج من الحكومة الى اللجوء إلى الشارع مجدداً، وغير ذلك». وحذّر من أن «مسرحية التمديد ستعرّض عمل الحكومة للاهتزاز. لا يمكن لحكومة أن تطلب من شعبها احترام القانون إذا كانت هي أول من يخالفه. ويبدو أن رئيسها (تمام سلام) يقدّم مخالفة القانون على الحفاظ على حكومته». ورأى باسيل أن توجّه الحكومة للتمديد للأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع اللواء محمد خير «لا يبشّر بالخير، ويؤكّد أن لا نية لدى الفريق الآخر لحلّ أي من الأمور العالقة، من قانون الانتخاب الى ملف رئاسة الجمهورية. لذلك، بالتأكيد، لن نبقى متفرجين».
وهل التلويح بالاستقالة أو الاعتكاف يشمل وزراء حزب الله، حليف التيار الوطني الحرّ في الحكومة؟ أجاب باسيل: «لم نبحث في الأمر معهم». وعمّا إذا كان الهدف من تعطيل تعيين خلف لخير الوصول الى التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي، قال: «ما الذي يمنع؟ رغم أن تذرعهم بغياب التوافق للتمديد لا يستقيم بالنسبة الينا، إلا أنهم يعلمون أننا لن نكون متساهلين في موضوع قيادة الجيش كما كنا (أمس) في موضوع خلافة اللواء خير. اليوم قلنا لهم إننا نوافق على أي اسم يطرحونه، ورغم ذلك رفضوا التعيين. هذا يعني أنه عندما يحين أوان تعيين قائد للجيش يمكن أن يأتوا بأسماء يعرفون أننا لن نقبل بها ليمرروا هذه المسرحية الفاشلة مجدداً».
بدورها، أشارت مصادر وزارية قريبة من الرئيس تمام سلام إلى أن مقاطعة الوزيرين العونيين أيّ جلسة مقبلة ستلقى من دون أدنى شك تضامناً من وزير الطاشناق ووزيري حزب الله أيضاً، لكن لا شيء ينبئ بحصول أزمة كبيرة.
وكان ملف تغيير عامل الاستثمار لعقارات في منطقة الدبية (ساحل الشوف) أحد البنود الحساسة على طاولة مجلس الوزراء. فبعد محاولة المجلس سابقاً رمي الكرة في ملعب المجلس البلديّ، طلب الأخير ستة أشهر لدرس الموضوع، فاستعاده مجلس الوزراء. وأول المتحدثين في الموضوع أمس كان الوزير قزي الذي قارب الموضوع من وجهة نظر مذهبية ــ ديموغرافية، كون مالكي العقارات المطلوب تعديل عامل الاستثمار فيها ينتمون إلى الطائفة الشيعية. وأثار أداء قزي انتباه الوزير باسيل إلى إمكان إحراج التيار بفعل التوسع السكني شيعياً في منطقة غالبية مالكي عقاراتها مسيحيون. وعليه طلب باسيل من رئيس الحكومة مهلة شهر واحد لحل الموضوع مع حزب الله الذي وافق على طلب باسيل. وتجدر الإشارة إلى أن مالكي العقارات لا صلة لهم بحزب الله، رغم «التهمة» التي تُلصَق بهم في هذا المجال. وأبرز المالكين هو قاسم تاج الدين، الذي سبق أن أدرجته الولايات المتحدة على لائحة عقوباتها. وسبق أن عرض تاج الدين على عدد من الشخصيات السياسية ورجال الأعمال المسيحيين والدروز شراء العقارات، إلا أن أحداً لم يقدّم له عرضاً بالسعر الذي يطلبه لقاء ملايين الأمتار المربعة التي اشتراها من رجل أعمال شمالي. وحاول مرجع سياسي بارز شراء العقارات بسعر أدنى من نصف سعرها السوقي، إلا أن تاج الدين رفض، مؤكداً أنه لن يبيع الأرض بطريقة توحي بـ»القنص» لا بالبيع والشراء.
من جهة أخرى، واصل النائب سامي الجميّل حملته على المكب المستحدث في برج حمود، مركّزاً هجومه على وزير الزراعة أكرم شهيب بوصفه المكلف حكومياً بمتابعة ملف النفايات. وفي سياق التعبئة، سأل الجميّل لماذا لا يستحدث شهيب مكباً في غابة أرز الشوف، الأمر الذي استدعى رداً سريعاً من شهيب استشهد فيه بالقول الجبليّ: «الله يثبّت العقل والدين». وسأل شهيب عمّا حال دون اعتراض الوزراء الكتائبيين على خطة النفايات حين عُرضت في مجلس الوزراء.