كما ارتفع منسوب التفاؤل على خط الرابية - بيت الوسط، عاد هذا التفاؤل لينخفض إلى أدنى مستوياته في الساعات الماضية، مع ظهور غيوم ملبّدة على خط الحوار الرئاسي الذي كان قائماً بين الرئيس سعد الحريري ورئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون. وإذا كان ثمّة من عوَّلَ على هذا التفاؤل ليبلغ في لحظةٍ ما حدّ الرهان على إمكان ترجمته بانتخابات رئاسية سريعة، فإنّ معلومات المراجع السياسية تشي بأنّ الملف الرئاسي على حاله من التعقيد، والثبات عند نقطة اللاتفاهم لا على الشخص ولا على النهج ولا على أيّ مِن تفاصيل العملية الرئاسية ومتمّماتها.
أكثر من ذلك، فإنّ تلك المراجع تتعاطى مع الملف الرئاسي ومستجدّاته من زاوية بلوغِه الطريقَ المسدود داخلياً، خاصة وأنّ الساعات الأخيرة حملت رياحاً سلبية على خط التواصل بين الحريري وعون، لمسَت فيها مصادرُ مطلعة، أنّ صفحةَ ما سُمّيَت «إيجابيات»، قد طويَت، وأنّ مبادرة انفتاح الحريري على عون قد فشلت، وبالتالي عادت الأمور إلى نقطة الصفر.

على ما أكّد مرجع كبير واصفاً الحوارَ الرئاسي بين الحريري وعون بأنّه كان مضيَعةً للوقت، وأنّ الملف الرئاسي ما زال في دائرة المراوحة التي لا تُنبئ بإمكان تقدّمِه إلى الأمام.

وعليه، فإنّ فشلَ هذا الحوار، الذي لم يكن يَحظى بغطاء كامل محلّياً، ولا بقوّة دفعٍ إقليمية، سعودية على وجهِ التحديد، وكذلك قوّة دفع دولية، يتزامن مع دخول البلد مرحلة السباق مع الوقت، لمحاولةِ حفرِ الصخرة السياسية لاستخراج «الحلّ المفقود»، إلّا أنّ تلك المرحلة ليست مفتوحة، على ما يقول المرجع نفسُه، إذ إنّ أمد السباق ينتهي عملياً آخرَ السنة، وبالتالي الفترة الفاصلة حتى ذلك الحين هي مرحلة حاسمة ونهائية، بين أن ندخل إلى برّ الأمان الرئاسي بانتخاب رئيس جديد للجمهورية، وبين أن ندخل في حال الجمود المفتوح على كلّ الاحتمالات التي قد يكون أحلاها مرًّا. ( راجع ص4).

بري

في هذا الجو، تحدّث رئيس مجلس النواب نبيه بري عن «أنّ هناك فترة حاسمة حتى نهاية السنة، وتفرض على اللبنانيين إعطاء الأولويّة للحلّ الشامل وأن يتّعظوا من التطوّرات الإقليمية الجارية التي توجب عليهم الالتفات الى مصلحة بلدهم».

وقال بري أمام زوّاره أمس إنه لم يتلقَّ من القوى السياسية أسماء ممثليها الى لجنة إنشاء مجلس الشيوخ، وأشار الى أنّ بعض القوى أبلغَت اليه انّها ستسلّمه هذه الأسماء في جلسة الخامس من ايلول. وكرّر التأكيد أنّ «الحلّ لا يمكن إلّا أن يكون متكاملاً على أساس السلّة وبدءاً بانتخاب رئيس للجمهورية».

وردّاً على سؤال، أكّد بري أنّ «البحث في قانون الانتخابات النيابية يتناول، الى جانب الصيغة القديمة، صيَغاً جديدة لهذا القانون»، مشدِّداً على أنّ «الانتخابات النيابية ستجرى في موعدها ولن يكون هناك تمديد جديد للمجلس النيابي مهما كلّف الأمر».

وعن الحراك الشعبي، أكّد بري أحقّية مطالب هذا الحراك، وقال: «لأنّ الطبقة السياسية لم تقدّم الحلول الملائمة، فمِن الطبيعي أن ينطلق هذا الحراك». وأشار بري الى «وضعٍ اقتصاديّ وماليّ مهترئ يتطلّب معالجات وحلولاً جذرية، خصوصاً أنه يتوجّب على لبنان في السنة المقبلة استحقاقات بما يزيد عن 7 مليارات من الدولارات».

قهوجي

وفيما تستمرّ إسرائيل في خرق السيادة اللبنانية، كان لافتاً أمس تفقّد قائد الجيش العماد جان قهوجي موقع صور والوحدات العسكرية المنتشرة في منطقة مرجعيون، حيث شدّد على أنّ «الجيش سيتصدّى بكلّ الإمكانات المتوافرة لديه لأيّ اعتداء اسرائيلي يستهدف لبنان»، مذكّراً العسكريين بمعركة المالكية التي خاضها الجيش ضدّ هذا العدو عام 1948، ومؤكّداً التمسك بالقرار 1701 بمختلف مندرجات.

تمديد ولا تعيينات

في غضون ذلك لم يَسبح مجلس الوزراء عكس تيار الترقّب والانتظار السياسي الذي يسود البلاد، مع كثرة الكلام عن توليفةٍ يجرى العمل عليها للخروج من الأزمة وتؤدّي الى انتخابِ رئيسٍ للجمهورية قبلَ نهاية السنة، وهو الأمر الذي عاد وشدّد عليه وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق على هامش الجلسة التي انعقدت قبل ظهر أمس، حيث قال: «لا تستخفّوا بفترة أربعةِ الأشهر المتبقّية، فهناك متّسَع من الوقت لحصول أمرٍ ما».

وقد فشلَ مجلس الوزراء في إمرار التعيينات الأمنية، ولم يتمكّن من تعيين خلفٍ للأمين العام للمجلس الأعلى اللواء محمد خير، إذ طرح وزير الدفاع سمير مقبل أسماء ثلاثة عمداء وفق الأقدمية التراتبية، وهم: مروان شدياق، صادق طليس، خالد طرابين.

وعلمت «الجمهورية» أنّ مقبل قال لدى طرح الموضوع في نهاية الجلسة: «ليل 20-21 هذا الشهر، تنتهي ولاية الأمين العام للمجلس الأعلى اللواء محمد خير، وأنا سأعرض عليكم ثلاثة أسماء للتصويت عليها لأنّ مجلس الوزراء هو المرجعيّة المعنيّة بالتعيين».

وهنا طرح اسم العميد شدياق على التصويت، فوافق عليه سبعة وزراء، وهم: جبران باسيل والياس بو صعب ومحمد فنيش وسجعان قزي وآرتور ناظاريان وحسين الحاج حسن وعبد المطلب حناوي. وإذ لم ينَل شدياق الستة عشر صوتاً المطلوبة، انتقل التصويت إلى طليس فنالَ بدوره الأصوات الوزارية السبعة نفسها.

وهنا دار هرج ومرج داخل مجلس الوزراء، فتدخّلَ رئيس الحكومة تمّام سلام، وقال: «هذا الموضوع يَدخل ضمن التوازنات السياسية ويبدو أن ليس هناك توافق على أيّ إسمٍ من الأسماء المطروحة».

وعقّبَ الوزير نبيل دو فريج قائلاً: «أريد أن أسأل: «هل ما يحصل هو تعيين في غياب رئيس للجمهورية، ويحتاج إلى ثلثَي مجلس الوزراء؟»، وذلك في إشارة منه إلى أنّ فريقه يعارض تعيينَ قادة الأجهزة الأمنية في ظلّ الشغور الرئاسي.

فردّ باسيل قائلاً: «ما تقومون به ستكون له تداعيات سلبية على الحكومة». وساندَ بوصعب باسيل فقال: «هذه مسرحية تكرّرونها عند كلّ استحقاق تعيين، وستكون لها انعكاساتها على انتظام عمل مجلس الوزراء».

وتدخّلَ وزير الصحة وائل أبو فاعور، فبدا متناغماً مع وزراء «التيار الوطني الحر»، وقال: «ليس هكذا تُدار الأمور، ونحن سنسير في التعيين وله الأولويّة على التمديد».

وتكلّمَ وزير المال علي حسن خليل، فقال: «إذا أردتم تعييناً جدّياً فنحن نطرح موضوعَ تعيين نائب المدير العام لأمن الدولة».

ورفعَ رئيس الحكومة الجلسة، من دون تحديد موعد جديد لجلسة مقبلة، مع العِلم أنّ مجلس الوزراء سيأخذ عطلتَه الصيفية لمدّة 15 يوماً وفقَ ما هو متعارَف عليه في مثلِ هذه الفترة من السنة.

وبذلك، مرَّر مجلس الوزراء قطوعاً أوّلياً، ولكنّ أزمة التعيينات الأمنية لم تنتهِ ولو أنّ سقف التصعيد في شأنها بقيَ مضبوطاً واقتصر على التصريحات التي غادر بها الوزراء السراي الحكومي.

وعليه، سيكون أمام وزير الدفاع إصدار قرار داخلي بحسب المادة 55 من قانون الدفاع الوطني التي يطلب بموجبها تأجيل تسريح خير لمدة عام. ويُنتظر أن يصدر هذا القرار خلال الساعات المقبلة، الأمر الذي سيتكرّر عند استحقاق تعيين قائد جيش جديد في أواخر أيلول فيمدّد للعماد جان قهوجي استناداً الى المادة نفسها من قانون الدفاع.

لكنّ إشكالية التعيين ستبرز عند استحقاق تعيين رئيس الأركان بحيث لن يسمح القانون بالتمديد للواء وليد سلمان لأنه استنفد كلَّ سنوات خدمته، ما سيشكّل ذريعةً لمعارضي التمديد في معركتهم ضدّ التمديد، حيث سيسألون كيف سيتوافق مجلس الوزراء على التعيين في هذا المنصب فيما يغيب التوافق على التعيين في المناصب الأخرى؟

وعن هذا الأمر، سألت «الجمهورية» وزير الداخلية، فأجاب: «هناك فارق في التعيينات في مراكز قيادية عسكرية تُعتبَر من الصف الأوّل ومراكز أخرى، وأنا عند رأيي، لا يجوز تعيين هذه المناصب القيادية العليا في غياب رئيس الجمهورية».

باسيل

وقال باسيل بعد الجلسة: «إنّ هناك إصراراً متعمَّداً من الحكومة على مخالفة القانون، من دون أن يكون هناك سبب لذلك». ولفتَ إلى أن «لا خلاف لدى المجلس على التعيين، فالجميع موافق على الأسماء التي طرحها وزير الدفاع سمير مقبل وقال إنّ الضباط الثلاثة كفوؤون». ورأى أن «لا نيّة لدى الحكومة لتطبيق القانون، الأمرُ الذي سينعكس سلباً على عملها».

وأضاف باسيل: «في السابق اعتمدوا التمديد أو تأجيلَ التسريح متذرّعين بحجّة عدم الاتفاق، ونحن اليوم متّفقون ولسنا مختلفين، فلماذا لا يتمّ التعيين؟ لقد سبقَ أن شغرَ موقعان مسيحيان في المجلس العسكري وموقعٌ آخر شيعي وظلّت هذه المواقع شاغرة، ولكنّنا عندما اتّفقنا تمّ التعيين. يستطيعون الآن القيام بالأمر نفسه، فإمّا أن نتّفق على التعيين - ونحن كذلك لأنّ ما مِن أحدٍ اعترض على الأسماء- أو يبقى موقع قيادة الجيش شاغراً إلى حين التعيين. أمّا ما هو عكس ذلك فيعني أنّ الحكومة تخالف القانون».

ولاحقاً، قال باسيل عبرَ موقع «تويتر»: «كيف تطلب حكومة من الناس احترامَ القانون عندما لا تحترمه هي ولا تحترم نفسَها؟!».

بوصعب

من جهته، اعتبر بوصعب أنّ «موضوع التعيينات العسكرية هو أكبر مسرحية فاشلة قام بها الوزير مقبل للمرّة الثانية»، لافتاً إلى أنّ «ما حصَل في ختام الجلسة هو استخفاف بعقول الوزراء وبالقانون وبالدستور وباللبنانيين». وقال: «مِن الواضح عدم وجود نيّة للتعيين، وإنّ طرح الأسماء الثلاثة كان لرفعِ العتب، فوزيرُ الدفاع طرَحها ولم يصوِّت لأيّ إسمٍ، ما يَعني التمديد».

تعيين أساتذة

وقوبلَ الفشلُ في التوافق على التعيينات العسكرية بإجماع وزاريّ على خطوةٍ وزارية تمثّلت بموافقة مجلس الوزراء على طلبِ وزارة التربية والتعليم العالي تأمينَ حاجة المديرية العامة للتربية - مديرية التعليم الثانوي لتعيين أساتذة تعليم ثانوي من الناجحين في المباراة التي يجريها مجلس الخدمة المدنية بعدد 1771 أستاذاً، بما فيهم 1223 أستاذاً وافقَ مجلس الوزراء سابقاً على تعيينهم، على أن يُستَكمل العدد من الناجحين لاحقاً في مباراة مواد اللغة الفرنسية والفلسفة والتربية، بقرار لاحق من مجلس الوزراء.

وعلمت «الجمهورية» أنّ هذا البند استحوَذ على الحيّز الأكبر من النقاش داخل الجلسة، وبَرز فيه الجدال بين خليل وبوصعب حول التبعات المالية لقبول هذا العدد الكبير من الأساتذة.

قزّي

ومِن جهة ثانية، وفي إطار مناقشة تعديل التصميم التوجيهي لمنطقة الدبّية في قضاء الشوف، قال وزير العمل سجعان قزي «إنّ الموضوع سببُه أنّ رجلَ أعمالٍ مارونيّ اشترى الأرض الشاسعة هناك للمحافظة على طابعِها، ثمّ عاد وباعَها محقّقاً أرباحاً طائلة على حساب «الطابع المسيحي» لهذه المنطقة. من هنا فإنّ هذا التعديل وإنْ كان من حقّ صاحب الأرض الجديد، فإنّ المشروع أثارَ انقسامات في المنطقة، ما جعلَ بلدية الدبّية تطلب مهلة ستّة أشهر لإبداء رأيها في الموضوع، لذلك أقترح أن يتمّ استدعاء المجلس البلدي وصاحب الأرض ليُصار إلى التفاهم على كلّ أبعاد المشروع. وفي كلّ الحالات أقترح أن يتمّ إرجاء القرار بعضَ الوقت».