أكثر من ثمانمائة يوم لم تكن كافية للإفراج عن رئاسة الجمهورية، فهل تكون الأشهر الموعودة من الآن وحتى نهاية هذه السنة، كافية لإنتاج رئيس ومعه سلة متكاملة تشمل الحكومة وقانون الانتخاب؟
لن يتزحزح «حزب الله» قيد أنملة عن التمسك بحليفه الاستراتيجي العماد ميشال عون، وفي الوقت نفسه، ليس «الجنرال» معنيا بأية خطة بديلة سواء أكانت «باء» أو «تاء». الرجل لا يملك ترفاً كهذا. هي فرصته الأخيرة، ولن يغامر أو يقامر أو يقايضها بغيرها.
وبرغم استعجاله، اليوم قبل الغد، لا بل ضربه مواعيد مبكرة، من بيت الدين الى بعبدا، في الأسابيع الأخيرة، فان ميشال عون لا يريد أن يقرأ السياسات المحلية والاقليمية وحتى الدولية، الا من النافذة الرئاسية، وهو شبه متيقن، بأن الكرسي الشاغر منذ سنتين وثلاثة اشهر لن يجلس عليه أحد، مهما طال الزمن، وطالما هو على قيد الحياة!
حتى أن ثمة معلومات يرددها وزير سيادي لبناني، مفادها أن شخصيتين أميركيتين جمهوريتين زارتا لبنان قبل اقل من شهر، ومن دون علم السفارة الأميركية في بيروت أو التنسيق معها، وهما التقتا عددا من المسؤولين اللبنانيين، وجاهرتا علنا بتأييدهما لوصول عون الى رئاسة الجمهورية.
هل يكفي ذلك؟
الجواب عند العارفين والمتابعين يشي بأن ميشال عون «بات يمثل عنوانا صارخا للاشتباك الاقليمي الكبير، وليس للتفاهمات، وهو لم يحدد خياراته اللبنانية وحسب، بل حسم خياراته الاقليمية بوقوفه علنا الى جانب «حزب الله» والنظام السوري وروسيا في المعركة المفتوحة ضد الارهاب، وها هو وزير الخارجية جبران باسيل يقولها بالفم الملآن عندما كان يستقبل نظيره المصري سامح شكري الآتي من تل أبيب، بتعمد تذكيره في أول جملة في مؤتمرهما الصحافي المشترك بـ «مصادفة هذه الزيارة مع الذكرى السنوية العاشرة لانتصار لبنان في حرب تموز على العدو الإسرائيلي».
هنا، يصبح السؤال مختلفا: هل يمكن أن تغطي الادارة الديموقراطية الحالية أو أية ادارة أميركية جديدة وصول عون الى رئاسة الجمهورية؟
في العلن، لا يوحي الأميركيون بأنهم يضعون أي «فيتو» على أي مرشح رئاسي لبناني.. هم لا يريدون للبنان أن يكون مصدر وجع لرأسهم المنشغل بهموم اقليمية مختلفة من سوريا الى العراق واليمن مرورا بتركيا وليبيا. لذلك، جُلّ همهم أن لا يمس الاستقرار في لبنان، حتى لو استمر الفراغ دهورا، أما اذا تزاحمت المواعيد وتداخلت الاستحقاقات وبات الاستقرار اللبناني بخطر، فان للأميركيين كلاما آخر مع اللبنانيين ومع المؤثرين في الملف اللبناني بكل أبعاده.
أما في الخفاء، فما ينطبق على السعودية، لا يختلف قيد أنملة عن الولايات المتحدة. يعتبر الأميركيون ـ حسب المطلعين على موقفهم ـ أنهم وفي عز «حربهم الناعمة» على «حزب الله» وكل القوى التي تتماهى معه اقليميا من مؤسسة «الحرس الثوري» في ايران ولا سيما قائد «فيلق القدس» الجنرال قاسم سليماني، الى «أنصار الله» في اليمن، مرورا بـ «الحشد الشعبي» في العراق، «لا يمكن أن يتقبلوا أو يقبلوا بمن يشكل وصوله انتصارا معنويا كبيرا لـ «حزب الله» وأمينه العام السيد حسن نصرالله الذي بات يجاهر ليل نهار بدعمه لترشيح ميشال عون الى رئاسة الجمهورية، فكيف تريدون من الرئيس سعد الحريري أن يجرؤ على مجرد طرح هكذا خيار أمام القيادة السعودية في عز احتدام اشتباكها مع الايرانيين؟».
اذا كانت هذه وغيرها، تشكل نقاط ضعف أمام وصول عون الى قصر بعبدا، فانها تشكل، في المقابل، أسبابا موجبة عند قيادة «حزب الله» للمضي في دعم ترشيح «الجنرال».. «حتى النهاية».
واذا كان الحريري، حتى الآن، ليس في وارد أن يقدم على خطوة من نوع تبني «الجنرال»، بدليل تعمده طرح الأمر للمناقشة أمام كتلته النيابية، وهو أمر لم يكن بحاجة اليه، تماما كما لم يكن بحاجة الى فعله عندما تبنى ترشيح سليمان فرنجية منذ سنة، فان ميشال عون لن يجعل مرحلة الانتظار الهادئ تطول كثيرا.
ثمة فرصة للحوار الوطني الذي دعا اليه رئيس مجلس النواب نبيه بري في الخامس من أيلول المقبل. فاذا بلغ هذا الحوار.. الحائط المسدود، وهذا هو المرجح، فان «التيار الوطني الحر» سيكون للمرة الأولى منذ سنة تقريبا، على موعد متجدد مع الشارع، وهو بدأ يعد العدة لذلك، عبر سلسلة اجتماعات قيادية تناقش الخيارات المتاحة لأجل الوصول الى قانون انتخابي نسبي يضمن التمثيل الصحيح والمتوازن والعادل لجميع المكونات اللبنانية.
يعتبر قياديون بارزون في «التيار» أن استمرار اقفال الأبواب الرئاسية أمام «الجنرال» سيؤدي تلقائيا «الى تجذير الصراع السياسي الذي سيتمحور حول أي قانون انتخابي يريده المسيحيون طالما يتعذر عليهم في ظل توافق أبرز مكونين (عون وسمير جعجع) على ايصال رئيس الجمهورية الأقوى في بيئته، ومن هنا، لا بد من انتظار مشهد شعبي متدحرج، من ضمنه اطلاق تظاهرة لا مثيل لها منذ عقد من الزمن أمام القصر الجمهوري في بعبدا، في الثالث عشر من تشرين الأول 2016، وصولا الى خيارات قد تصل الى حد العصيان المدني»!
ما هي وظيفة هذا التحرك الحقيقية، وهل يمكن في الحالة اللبنانية أن يؤدي الى فرض رئيس للجمهورية أو قانون انتخابي أم أن وظيفته تتجاوز هذه وتلك وصولا الى وضع لبنان على سكة تؤدي الى تسوية متكاملة (سلة) هي أقل من طائف.. وأكثر من دوحة؟