دخلت الميليشيات الشيعية المشكّلة للحشد الشعبي مرحلة الإعداد العملي للمشاركة بمعركة الموصل ذات الأهمية البالغة في مسار الحرب ضدّ تنظيم داعش في العراق، متخطية بذلك الاعتراضات الشديدة من أطراف مختلفة على تلك المشاركة، ومعتمدة على غطاء سياسي من قبل كبار قادة الأحزاب الشيعية ورموز السلطة في مقدّمتهم رئيس الوزراء حيدر العبادي.
ومن الاستعدادات للمعركة المرتقبة تشكيل غرفة عمليات مشتركة بين الميليشيات والقوات الحكومية بناء على مقترح من زعيم ميليشيا بدر القيادي في الحشد الشعبي هادي العامري، وأمين عام حركة النجباء أكرم الكعبي، خلال اجتماع ضم الطرفين، الأربعاء، بالعاصمة بغداد.

وقالت حركة النجباء في بيان أعقب الاجتماع إن الكعبي بحث مع العامري التشكيلة الجديدة لهيئة الحشد الشعبي والاستعدادات الجارية للمشاركة في معركة الموصل.

وأضاف البيان أن الطرفين اقترحا تشكيل غرفة عمليات مشتركة مع القوات الأمنية لإدارة المعركة.

ولا ينفصل ما صدر عن اجتماع العامري والكعبي عن عمل دعائي كبير تقوم به الميليشيات والأحزاب الشيعية في العراق، للإيحاء بأنّ مشاركة الحشد الشعبي في معركة الموصل تجاوزت مرحلة النقاش وأضحت من الثوابت والمسلّمات.

وبقدر ما تواجه تلك المشاركة من اعتراضات من قبل جهات سياسية عراقية، ومن سكان الموصل ذاتها، ومن عشائر محافظة نينوى عموما، استنادا إلى ممارسات الميليشيات الشيعية ضدّ السكان السنّة للعديد من المناطق التي سبق أن شاركت في استعادتها من داعش، فإنها تلقى في المقابل دعما سياسيا قويا من قبل الحكومة وقادة الأحزاب الشيعية.

وجدّد رئيس الوزراء حيدر العبادي، الثلاثاء، تأكيده أن الحشد الشعبي سيشارك في عمليات استعادة مدينة الموصل، مساندا بذلك قول وزير الخارجية إبراهيم الجعفري بعدم وجود شيء يمنع مشاركة الحشد في تلك العمليات.

وتسبق الميليشياتِ الشيعيةَ إلى الموصل سمعتُها السيئة وسوء سلوكها في مناطق عراقية كثيرة أخرى بمحافظات بابل وديالى وصلاح الدين والأنبار كانت قد شاركت في استعادتها من تنظيم داعش وفي مسك أراضيها، ونكّلت بسكانها السنّة ومارست ضدّهم أعمال انتقام تراوحت بين الخطف والاعتقال والقتل والاستيلاء على الأرزاق والممتلكات وإحراق الدور والمتاجر ومنع عودة النازحين إلى ديارهم.

مشاركة الميليشيات في الحرب على داعش تذكي الطائفية وتمد التنظيم ذاته بأسباب مواصلة الحياة حتى بعد هزيمته عسكريا
ومن أحدث ضحايا الحشد الشعبي سكان منطقة جزيرة الخالدية بمحافظة الأنبار بغرب العراق التي مثّلت حتى نهاية الشهر الماضي آخر معاقل تنظيم داعش بشرق مدينة الرمادي مركز المحافظة، والتي وجد سكانها أنفسهم بعد الخلاص من التنظيم بمواجهة تجاوزات عناصر الميليشيات الشيعية الذين شاركوا في القتال لاستعادة المنطقة وفي مسك أراضيها وأخذوا يجرون “قوانينهم” على السكان دون رادع ويقترفون أعمالا انتقامية بحقّهم على خلفية طائفية باعتبارهم من السنّة الذين يتعين عليهم –من منظور الميليشيات الشيعية- إثبات عدم تعاونهم مع تنظيم داعش أثناء احتلاله مناطقهم.

ونقلت وكالة الأناضول عن الشيخ جبار الدليمي، أحد وجهاء جزيرة الخالدية، قوله إن المنطقة الواقعة على بعد حوالي ثلاثين كيلومترا غرب الرمادي، كانت تعتبر من أهم معاقل تنظيم داعش الذي سيطر عليها في مطلع عام 2014.

وأضاف الدليمي أن التنظيم قام بالاستيلاء على منازل الضباط والمنتسبين للأجهزة الأمنية وشيوخ العشائر والمدنيين الرافضين لفكره، وبعد ذلك سرق جميع محتوياتها وقام بحرقها كما قام بإعدام العديد من شباب الخالدية بأساليب وحشية مختلفة، بعد أن اتهمهم بالتعاون مع القوات الأمنية عندما سيطر على المنطقة.

وتابع الدليمي “استبشرنا خيرا بسماع انطلاق عملية تحرير جزيرة الخالدية من تنظيم داعش، نهاية الشهر الماضي، ولكن تفاجأنا بمشاركة الحشد الشعبي في العملية دون مشاركة مقاتلي العشائر”.

وبيّن أن العملية بدأت بقصف عنيف لتلك الميليشيات بواسطة الصواريخ وقذائف الهاون بشكل عشوائي على جميع المناطق رغم وجود مقاومة ضعيفة جدا من عناصر تنظيم داعش، مشيرا إلى أن التنظيم انسحب أمام مقاتلي الحشد الشعبي عندما دخلوا مناطق جزيرة الخالدية دون معرفة الأسباب.

وتحدث الدليمي عن مخاوفه وسكان المنطقة بعد أن بدأت عناصر الحشد الشعبي بأعمال انتقامية في مناطق الجزيرة بعد انسحاب داعش منها، حيث أحرقت العشرات من المنازل بعد سرقة محتوياتها من الأثاث، لافتا إلى أن حجة الحشد أن تلك البيوت تواجد فيها إرهابيون.

ومن جهته أكّد ضابط بشرطة الأنبار برتبة نقيب، طلب عدم الكشف عن اسمه، وجود عمليات حرق تقوم بها عناصر الحشد الشعبي للعشرات من المنازل في جزيرة الخالدية وذلك بدافع الكراهية والانتقام من أهالي المنطقة الذين تتهمهم الميليشيات بتأييد داعش والتعاون معه.

وتشكل الجزيرة الجزء الشمالي لقضاء الخالدية، وتضم مناطق البوعبيد والبوبالي والبوشعبان والبوعيثة والمحلامة والبوسودة، وتنبع أهميتها من وقوعها على حافة نهر الفرات من جهة الجنوب، وعلى الطريق الدولي السريع من جهة الشمال.

واستعادت القوات العراقية مدينة الرمادي، نهاية العام الماضي، من قبضة داعش، فيما بقيت بعض المناطق المحيطة بها خاضعة لسيطرة التنظيم.

وتواصل القوات العراقية حملة عسكرية واسعة لاستعادة تلك المناطق ولطرد مسلحي داعش من محافظة الأنبار، وكذلك الزحف شمالا نحو مدينة الموصل مركز محافظة نينوى، ومعقل داعش الرئيسي في العراق.

وطيلة مراحل الحرب على التنظيم المتشدّد، مثّلت الاستعانة بميليشيات شيعية في القتال ومسك الأرض مدار جدل حادّ انصبّ أساسا على الدور السلبي لتلك التشكيلات الطائفية في دفع الصراع مع التنظيم نحو منزلق الطائفية بشكل قد يمدّ التنظيم ذاته بأسباب مواصلة الحياة حتى في مرحلة ما بعد هزيمته عسكريا.

صحيفة العرب