حاجة السكان إلى مأوى خصوصاً مع تأسيس عائلات جديدة يجعل شراء المنازل عمليةً غير مرتبطة بواقع سياسي معين، بدليل استمرار وتيرة الإستثمارات في قطاع البناء والعقارات، على رغم الأوضاع السياسية والإقتصادية، واستمرار الطلبات على القروض السكنية في المؤسسة العامة للإسكان. ولكن بطبيعة الحال من يريد شراء شقة ينتظر الفرصة المناسبة لدفع أقل سعر ممكن، فهل انخفضت فعلاً أسعار الشقق في لبنان في ظل الأزمة الراهنة؟ وهل انخفض الطلب مقابل العرض؟ وهل يمر القطاع بأزمة أم تباطؤ؟
القطاع يشهد ركوداً ملحوظاً منذ العام 2010، والخبراء في الشأن العقاري يميّزون بين الشقق الصغيرة والمتوسطة وتلك الكبيرة، وبين الشقق داخل العاصمة وخارجها. فالتراجع في الطلب طال الشقق الكبيرة والفخمة، والشقق داخل العاصمة بسبب أسعارها الخيالية، والتي لم تكن موجهة إلى المواطنين اللبنانيين ولاسيّما منهم أصحاب الدخل المحدود والمتوسط، والمشترون الموسميون الذين وجهت إليهم هذه الشقق من خليجيين ومتمولين، جمّدوا إقبالهم على الشراء، لا بل عمدوا إلى بيع ما يملكونه من عقارات، الأمر الذي جعل هذه الشقق في دائرة الجمود، وأدى إلى خفض أسعارها.
أما بالنسبة إلى الشقق الصغيرة فاستمر الطلب عليها، وشهدت نوعاً من المرونة في الأسعار، والمطوّرون العقاريون الراغبون في بيعها لحاجتهم إلى سيولة يعمدون إلى خفض أسعارها بنسب تترواح بين 10، 15 و20 %، استناداً إلى مقاربة نقيب مقاولي الأشغال والبناء المهندس مارون الحلو في حديث لـ "لبنان 24" الذي أطلق صفة الجمود على سوق التطوير العقاري "باستثناء الشقق الصغيرة التي لا يتعدى ثمنها 500 الـ ألف دولار، سوقها شبه طبيعي وأسعارها تختلف بحسب المناطق، وبحسب سعر العقار، لأنّ سعر البناء لم يتغير بنسب كبيرة منذ سنوات، بل سعر العقار هو الذي تغير. أما الشقق الكبيرة التي تتعدى قيمتها الـ 500 ألف دولار فتشهد جموداً في الوقت الراهن".
الحلو يرى أنّ وضع سوق التطوير العقاري ما زال متيناً مقارنةً بما يمر به لبنان من أزمة سياسية وتراجع اقتصادي، "والدليل ما نشهده من حركة بناء لا بأس بها، ولا سيما خارج بيروت بحيث يكون سعر العقار مشجعاً ليتمكّن المتطوّر من تنفيذ مشاريع اسكانية. فالحاجة إلى السكن لا تتوقف، وهناك عرض وطلب على الشقق نتيجة تكوّن عائلات جديدة. ولكن بطبيعة الحال لا توجد نهضة من حيث الطلب، فعمليات الشراء تزيد عندما تتبدل الأسعار وتبدأ بالإتجاه صعوداً، ولكن هذه العملية تحافظ اليوم على وضعها خصوصا في ظل مساحة لبنان الصغيرة والتزايد السكاني".
وبشكل عام واقع التطوير العقاري يمر بتباطؤ، يضيف الحلو "السوق اليوم موجه للبناني فقط ، أمّا الخليجي فخرج من السوق خلال السنوات الخمس الأخيرة، ولم يعد يقدم على عمليات شراء، لأنّه لن يحقق أرباحاً من خلال بيعها بسعر أعلى، بسبب استقرار الأسعار. وبغض النظر عن الوضع السياسي، يرتبط القطاع بالحركة الإقتصادية، عندما ينهض السعر نرى مستثمرين أتوا للشراء والمضاربة من أجل الحصول على أرباح افضل، وهذا غير موجود اليوم نتيجة ركود يعم قطاع التطوير العقاري".
ولكن هذا الواقع، برأي الحلو، سيتبدل عند حصول أي انفراج سياسي، يترافق مع انتخاب رئيس للجمهورية وتأليف حكومة وعودة الحياة إلى المؤسسات الدستورية "وعندها سيتحرك سوق التطوير العقاري تصاعدياً نتيجة إعادة الدور الإقتصادي إلى وضعه الطبيعي، ولكن ليس بسرعة كبيرة، لانّ هناك عدداً من الشقق أُنشئت ولم تباع، وبالتالي سيمر السوق بمرحلة استقرار ، ولكن مع الوقت سيتحرك تصاعديا نتيجة حصول نمو اقتصادي بالبلد".
وعن سبب عدم انخفاض أسعار الشقق أكثر من ذلك في ظل الوضع الراهن وبوجود متطورين استدانوا من المصارف وبحاجة إلى سداد ديونهم، أوضح الحلو "ليس كل المتطورين استدانوا من المصارف، يستخدم معظمهم رساميله الخاصة، والوضع لا يشمل كل المطوّرين، فبعضهم بحالة صعبة، خاصة من بنوا في المدينة شققاً كبيرة لا طلب عليها. والبائع المحتاج إلى سيولة يخفض السعر".
ويختم الحلو بالقول "من يحتاج إلى شقة فليشتري اليوم، لانّ أي تطور إيجابي في الوضع الاقتصادي، سيرتب ارتفاعاً في الأسعار، فست سنوات من الجمود ستتبعها فترة تصاعدية، إلّا إذا طالت الأزمة السياسية كثيراً، وهذا مستبعد".
لبنان 24