خرج السيّد موسى الصدر من ايران ليس خائفاً بل قوياً كقوّة الأنبياء ميمماً وجهه قبلة المحرومين الذين انتظروه في صور وبعلبك وحيث يوجد محروم واحد في لبنان لم تكن ايران بالنسبة اليه الاّ موطناً من مواطن كثيرة ينتمي اليها الانسان نتيجة الولادة رغم أن دوره في بلده لم يكن تقليدياً بالنسبة لرجل دين يزاول دعوة العبادة بل كان ركناً من أركان حركة تحرر ايران من المستبد الى جانب نخبة علمية مناضلة لتحسين شروط الحياة السياسية والاجتماعية في بلد ثري تسكنه أكثرية فقيرة .
وصل السيد موسى الصدر الى لبنان ليبدأ حياة لبنانية بالكامل مؤمناً بالتعايش الاسلامي – المسيحي وبضرورة أن يكون رئيس الجمهورية مسيحياً ليربط البلد الصغير ببلاد العالم الأول ومصلحاً للنظام السياسي ومقاوماً في صفوف المقاومة الفلسطينية من موقع استراتيجي ورؤية شاملة للصراع العربي – الاسرائيلي وقد أسّس أفواج المقاومة اللبنانية أمل كيّ تكون رأس حربة في مشروع المقاومة العربية الشاملة وعندما وقع لبنان في فخ الحرب الأهلية اعتصم السيّد ضدّ الحرب وقد خوّن آنذاك من قبل متحمسين يساريين كانوا يرون بمقدار أنوفهم كم هو حال متحمسي اليوم من ثوّار الاسلام السياسي والجهادي .
منذ أن انخرط السيّد موسى الصدر في مشروع الاصلاح السياسي على قاعدة محاربة الحرمان لم يكن لايران دوراً يذكر في مواقف السيّد أيّ أنه لم يكن يأتمر لا بمرجعية ايرانية سياسية أم دينية حتى أنه فصل ما بين دوره الايراني في حركة المعارضة ضدّ الشاه وبين قيادته لمقاومة الحرمان في لبنان اذ لم يربط بين الاثنين ولم يدمج بينهما ايماناً منه بوطنية العمل النضالي وعدم استنزافه وتحميله أعباء اضافية لا قوّة للبنان على حملها كما فعل الفلسطينيون والعرب عدما حملوا لبنان عبء القضية الفلسطينية .
وهذه النزاهة الوطنية احترمها فيه حتى أخصامه اذ لم يسجل أن أحداً نال من لبنانيته جرّاء الاتباع لهويته الايرانية فلم يكن يحدث السيّد بالمرجعية لا القمية ولا النجفية كما هو حال من هم من أهل الاسلام السياسي الشيعي الذين ربطوا الطائفة بالمرجعية لا على مستوى التقليد فحسب بل على المستوى السياسي وهذا ما لم يفعله السيّد الصدر ولم يدعو اليه على الاطلاق .
ايمان السيد موسى الصدر بلبنانية الطائفة الشيعة هو عنصر أساسي ومتقدم في مشروعه كما أن رفضه لشيعة يعيشون داخل الدولة كهوية خاصة عنصر أخر مساهم في دفع عجلة الدولة التي يعيش تحت سقفها الجميع ومن بينهم الطائفة الشيعية .
إقرأ أيضًا: أمل ونصرالله بري حتى ظهور المهدي
اذاً من بداية الحكاية الصدرية والسيد لبناني بامتياز ولا أحد يخدش وطنيته أو ينال منها فهي احدى علاماته الكبرى ولم يقل يوماً بأنه يحرق لبنان من أجل ايران أو سوريا أو مصر والعربية السعودية وفرنسا واسرائيل والولايات المتحدة الأميركية كما فعل ويفعل اللبنانيون في كل طوائفهم .
السيّد حسن نصرالله أحد الذين استفاقوا على دعوة السيّد موسى الصدر ومن المنتسبين لفكره وحركته ومن ثمّ انتقل الى موقع جهادي آخر وكان في نهاية رحلته مع المقاومة أميناً عاماً للحزب الذي أسماه بحزب ولاية الفقيه وفي هذا تباين واضح بين السيّد الأستاذ والسيّد التلميذ فالأول حسم دوره كلبناني لا شريك في لبنانيته لأي هوية أخرى وحسم دور حركته أمل كتيار لبناني متصل بالقضايا اللبنانية وحسم جهة المجلس الاسلامي الشيعي كمؤسسة شيعية لبنانية عير مبايعة لأي مرجعية من المرجعيات الشيعية في العالم .
ثمّة من يعتبر أن ظروف السيدين مختلفين لذلك لا يمكن المقارنة وبالتالي تسقط الهواجس ولا داعي لفتح نقاش في وعي القيادات الشيعية وثمّة من يرى أن الاختلاف ليس موضوعياً فقط لأن هناك من اختلف مع السيد موسى الصدر منذ البدء من علماء كانوا يرون أن الشيعة حركة في تاريخ الاسلامي وهي منقادة الى اوامر المرجعية سواء كانت في قم أم في النجف كما كان حال خصوم السيد من أبناء حزب الدعوة ممن اختلفوا مع السيد موسى الصدر في لبنانيته وكانوا لبنانيين ولكن مرتبطين بمشروع اسلامي قاده آنذاك الشهيد السيد محمد باقر الصدر .
لقد خلع الجميع ثوب لبنان وبقي وحده الامام الصدر مرتدياً لعمة الدين والوطن ولم يتخلى عن مشروعه لصالح أي جهة خارجية ولم يقاتل بالنيابة عن أحد ولم يجعل من نفسه ومن حركته ومن طائفته موطأ قدم لأجنبي لهذا ربح السيد وحده حب الوطن والدولة ومازالت طائفة الحرمان تقف عند حدود الوطن زوداً عنه ودفاعاً عن حقها في الحياة داخل الدولة لا خارجها .