صحيح ان المناسبة، الذكرى العاشرة لانتهاء حرب تموز الاسرائيلية على لبنان، لم تكن تستدعي المرور على سوريا، وحربها الضارية، التي كانت توصف في ما مضى بأنها حرب اسرائيلية على نظام الممانعة ودولته المحورية، لكن القفز على الوقائع السورية الاخيرة، والاكتفاء بتوجيه نداء مفاجىء الى داعش والنصرة من أجل إلقاء السلاح، لم يكن أفضل العروض الخطابية للامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، ولا أهمها طبعا.
في الذكرى العاشرة، كانت الرواية ناقصة كما في اليوم الاول. القول بانها كانت حرباً أميركية نفذتها اسرائيل، صحيح مئة في المئة. لكن الاميركيين لم يجبروا حكومة إيهود أولمرت على المضي في عمليات التدمير الجوي طوال 34 يوماً فقط لانهم إرتأوا ضم لبنان الى الشرق الاوسط الجديد الذي كانت تبشر به ادارة الرئيس جورج ببوش يومها. ثمة أهداف أهم وأخطر وأبعد، حددها الاميركيون صراحة ولم ينكرها الايرانيون أبداً.. ويعرفها معظم العرب الذين هالهم الخراب اللبناني الهائل الذي كاد يستهدف بنية الدولة اللبنانية ومؤسساتها.
كانت الرواية خاطئة، كما في اليوم الاول، عندما ذكر نصر الله حرفياً انها كانت معركة إستباقية ذهب اليها الحزب بدلا من ان يبادر اليها الاسرائيليين الذين خططوا للهجوم على لبنان في خريف العام 2006، فعاجلهم الحزب بضربة في الصيف. فالثابت، وايضا حسب تقدير نصر الله المعدل، والمستند الى وثائق الحرب لا الى تصريحاتها العلنية ومواقفها الدعائية ، ان الاسرائيليين لم يكونوا في وارد الحرب ولا كان لبنان في حساباتهم. كان أقصى ما توصلوا اليه يومها هو الانتقام الشديد، ولمدة يومين او ثلاثة فقط، لخطف الجنديين، قبل أن يضطروا للاستجابة الى طلب الرئيس جورج بوش الملح بمواصلة الغارات الجوية ل34 يوماً من أجل تأديب إيران على رفضها عرض الحوافز الاميركية الشهير. لم يقترح بوش يومها، ولم تفكر حكومة إيهود أولمرت بعمل إسرائيلي بري واسع على غرار غزو العام 1982 او حتى إجتياح العام 1978.
كانت الرواية ضعيفة لان أهداف الحرب ما زالت مبهمة لدى الحزب وكذا نتائجها. أما عن الوقائع والتفاصيل فانها لا تبيح تفادي جميع أشكال المقارنة مع بقية الحروب الاسرائيلية السابقة على لبنان في السبعينات والثمانينات وحتى التسعينات من القرن الماضي، التي كانت معدة سلفاً لكنها انتهت الى إخفاقات كثيرة، من وجهة نظر اسرائيل، أهم من الاخفاقات التي سجلت في حرب العام 2006 المدمرة..والتي لا تسمح بالكلام عن إهتزاز الكيان الاسرائيلي ومؤسساته الامنية والسياسية التي ضربها زلزال عنيف في اعقاب غزو العام 1982.
كانت الرواية جزءا من حرب نفسية تفترض الردع لاسرائيل التي لم يثبت طوال السنوات العشر الماضية انها إرتدعت، بل غيرت أساليبها وأدواتها ووسعت نطاق عملها في الاعوام الخمسة الماضية تحديداً حيث استباحت الاجواء والاراضي السورية، اكثر مما خرقت الاجواء والاراضي اللبنانية.. ومن دون ان تتخلى عن حيادها أو بتعبير أدق عن عطفها الدفين على النظام السوري.
كانت الرواية ناقصة لان صلة الذكرى بالحرب السورية ليست مفتعلة من وجهة نظر حزب الله، برغم انها ليست مقنعة أبداً. لم يخرج الحزب الى سوريا إلا لانه يعتقد ان إسرائيل لم تعد خطراً داهماً على لبنان وعلى الجنوب. وهذا موقفه المعلن. ولم ينجح حتى الان في تطوير نظريته الاولى عن ان اسرائيل طرف في الحرب السورية، الى جانب أعداء النظام وخصومه. وهي نظرية مثيرة أكثر من الاستناد الى كلام المرشح الجمهوري الاخرق دونالد ترامب عن "داعش"، والذي أوضحه وصححه قبل خطاب نصرالله بساعات.
تلك الاحالة بالذات لم تخدم الخطاب الذي إعترف للمرة الاولى ب"إسلام" "داعش" و"النصرة" عندما ناشدهما إلقاء السلاح، ولم يكفرهما او يتهمهما بالتكفير، مكتفياً بهذا القدر الهامشي من الحديث عن حرب سورية طاحنة تمر بمرحلة حرجة جدا، بات التنظيمان من عناصرها الجانبية، او ربما خارجها، حسبما ثبت في معركة حلب الاخيرة، ولن يكون لهما أي دور رئيسي في مرحلة قياس موازين القوى السورية المقبلة.
لم يكن تفادي الربط بين الذكرى العاشرة لحرب تموز وبين الحرب السورية دليل قوة الخطاب، حتى بناء على المنطق الذي يعتمده الحزب نفسه في قراءة الحدثين وتقدير نتائجهما.. أو في تحليل دوره المتواضع الذي يكاد يضيع في البلدين معا.
حزب الله إذ يضيع في سوريا
حزب الله إذ يضيع في سورياساطع نور الدين
NewLebanon
مصدر:
المدن
|
عدد القراء:
571
عناوين أخرى للكاتب
مقالات ذات صلة
ارسل تعليقك على هذا المقال
إن المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس بـالضرورة سياسة الموقع
© 2018 All Rights Reserved |
Powered & Designed By Asmar Pro