لعلها المفارقة الاكثر بلاغة في التعبير عن الخواء السياسي الذي يظلل البلاد ان يغدو الحدث الداخلي خبر تخلية أحد ممن كانوا يوصفون بـ"قادة المحاور" في طرابلس وفي موازاته اخبار الجرائم الفردية التي تتفشى في لبنان على نحو غير مسبوق . وهكذا عاشت عاصمة الشمال أمس يوماً حماسياً في استقبال المفرج عنه من سجن رومية زياد علوكي بعد انقضاء مدة محكوميته فنظم له "انصاره " في باب التبانة استقبالاً حاشداً ذهب معه بعضهم الى التلميح الى دلالات سياسية وراء هذا الاستقبال.
أما على الصعيد السياسي، فلا يبدو التصحر الذي أصاب المشهد الداخلي مقبلاً على نهاية قريبة في ظل الاجازة الطويلة التي اقتطعتها القوى السياسية لنفسها أقله حتى موعد الجولة الحوارية المقبلة في الخامس من أيلول، علماً ان ما تبقى من هذه الاجازة لا يبشر بأي ملامح انفراج في الجولة المقبلة ما دامت المعطيات التي أدت الى اخفاق الايام الثلاثة من الجولة الاخيرة لا تتبدل ولا تبدو قابلة لاي اختراق سواء في مسألة " السلة " الثلاثية الاضلع للتسوية التي يطرحها راعي الحوار رئيس مجلس النواب نبيه بري أو في كل من ملفي الازمة الرئاسية وقانون الانتخاب على حدة.
في أي حال، ستتجه الأنظار اليوم الى مهرجان بنت جبيل الذي ينظمه "حزب الله" في الذكرى العاشرة للانتصار في حرب تموز 2006 والذي سيلقي فيه الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله خطاباً يتوقع ان يتناول في الدرجة الاولى هذه الذكرى ومن خلالها الصراع مع اسرائيل ثم التطورات الحاصلة في الحرب السورية ولاسيما منها التطورات الميدانية الاخيرة في حلب، كما يرجح ان يطل الخطاب على آفاق الواقع الداخلي.
وفي غضون ذلك علمت "النهار" من مصادر وزارية ان زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري لبيروت الثلثاء المقبل تدخل في إطار تأكيد القاهرة حضور مصر على الساحة العربية وخصوصاً في لبنان في ظل الانكفاء السعودي المستمر منذ أشهر. وقالت المصادر وان الافكار التي سيحملها الوزير المصري لا تختلف عن تلك التي حملها مسؤولون دوليون آخرون ولا سيما منهم وزير الخارجية الفرنسي جان - مارك ايرولت والتي تشدد على ضرورة إنجاز الاستحقاق الرئاسي وعدم إنتظار تطورات خارجية لإتمام هذه الخطوة.ويسعى شكري بعد لقاء المسؤولين الرسميين الى لقاء أكبر عدد ممكن من الشخصيات السياسية في الاستقبال الذي يقيمه السفير المصري محمد بدر الدين زايد الذي تنتهي مدة خدمته في لبنان آخر الشهر.
التعيينات والتمديد
الى ذلك، علمت "النهار" ان التعيينات العسكرية أو التمديد لقيادات عسكرية ستمرّ بالتقسيط أسبوعا بعد أسبوع قبل منتصف ايلول على الارجح فتكون الدفعة الاولى خلال آب الجاري بتعيين الرئيس الجديد لأركان الجيش وبعدها الامين العام لمجلس الدفاع الاعلى، على ان يبت في الدفعة الاخيرة التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي والذي تشير مجمل المعطيات الى تعذر تعيين قائد جديد مكانه نظراً الى استمرار الازمة الرئاسية وعدم ممانعة معظم القوى في التمديد له سنة اضافية اخيرة، في ما عدا الفريق العوني الذي يعترض وزراؤه على التمديد.
وبرز في هذا السياق موقف للرئيس بري اذ قال رداً على سؤال عن احتمال حصول التمديد الثالث للعماد قهوجي: "أرفض حصول شغور في قيادة الجيش وليس مسموحا تحت أي عنوان ولو مقدار اصبع اليد وبتعبير أوضح ولو لدقيقة واحدة" مضيفا ان "الجيش يبقى همي الاول".
الثنائي وقانون الانتخاب
وفي انتظار الجولة المقبلة من الحوار، علمت "النهار" ان ثنائي "تفاهم معراب" "التيار الوطني الحر" وحزب "القوات اللبنانية " ينشط في ترسيخ التقارب بين طرفيه سعياً الى اختراق في الازمة السياسية بالتركيز خصوصاً على توحيد مقاربتهما لقانون الانتخاب. وتقول مصادر معنية بالاتصالات والاجتماعات الجارية بين فريقي الثنائي المسيحي ان الاتفاق بينهما بات أكثر نضجاً على أكثر من مستوى وان هذا الملف يرتبط أيضاً باطراف آخرين الامر الذي يفتح مجالاً لايجاد أكثر من سيناريو ضمن الصيغ المطروحة لقانون الانتخاب لتشكيل جسر تواصل واتفاق بين اطراف الازمة. وهذا الملف كان محور اجتماع عقد أمس في الرابية وضم رئيس "تكتل التغيير والاصلاح" النائب العماد ميشال عون وامين سر التكتل النائب ابرهيم كنعان ورئيس جهاز الاعلام والتواصل في "القوات اللبنانية" ملحم رياشي موفداً من رئيس حزب "القوات" سمير جعجع. وتشير المعلومات المتوافرة الى ان ثمة حرصاً من طرفي الثنائي المسيحي على ضرورة اشراك بقية المكونات المسيحية في البحث الانتخابي الجاري بينهما وقد حصلت لقاءات في هذا السياق بعيداً من الاعلام من أبرزها لقاء بين رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل والرياشي كما بين الجميل وكنعان وستتكثف الاسبوع المقبل الاتصالات بين الثنائي ومراجع مسيحية في مقدمها بكركي.