المعطيات التي وردت في "الموقف" يوم أمس عن "الاهتزاز" في العلاقة بين الرئيسين السوري والروسي وبين موسكو وطهران، وعن رغبة كل من إيران والسعودية في الخروج من "المستنقعات" التي وقعتا فيها وخصوصاً في سوريا واليمن والعراق والتخلص من الاستنزاف الكبير الذي قد تكون نتائجه بعد سنوات وبالاً عليهما معاً، هذه المعطيات ليست بعيدة كثيراً من الواقع في رأي جهات إقليمية بعضها لبناني وكلها معادية لأميركا في المطلق. فضلاً عن أنها تمتلك معطيات أخرى من شأنها، إذا كانت صحيحة، أن تضاعف خشية المتورطين في حروب المنطقة وفي مقدمها طهران والرياض ودمشق الأسد، كما يمكن ضم أنقرة أردوغان إليها بعد تعثر سياسته الاقليمية واستئنافه حربه على أكراد بلاده أو معهم، وكذلك بعد المحاولة العسكرية الفاشلة للانقلاب عليه التي وضعته على عتبة خيارات داخلية وأساسية خارجية متناقضة.
تفيد المعطيات المُشار إليها أن الاتفاق بين أميركا وروسيا حول القضية السورية قد تمّ، وأن المسؤولين في الثانية أطلعوا الرئيس بشار الأسد عليه بل أبلغوه إليه من دون أن يتركوا له مجال رفضه أو بالأحرى ترجمة رفضه في صورة عملية. وتفيد أيضاً أن سوريا ستشهد في إطار لامركزية موسّعة أو ربما فيديرالية كياناً كردياً يستحيل أن يرقى الى مرتبة الدولة. وتفيد ثالثاً أن تنفيذ الاتفاق يقتضي تخلّي الأسد عن السلطة وتخلّي العلويين، الذين شكّلوا عصب النظام الذي أسسه والده الراحل عام 1970، عن سيطرتهم على المفاصل الاستراتيجية في الدولة مثل الجيش وأجهزة الأمن والمخابرات وغيرها. وتفيد رابعاً أن النظام الذي سيخلف نظام الأسد سيكون شبيهاً الى حد ما باتفاق الطائف بين النواب اللبنانيين عام 1989 الذي رعته المملكة العربية السعودية ودعمته أميركا وكُلّف الأسد الأب تنفيذه. ويعني ذلك أن رئيس الجمهورية يمكن أن يكون علوياً لكن الطابع العام للنظام الجديد سيكون سنياً من دون أن يحوّل سوريا دولة دينية. وفي هذا الاطار فإن بعض "الضمانات" التي أعطاها "الطائف" لمسيحيي لبنان قد لا تتوافر كلها أو قد يغيب قسم كبير منها عن "طائف سوريا". كما أن صلاحيات الرئيس ستكون محدودة جداً. وتفيد خامساً أن النفوذ الدولي في سوريا ما بعد الأسد أو الشراكة الدولية أو المظلة الدولية لن يكون لأميركا بل لروسيا. وتفيد المعطيات نفسها سادساً أن الأسد "طار عقله" كما يُقال في العامية عندما تسلم رسمياً أو أُعلم رسمياً بالاتفاق. لكنها لا تشير الى موقف سلبي اتخذه رسمياً إذ ربما كان معتمداً لإحباطه وضربه على حليفته إيران. وتفيد سابعاً أن المرجعية الأولى والأخيرة في طهران لم تنشرح أبداً للاتفاق نفسه يوم أُطلعت عليه، وأبدت استعدادها لإكمال المسيرة الحربية مسيرة دعم الأسد. علماً أنها لم تكن ترفض في السابق في المطلق تسوية على حسابه في سوريا شرط أن تكون لها كلمة وازنة في البديل منه وفي النظام الجديد عموماً، وأن تتمتع بوضع مريح في سوريا مشابه الى حد ما للوضع الذي عاشته فيها أيام الرئيس الراحل والذي "ترحرح" كثيراً في أيام خلفه. والهدف من ذلك كله هو إبقاء تواصلها الجغرافي مع لبنان وحليفها "حزب الله" فيه.
هل معطيات الجهات المعادية لأميركا صحيحة أو جديدة؟
هي لا تمتلك جواباً عن هذا السؤال. علماً أنها تعترف أن بعضاً منها تم تداوله غير مرة بعد التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا وخصوصاً ما يتعلّق منه بتنحّي الأسد وتركيبة الدولة. وكانت موسكو تنفيه بعد غضب طهران ودمشق، ثم تؤكده على ألسنة موظفين كبار فيها أمام مسؤولين أميركيين وغير أميركيين. ولذلك لا تستطيع أن تؤكد اذا كانت معطياتها قديمة. لكن ما تعرفه وتؤكده أنها الآن مطروحة وأنها سببت قلقاً كبيراً في العواصم المعنية مباشرة كما أوساط "حزب الله" الذي لولاه لما صمد نظام الأسد قرابة 4 سنوات. إلا أنها تميل الى الاعتقاد بوجود اتفاق أميركي – روسي على أساس هذا الاتفاق. لكن تفاصيله ستبقى، مع طريقة تطبيقه ورعاية التطبيق ومدته، مادة بحث وحوار بين جولات الكرّ والفرّ التي لا بد أن يستخدمها الأميركيون والروس والإيرانيون والأسديون و"حزب الله" وربما الأتراك لتحصيل أقصى ما يستطيعون أو لتجنّب أشد ما يؤذيهم. وهذا يتطلّب سنوات. علماً أن إسرائيل لا يمكن استبعاد كلمة لها فيه على الأقل عند حليفيها المزمنين روسيا ثم أميركا.
اتفاق أميركي - روسي يُقصي الأسد وعصبيّته؟
اتفاق أميركي - روسي يُقصي الأسد...سركيس نعوم
NewLebanon
مصدر:
النهار
|
عدد القراء:
743
عناوين أخرى للكاتب
مقالات ذات صلة
ارسل تعليقك على هذا المقال
إن المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس بـالضرورة سياسة الموقع
© 2018 All Rights Reserved |
Powered & Designed By Asmar Pro