استغرب مراقبون خسائر داعش التي أعلنت عنها واشنطن منذ قيادتها التحالف الدولي لمكافحة التنظيم، واعتبروا أن في الأمر تضخيما لا يتّسق مع واقع أن التنظيم مازال، على الرغم من ضربات كل الدول التي تساهم في ذلك من داخل وخارج التحالف، قادرا على الإمساك بمدن رئيسية في سوريا والعراق، وتصدير إرهابيين إلى مدن أخرى ناهيك عن ضرباته التي تبدو عشوائية في دول العالم.
واعتبر خبراء عسكريون أن حديث قائد قوات “التحالف الدولي” الفريق شون مكفرلاند عن أن قوات التحالف قتلت نحو 45 ألفا من عناصر داعش، منذ بدء عملياتها ضد التنظيم قبل نحو عامين، لا يتفق مع منطق، على نحو يحيل تصريحاته باتجاه مرام غير عسكرية وقد تكون على صلة بحسابات سياسية أميركية داخلية قبل الانتخابات الرئاسية في واشنطن.

ورأت أوساط متخصصة في شؤون الجماعات الجهادية أن تكتيكات “داعش” تعتمد، كما بات معروفا، على أسلوب حرب العصابات، رغم ادعائه إقامة “دولة”، وأن انتشار التنظيم وتوزيع قواته لا يسمحان بتعرضه لخسائر جماعية على النحو الذي تتعرض له الجيوش المستقرة في ثكنات وقواعد.

وتساءلت هذه الأوساط عن الحجم الحقيقي لهذا التنظيم في تصوّر الولايات المتحدة، والذي وفق أرقام الخسائر التي أعلنها مكفرلاند، يفترض أن أعداده تصل إلى مئات الآلاف من المقاتلين، فيما التقديرات السابقة التي صدرت عن الحلف الأطلسي تحدثت عن بضع العشرات من الآلاف.

واعتبر دبلوماسي أوروبي سابق أن أرقام الخسائر التي يراد منها التلميح إلى القوة العملاقة التي يملكها التنظيم تطرح أسئلة مثل: أين كانت الولايات المتحدة وأجهزتها وقواتها العسكرية وأجهزة الرصد الفضائي لمنع تعملق الحالة الداعشية التي من الواضح، وحسب أرقام مكفرلاند على الأقل، أنها لم تكن تسرّبا خفيا، بل اجتياحا علنيا.

وتوقف المراقبون عند لغة الأرقام التي اعتمدها الجنرال الأميركي في مؤتمره الصحافي الذي عقده في بغداد عبر دائرة تلفزيونية، وتابعه صحافيون من واشنطن، معتبرين أن الأمر لا يعدو كونه ضجيجا يراد به مخاطبة الرأي العام الأميركي والنخبة السياسية قبل الانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر المقبل.

ورجّح المراقبون أن يكون الأمر تلميعا لخيارات الإدارة الديمقراطية برئاسة باراك أوباما وتبريرا لإعطاء أمر محاربة داعش أولوية على حساب ملفات نزاع أخرى، بما يرفع من حظوظ هيلاري كلينتون في السباق نحو البيت الأبيض.


شون ماكفرلاند: قضينا على 45 ألف عنصر من داعش
واستبعدت مصادر تورّط الجيش الأميركي في “بروباغندا” لصالح هذا المرشح أو ذاك في الانتخابات، لكنها اعترفت بأن أرقام مكفرلاند مبالغ فيها، وهي ربما تصبّ في صالح وزارة الدفاع والمؤسسة العسكرية لجهة إبراز دورهما في مكافحة الإرهاب ردا على دعوات تنشط بمناسبة الانتخابات الرئاسية لإعادة النظر في ميزانيات الدفاع في الولايات المتحدة.

ومع ذلك استنكرت هذه المصادر الخفة في استخدام الأرقام على نحو يربك مصداقية المؤسسة العسكرية الأميركية واتزانها.

وكان قانون صدر عام 2011 قد ألزم البنتاغون بخفض إنفاقه بمقدار نحو تريليون دولار على مدى عشر سنوات. وقد وقعت صياغة القانون بينما كانت الولايات المتحدة لا تزال تحاول إنهاء الصراع في أفغانستان.

وأجبرت التوترات التي تنامت في السنوات الأخيرة مع روسيا بسبب الأزمة الأوكرانية، ناهيك عن سيطرة تنظيم داعش على مناطق واسعة في سوريا والعراق الجيش الأميركي على القيام بعمليات متسارعة على رأس “التحالف الدولي”، فضلا عن تحديث استراتيجيته ونشر الدرع الصاروخية في أوروبا لمواجهة الخطرين الإرهابي والروسي.

وكان وزير الدفاع آشتون كارتر قد حذر من أن المزيد من الخفض سيجبر وزارته على إعادة النظر في استراتيجيتها التي تدعو إلى جيش أميركي قوي قادر على أن يخوض صراعا كبيرا وفي نفس الوقت يمكنه من وضع قوى منافسة له في صراع آخر في موقف حرج.

لكن أوساطا دبلوماسية عربية لفتت إلى أن إعلان مكفرلاند عن أن قوات التحالف “دربت 13 ألفا و500 مقاتل من القوات الأمنية العراقية، و4 آلاف جندي من الجيش العراقي، و1500 من قوة مكافحة الإرهاب، و6 آلاف من “البيشمركة”، إضافة إلى 1000 من عناصر الشرطة الاتحادية، و300 من حرس الحدود، و5 آلاف عنصر من الشرطة المحلية، و20 ألفا من مقاتلي العشائر، يعكس تعامل التحالف وواشنطن مع المنطقة دون أي اعتبار لسيادة الدول وحكوماتها.

ويمنح القوى المحلية شرعية دولية لجهة التعامل معها مباشرة بنفس المستويات التي تتعامل بها واشنطن مع الحكومات المركزية.

وحذرت هذه الأوساط من تداعيات الاعتراف بالمكونات العشائرية والقومية والدينية كأمر واقع تعترف به دول التحالف يؤسس لاعتراف مقبل بخرائط تقسيمية لاحقة في المنطقة.

صحيفة العرب