اذا كان من دلالة للخطوة التي أقدم عليها المياومون في مؤسسة كهرباء لبنان أمس بقطع الطريق الرئيسية في الاتجاهين أمام مقر المؤسسة والتسبب باحتجاز أرتال من السيارات وركابها في ساعات الظهيرة، فهي أن الخريف المطلبي بدأ مبكراً وحاراً في عز آب منذراً بتصاعد الازمات الاجتماعية. وإذ يأتي التحرك الاحتجاجي للمياومين متزامناً مع استعدادات مماثلة لتحرك هيئة التنسيق النقابية لاحياء جملة مطالب لها في مقدمها سلسلة الرتب والرواتب، ترتسم في أفق المشهد السياسي تراكمات لا تبدو الحكومة قادرة على احتوائها فيما هي تتخبط في العجز عن بت ملفات معروضة على مجلس الوزراء وتؤجل من جلسة الى أخرى بفعل التناحر والخلافات الوزارية.
وأبلغت مصادر وزارية "النهار" ان الجلسة العادية لمجلس الوزراء قبل ظهر اليوم والتي ستبحث في جدول أعمال من 59 بنداً ستشهد نقاشاً في بنديّن: الاول، يتعلق بطلب لمجلس الانماء والاعمار يتعلق ببلدية بيروت في شأن معالجة النفايات بالتفكيك الحراري، علماً ان إتفاقات النفايات الاخيرة جعلت بيروت ضمن مخطط يشمل مطمري الكوستابرافا وبرج حمود. ورجحت المصادر صدور توضيح يفيد أن خطوة البلدية هي بعيدة المدى وليست آنية. أما البند الثاني فيتعلق بإتفاق رضائي مع إحدى الشركات في شأن مطبوعات لوزارة الداخلية. وأوضحت المصادر ان هناك بنداً يحمل عنوان "تقرير إضافي أعدّه وزير الاتصالات" لكنه لن يطرح للنقاش نظراً الى غياب الوزير المعني بطرس حرب.
وسئلت المصادر عن تأثير الحوار الدائر حالياً بين رئيس مجلس النواب نبيه بري و"التيار الوطني الحر" على عمل الحكومة، فأجابت بأن هناك سعيا من "التيار" لمنع التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي ورفض طروحات الوزير حرب في ملف الاتصالات. لكن الرئيس بري يحمل توجهاً مختلفاً سواء بالنسبة الى التمديد لقهوجي أو بالنسبة الى طروحات وزير الاتصالات وهي توجهات يلتقي عليها أفرقاء آخرون وخصوصاً لجهة التمديد لقائد الجيش والذي يبدو ان طرحه لن يكون في وقت قريب وسيتم التفرغ لمعالجته في أيلول المقبل تعيين رئيس جديد للاركان.
لكن المصادر لم تخف تخوّفها من تصاعد الازمات الاجتماعية، فيما تعاني الحكومة واقعاً مفككاً كان من نماذجه انفجار السجال الحاد بين الوزير حرب ووزير الخارجية جبران باسيل في اليومين الاخيرين وخصوصاً حول ملف الاتصالات بكل تشعباته، الامر الذي يجعل جلسات مجلس الوزراء عرضة لمزيد من المواجهات وتعثر القرارات المنتجة. وهي كانت تشير الى الرد العنيف لمكتب حرب امس على الهجوم الذي شنه باسيل عليه أول من أمس في ملف الاتصالات فوصفه الرد بـ"دونكيشوت الخارجية والطفل المعجزة الذي وصل في طرفة عين الى مراكز المسؤولية نتيجة ظروف صدفة المصاهرة". وأعربت المصادر عن تخوّها من تداعيات التعقيدات السياسية التي برزت في جولات الحوار الاخيرة كما عبر الآفاق المعقدة للملف الرئاسي بما يضع الحكومة امام مرحلة جديدة من شد الحبال وتقييد انتاجيتها المتسمة أساساً بالضعف.

 

بري و"التيار"
ولوحظ في هذا السياق ازدياد وتيرة الاتصالات بين عين التينة والرابية من خلال الزيارتين المتعاقبتين اللتين قام بهما كل من الوزير باسيل أول من أمس ووزير التربية الياس أبو صعب امس لرئيس مجلس النواب نبيه بري. وأعلن أبو صعب ان "هناك تقارباً في وجهات النظر مع الرئيس بري وخصوصاً على طاولة الحوار". ونقل عن بري تأكيده "ان هناك كثيراً من التناغم في الأفكار لايجاد حل للأزمة". ويقول قريبون من "التيار الوطني الحر" في هذا السياق إن لا حل للأزمة الا بالقبول بانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية "واذا لم تحل العقد وتفكك في أيلول فان الاحوال ستعصف في تشرين أي الذهاب نحو منحى آخر هو المواجهة". ويشير هؤلاء الى ان ثمة استحقاقات كثيرة داهمة يحين أوانها بدءاً من أيلول المقبل أولها الرئاسة وثانيها قانون الانتخاب اذ يبدأ العد العكسي لاجراء الانتخابات النيابية ووضع قانون جديد في ظل رفض التمديد لمجلس النواب ولقانون الستين وقرب انتهاء ولاية قائد الجيش، علماً ان موقف "التيار" المبدئي رافض للتمديد له وهو في طور درس خياراته في حال اقدام وزير الدفاع على خطوة تأجيل تسريح العماد قهوجي.

تحركات احتجاجية
في غضون ذلك، عادت قضية المياومين في مؤسسة كهرباء لبنان امس الى الواجهة من خلال تصعيد تحركهم الاحتجاجي على عدم تثبيتهم فقطعوا الطريق العام أمام مقر المؤسسة على أوتوستراد المرفأ الامر الذي تسبب بزحمة سير خانقة وكاد يشعل مواجهة بين المعتصمين وقوى الأمن الداخلي التي حاولت فتح الطريق ومنع اقفالها بعدما امتدت الزحمة حتى نهر الكلب في الاتجاهين. وبعد فك الاعتصام توجه المياومون الى مقر مجلس الخدمة المدنية في فردان حيث أعلنوا بعد لقاء وفد منهم رئيسة المجلس فاطمة عويدات الصايغ ان "المجلس تعاطف مع قضيتهم وقرر تأجيل المباريات التي كانت مقررة السبت المقبل الى أجل غير مسمى الى حين تهدئة الأجواء".
وفي المقابل دعت هيئة التنسيق النقابية عقب اجتماعها أمس الى الاستعداد لخطوات تصعيدية في الايام المقبلة احتجاجاً على "عجز الطبقة السياسية الحاكمة عن ايجاد الحلول للمشاكل الاجتماعية التي يعانيها المواطن وفي مقدمها سلسلة الرتب والرواتب وامتناع وزير العمل عن دعوة الهيئة الى المشاركة في اجتماع لجنة المؤشر وتأخر وزارة الداخلية في دفع مستحقات المعلمين والموظفين الذين سهروا على انجاح الانتخابات البلدية والاختيارية". وحددت موعداً لاجتماعها في هذا الصدد الاربعاء 17 آب الجاري.