تتابع روسيا تكثيف غاراتها على مواقع الفصائل «الجهادية» على طول خط المعارك بين حلب وإدلب بالتوازي مع النشاط السياسي المستمر للتوصل إلى «قاعدة اتفاق» بين موسكو وواشنطن، تضمن عملية «فصل الإرهابيين» عن «الفصائل المعتدلة» وتخفف من بعض الضغط السياسي الناجم عن تطويق أحياء حلب الشرقية التي تضم نحو 250 ألف مدني، وذلك عبر عرض هدنة يومية لثلاث ساعات لإدخال مساعدات.
وتأتي هذه التطورات في وقت تتابع فيه الفصائل «الجهادية» حشد قواتها في محيط مدينة حلب لبدء ما تسميه «المرحلة الرابعة من ملحمة تحرير حلب»، بعد إغلاق الجيش السوري للثغرة التي فتحها المسلحون في الخاصرة الجنوبية الغربية للمدينة.
التصعيد السياسي والحركة الديبلوماسية المتواصلة خلال اليومين الماضيين ترافقت مع ضغط سوري ـ روسي ميداني كبير على مواقع سيطرة الفصائل المسلحة، إذ تمّ استهداف مواقع سيطرتهم ونقاط انطلاقهم في ريف إدلب الشرقي وصولاً إلى ريف حلب الجنوبي بشكل كثيف، بالإضافة إلى زيادة سلاح الجو الروسي لوتيرة غاراته على مواقع «جبهة النصرة» و «أحرار الشام» في مدينة إدلب.
أسلحة جديدة و«المحيسني» يحشد «انغماسييه»
خلال اليومين الماضيين لوحظ دخول سلاح المدفعية بقوة في المعركة، كذلك كشف «حزب الله» عن إشراكه طائرات من دون طيار استهدفت عربات ومواقع للمسلحين في ريف حلب الجنوبي.
هذه التطورات دفعت «عرّاب» الهجوم على حلب «الجهادي» السعودي عبد الله المحيسني لنشر تسجيل مصور لزيارة لم يتم التأكد من تاريخها، يفترض أنه قام بها إلى أحياء حلب المحاصرة بعدما تمكن المسلحون من فتح ثغرة إثر سيطرتهم على حي الراموسة جنوب غرب المدينة. وتوعد المحيسني خلال خطاب بـ «معارك طاحنة لتحرير حلب»، وبتجهيز «ألف انغماسي لشن هجمات صاعقة». وجاء ذلك بالتوازي مع تصعيد إعلامي آخر تولاه المتحدث العسكري لـ«حركة أحرار الشام» أبو يوسف الهاجر، فأعلن عن «قرب انطلاق المرحلة الرابعة من تحرير حلب بعد استكمال عمليات الاستعداد لهذه المرحلة».

وعلى الرغم من المؤشرات لقرب الاتفاق الروسي ـ الأميركي حول سوريا، وهو ماكان أعلن عنه المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين في وقت متأخر من ليل الأربعاء ـ الخميس، إلا أن معضلة «فصل الإرهابيين عن المعتدلين» لا تزال حجر عثرة امام إتمام الاتفاق.
هذا الأمر أكده نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف بقوله: «من المهم تحقيق الفصل الحقيقي بين المعارضة المعتدلة وتنظيمي داعش وجبهة النصرة الإرهابيين في سوريا»، مضيفاً «الغرب لا يتبادل المعلومات معنا حول المسلحين الذين يتعاون معهم في سوريا، تصريحات الأميركيين حول تأييد العملية السياسية تدعو للشك، وما يحدث أمر مختلف تماماً».
كلام ريابكوف يحمل إشارة إلى أن جبهات حلب ستبقى مشتعلة وخاضعة لقرار عسكري ببدء عملية منتظرة بعد استكمال التحضيرات لها، خصوصاً أنه بات ينظر للمدينة، وهي العاصمة الاقتصادية لسوريا، على أن معركتها ستكون الفيصل الذي سيحدد مصير الحرب بشكل عام.
موسكو: هدنة حلب
وعلى الرغم من إعلان موسكو وصول اتفاقها مع واشنطن إلى نقاط متقدمة، إلا أنها تحرص على متابعة العمل على الجبهات الميدانية والسياسية، فبعدما عطلت قرار مجلس الأمن الداعي لـ «تهدئة غير محدودة الزمن»، أعلنت وزارة الدفاع الروسية عن «هدنة إنسانية» في حلب لمدة ثلاث ساعات يومياً بدءاً من اليوم الخميس، ليصار إلى إدخال مساعدات إنسانية إلى الأحياء الشرقية المحاصرة في المدينة.
وأوضحت وزارة الدفاع الروسية أن الهدنة تتضمن « إيقاف جميع العمليات العسكرية والضربات الجوية وضربات المدفعية خلال هذه الفترة»، مشيرة إلى أنها مستعدة «إلى جانب السلطات السورية لمساعدة جميع المنظمات المعنية على تسليم المساعدات الإنسانية بسلام إلى سكان حلب».
لكن الأمم المتحدة رفضت تحديد وقت زمني للهدنة، وقال أمينها العام بان كي مون إن «مهلة الثلاث ساعات يوميا في حلب غير كافية للوصول الى جميع المحتاجين».
وأوضح وكيل بان كي مون للشؤون الإنسانية ستيفين اوبرايان أنه «لتلبية هذا الحجم من الاحتياجات نحتاج الى ممرين ونحتاج الى 48 ساعة تقريباً لادخال عدد كاف من الشاحنات»، فيما رأى مصدر سوري أن ضغوط الأمم المتحدة ووضع شروط للهدنة الإنسانية «يأتي في سياق الضغوط السياسية المتواصلة على كل من روسيا وسوريا لمنع تحقيق تقدم ميداني جديد في حلب»، موضحاً أن هذه المهلة الطويلة ستمنح الفصائل الإرهابية فرصة لالتقاط الأنفاس ومتابعة شن الهجمات».
ويتوافق تصريح المصدر السوري مع تصريحات وزراة الدفاع الروسية التي ذكرت بأن «نحو 7000 متشدد من جبهة النصرة (فتح الشام) احتشدوا جنوب غرب حلب خلال الأسبوع الماضي ولا يزال مقاتلون جدد ينضمون إليهم»، ما يعني فعلياً أن روسيا أخذت بالاعتبار عدم تكرار تجربة الهدنة السابقة الفاشلة، والتي التزمت فيها روسيا وسوريا، ما أفسح المجال للفصائل «الجهادية» لشن هجمات على مواقع الجيش السوري والحلفاء في ريف حلب الجنوبي، الأمر الذي مهّد الطريق لشنّ الهجوم الأخير على خاصرة حلب الجنوبية الغربية.
وفي هذا السياق، أعادت موسكو إلى الأذهان مراعاتها لـ «الجانب الإنساني»، حيث أكد رئيس إدارة العمليات في هيئة أركان القوات المسلحة الروسية الفريق سيرغي رودسكوي أن «جميع الممرات الإنسانية السبعة التي عينت لخروج السكان المدنيين والمسلحين الراغبين في إلقاء السلاح، مفتوحة وتعمل على مدار الساعة»، مشيراً إلى وجود سيارات إسعاف قرب الممرات كما تم نشر «نقاط لتوزيع الطعام الساخن، وهناك احتياطات من مياه الشرب والأغذية».
وأوضح رودسكوي أن «فصائل مسلحة عدة خرجت من حلب عبر الممر الإنساني الإضافي بالقرب من طريق كاستيلو»، مضيفاً أن «فصائل مسلحة عدة أدركت عدم وجود أي آفاق لمواصلة العمليات القتالية، وهي غادرت الأحياء الشرقية من المدينة مع سلاحها، مستخدمة هذا الممر».
وأشار إلى أنه تم «تحديد فترات خاصة من الساعة العاشرة صباحاً وحتى الواحدة بعد الظهر حسب التوقيت المحلي، ابتداء من يوم الخميس، سيتم خلالها تعليق كل العمليات القتالية والقصف الجوي والمدفعي لضمان سلامة مرور القوافل إلى حلب»، مشيراً إلى أن روسيا تؤيد مقترحات الأمم المتحدة حول الرقابة المشتركة على إيصال المساعدات الإنسانية إلى سكان حلب.
ميدانيا، استهدفت الفصائل «الجهادية» حي الحمدانية المكتظ بالسكان بقذائف عدة تسببت باستشهاد أكثر من 15 مواطناً وإصابة نحو 35، وفق إحصاءات طبية مبدئية، في وقت تابعت قوات الجيش السوري والفصائل الحليفة ضغطها على مواقع سيطرة الفصائل «الجهادية» في حي الراموسة ومنطقة الكليات، كما استهدفت عربات ثقيلة للمسلحين في هذه المنطقة.
وذكر مصدر عسكري سوري لـ «السفير» أن «الجيش السوري والحلفاء باتوا مستعدين لبدء عملية تطهير للمنطقة»، وهو ما تؤكده الغزارة النارية التي يشهدها حي الراموسة، خصوصاً بعد تسلم العقيد سهيل الحسن قيادة العمليات على المحور الجنوبي الغربي لحلب، ومن المعروف أن العقيد «النمر» يتبع سياسة «الصدمة النارية»، التي تضمن تقدم المشاة بعد التمهيد الناري الكثيف على مواقع «الجهاديين»، بالإضافة إلى وجود خط ناري فاصل بشكل دائم يمنع تحركات «الانغماسيين» والمفخخات، سلاح «الجهاديين» الفتاك في المواجهات المباشرة، الأمر الذي يتطلب السيطرة على المرتفعات، والتي تعتبر أبرزها تلتي المشرفة والمحروقات على جبهة القتال جنوب غرب حلب.