لم يكن شلاّل وعامر (اسمان مستعاران لشابين سوريّين) يعتقدان بأنّ المكان الّذي عملا فيه في حي المزة بدمشق، قبل أكثر من عشر سنوات، سيكون لعائلة رجل أشغل العالم به من دون رؤيته وحتّى بعدما أماط اللّثام عن وجهه، وهو الفاتح أبو محمّد الجولاني.
مع ظهور أبو محمّد الجولاني، وهو زعيم “جبهة فتح الشام” (جبهة النّصرة سابقاً) على شاشة “الجزيرة” في 28 تمّوز الماضي من دون لثام، تعدّدت روايات منشئه في سوريا، بين أنّه من دير الزور أم من دمشق، ليتمّ ترجيح أنّ أصله من درعا، واسمه الحقيقيّ أحمد حسين الشرع”، بحسب الشاهدين.
لقد عمل شلاّل في محلّ “سوبر ماركت” يعود إلى عائلة أحمد حسين الشرع، الّذي أصبح أبو محمّد الجولاني، قرب جامع الأكرم في حيّ المزّة بدمشق. وكان يعمل في المحلّ شاب من شمال سوريا كان رفيق الجولاني في رحلتهما إلى الجهاد في العراق عام 2003 أيضاً.
وأشار شلاّل إلى أنّ الجولاني كان يتردّد إلى محلّ العائلة، عندما ينشغل أخوه جمال، وقال: “كان أحمد (الجولاني حاليًا) شخصاً منعزلاً ومكتئباً طوال الوقت، لم يظهر عليه أنّه مثقّف أو سياسيّ، فعندما كان يتردّد ناطور كرديّ إلى المحلّ ويتحدّث في أمور عامّة لم ألحظ مشاركة من الشرع”، بحسب “شلال”، مضيفًا فهيئته (الجولاني) كانت توحي بأنّه متديّن “يرتدي قميصاً طويلاً، يقلب أكمامه قلبتين إلى الأعلى، ويرتدي سروالاً من القماش، قصيراً من الأسفل، وعلى وجهه لحية خفيفة”.
كان الـ”سوبر ماركت” كبيراً جدّاً يعمل فيه نحو 20 شخصاً، وفي بناء أرضيّ يأتي عرضه على امتداد مساحة الجهة اليسرى لبناء كامل يبلغ مساحة 4 غرف كبيرة تقريبًا، في منطقة حسّاسة بدمشق تخضع لنظام أمني قوي، محاطة بالسفارات ومقابل منازل ضبّاط وفنّانين سوريّين.
وأشار شلاّل، نقلًا عن الشاب الّذي كان قد رافق الجولاني إلى العراق عام 2003، إلى أنّ الأخير فصل من الجامعة، وهو في السنة الأولى في قسم الإعلام بجامعة دمشق، “قبل أن يتّجه إلى العراق في عام 2003 للجهاد. “في العراق تمّ اعتقاله مع مجموعة، وبعد أشهر من الاعتقال تمّ تسليمهما إلى النّظام السوريّ”.
لقد استطاع موقع “المونيتور” الوصول إلى شخص كان مقرّباً من “جبهة النّصرة” (عمل لفترة مع جبهة النصرة)، وتركها قبل ثلاث سنوات (فضّل عدم الكشف عن اسمه)، وهو يعيش حاليّاً خارج البلاد، وكان قد قابل في عام 2005 الجولاني في منطقة السبينة بدمشق ثلاث مرّات، وقال: إنّ الجولاني، الّذي كان يعرف (بين المجموعات الإصولية الإسلامية) آنذاك باسم أبو محمّد الدرعاوي، عندما عاد من العراق إلى سوريا “عمل كمنسّق مع مجموعة تابعة له في تهريب المجاهدين القادمين إلى سوريا”، وكان يقتصر عملهم على إرسال المجاهدين عبر دير الزور أو الحسكة إلى العراق مع تأمين مسكنهم ومأكلهم.
وأشار عامر إلى أنّه التقى صدفة في دمشق وكان ذلك عام 2005 بأحد العاملين في الـ”سوبر ماركت” أخبره أن الشرع (الجولاني) انقطعت أخباره عن أهله بعد عام 2004. وأن أهله يعتقدون أنه في حلب ولكن دون أن يتأكدوا.
كان النظام السوريّ اعتقل مجموعات وزجّها في سجن صيدنايا العسكري الذي يبعد عن العاصمة دمشق 30 كيلومتر بتهمة انضمامها إلى تنظيم “جند الشام” في عام 2005. وقيل آنذاك، إنّ النّظام هو من فتح الطريق للجهاديّين إلى العراق، وهو من اعتقلهم عندما بدأت الشكاوى تظهر من العراق وبرفقة الضغوط الأميركيّة.
وأشار شلاّل لـ”المونيتور” إلى أنّ الشاب الّذي كان برفقة الجولاني (وهو الشاب من شمال سوريا كان برفقة الجولاني في العراق وعاد مع الجولاني وعمل في محل السوبر ماركت العائد لأهل الجولاني) أخبره أنّهما ذهبا إلى العراق عن طريق محمود قول آغاسي الملقّب بـأبي القعقاع، وهو رجل صعد نجمه كداعية إسلاميّ وخطيب في جامع العلاء بن الحضرمي بحي الصاخور في حلب عام 2001، وقيل إنّه كان مسؤولًا عن إرسال المجاهدين إلى العراق. كما قيل إنّه كان صنيعة المخابرات السوريّة، وتمّت تصفيته.
وكذلك، ذكر الشاب لشلاّل بأنّ الجولاني كان قد عرض عليه الذهاب إلى حلب والعيش مع جماعة أبي القعقاع، لكنّه رفض. وعن ذهابهم إلى العراق، قال: “اجتمعنا أثناء غزو العراق في عام 2003 نحو 60 شخصاً في دمشق بحجّة الذهاب في رحلة. ثمّ قاموا بجمع بطاقاتنا الشخصيّة ووضعوها في ظرف وأعطيت إلى أحد الشيوخ (كان يذكر اسم الشيخ أبو القعقاع بينهم كثيراً). ثمّ صعدنا في بولمانات سياحيّة أو باصات نقل باتّجاه البوكمال في ريف دير الزور، وكان معنا أناس يتواصلون مع الأمن السوريّ وحرس الحدود (الهجانا) ، الّذين فتحوا لنا الطريق لندخل إلى الأراضي العراقيّة”.
إنّ الشخص الّذي لم يكشف عن اسمه (الذي كان مقربًا من النصرة وتركهم قبل ثلاث سنوات)، كان معتقلاً في سجن صيدنايا بدمشق بين عامي 2005 – 2011 بتهمة الإنتماء إلى جماعات إسلاميّة، وأطلق سراحه ورفاقه مع انطلاقة الثورة السوريّة في عام 2011 على حد وصفه، مشيرًا وأشار إلى أنّ الجولاني مع مجموعته كانا ضمن إحدى خلايا جند الشام في عام 2003، ووصف الشاهد الذي كان مقربًا من النصرة الجولاني بأنّه “رجل مثقّف (على عكس وصف شلاّل الذي ذكر أن الجولاني لم يتبين أنه مثقف) وملتزم، ويجيد إحدى رياضات الفنون القتاليّة”.
ونفى اعتقال الجولاني في سجن صيدنايا من قبل النّظام، وقال: “كان هناك رفاق من مجموعة الجولاني معنا في السجن، أخبرونا بأنّه غادر سوريا إلى العراق منذ عام 2006”.
وأشار إلى أنّ أحد أعضاء مجموعته في السجن كان اسمه عامر المسالمة، شكّل بدرعا في ظلّ الثورة السوريّة “حركة المثنى”، وقتل في معارك العام الماضي ليستلم أخوه القيادة”، لافتاً إلى أنّ الجولاني أسّس مع رفاقه في سوريا بأواخر عام 2011 خليّة مؤلّفة من ستّة أشخاص ضمّت أربعة سوريّين، من بينهم: الجولاني وأبو أحمد الشامي (من سرغايا بريف دمشق) وإثنان آخران سوريّان، إضافة إلى أبو ماريا القحطاني وأبو صالح العراقيّ، وهما من العراق، وقال الشخص الذي كان مقربًا من النصرة لـ”المونيتور”: “إنهم أي الجولاني ورفاقه الذين أسسسوا الخلية سابقًا، أسّسوا بعدها في دمشق بوجود 33 شخصاً جبهة النّصرة، الّتي أعلن عن بيانها الأوّل في منتصف عام 2012”.
ولفت شلاّل بالقول إلى أنّ أحمد (الجولاني حاليً) كان يتردّد إلى الجامع أحياناً، وكان يتلقّى الدروس الدينيّة في أحد المعاهد الّتي يدرّس فيها أحد أبناء محمّد سعيد رمضان البوطي، و”كانت عائلة أحمد الشرع (الجولاني) على علاقة جيّدة بعائلة البوطي”.
وإنّ العائلة (عائلة الجولاني) بحسب عامر، هي من أقرباء نائب الرئيس السوريّ فاروق الشرع.
ويتوسّط الجولاني إخوته كما يقول عامر، إذ يكبره جمال الشرع الذي كان يدير محل السوبر ماركت ، وعلي الشرع الّذي كان يدرّس في كلية الآداب، وأخ آخر كان يخدم في الخدمة الإلزاميّة، وآخر يعيش في السعوديّة لا يعرف عامر عنهما شيء.
ونفى عامر أن تكون الصور الّتي سرّبت عام 2014 وقال في إنها صور لـ”الجولاني” بأن تكون دقيقة وتعود إلى “أحمد الشرع”، وقال: لكنّ من “ظهر في 28تموز 2016على التلفاز كزعيم لجبهة النّصرة هو أحمد الشرع فعلاً”.
Al-Monitor