رغم انقضاء نصف ولاية رئيس الوزراء العراقي الحالي حيدر العبادي على رأس الحكومة، لا يزال المتابعون للشأن العراقي يرصدون تحركات لسلفه رئيس الوزراء السابق نوري المالكي هادفة إلى عرقلة عمله وإضعافه، إمّا طمعا في إسقاطه والفوز بمنصبه، وإما على الأقّل منعا لنجاحه واكتسابه سمعة في الخارج وقدرا من الشعبية في الداخل، بما يجعله مؤهّلا للفوز بولاية قادمة، ما يمثّل طامّة كبرى للمالكي الذي لم يهضم إلى حدّ الآن أن ينتزع منه أحد أعضاء حزبه الأقل مرتبة منه المنصب الأهم في الدولة العراقية.
وبحسب تقرير لوكالة العباسية نيوز فإنّ المالكي الذي أحرق معظم أوراقه في “حربه الباردة” ضدّ رفيقه في قيادة حزب الدعوة مازال يعوّل على بعض الأوراق أهمها ورقة الميليشيات الشيعية المنضوية ضمن الحشد الشعبي والتي تبحث عن دور في معركة الموصل، وتجد في المالكي أفضل نصير لها في ذلك لا حرصا على كسب المعركة، ولكن نكاية في العبادي وسعيا لإحراجه.

وبحسب ذات التقرير، فإن رئيس الوزراء العراقي، رغم انشغاله بتسيير شؤون الحكومة التي يرأسها، ومتابعة العمليات العسكرية ضد تنظيم داعش عن كثب، لم يغفل تحركات خصمه اللدود، نوري المالكي الذي لا يدع مناسبة تمر، أو حدثا يقع، إلا ويصب جام غضبه على رفيقه في قيادة حزب الدعوة ورئيس مجلس الوزراء؛ ينتقد إجراءاته تارة ويسخر من سياساته تارة أخرى، وفي الحالتين فإنه يسعى إلى “تسقيط” العبادي سياسيا، والتقليل من مكانته وإظهاره في صورة الضعيف وغير الكفوء لشغل مناصبه.

ونُقل عن القيادي في حزب الدعوة النائب علي العلاق، الذي يعد أبرز المؤازرين للعبادي، قوله إن مشكلة المالكي تكمن، في أنه لم يصدق إلى حد الآن، أن رئاسة الحكومة ذهبت منه إلى رفيقه في الحزب حيدر العبادي، ومازال يتوهم بأن الأخير ضالع في مؤامرة استبعاده عن الولاية الثالثة، دون أن يأخذ في الاعتبار أن العبادي جاء نتيجة توافق شيعي وموافقة سنية وقبول كردي.

ويضيف العلاق وهو نائب عن مدينة الحلة مركز محافظة بابل، أن المالكي لو كان نجح في رئاسة الحكومة للمرة الثالثة، فإن العراق يكون قد انتهى الآن وأصبح من الماضي، لأن تنظيم داعش كان بوجود المالكي على رأس الحكومة سيزحف ليس على العاصمة بغداد فحسب، وإنما على محافظات الجنوب وصولا إلى البصرة.

حرص المالكي على مشاركة الحشد في معركة الموصل لا يهدف إلى ضمان نجاحها بقدر من يهدف إلى إحراج العبادي
ووفق المعلومات التي بدأت تتسرب من أروقة رئاسة الحكومة، فإن تقارير وصلت إلى العبادي مصدرها زوار المالكي وضيوفه، تفيد بأن الأخير بات في غاية الغضب وهو يتابع الخطط والإجراءات العسكرية التي يشرف عليها العبادي لاستعادة الموصل من تنظيم داعش، اعتقادا منه بأن نجاح العبادي في حسم المعركة، بعد النجاح في طرد مسلحي التنظيم من الرمادي والفلوجة وقبلها من تكريت وبيجي، سيعزز من مكانته السياسية ومنزلته الحكومية ويمنحه زخما جديدا على مختلف المستويات، قد يجعله مؤهلا لمواصلة قيادة الحكومة لفترة جديدة بعد نهاية فترته الحالية، الأمر الذي يعني “كارثة” للمالكي وإجهازا على طموحاته.

ويرى متابعون للشأن العراقي أن المالكي الذي تدهورت صورته كثيرا لدى الرأي العام العراقي بعد الحصيلة الكارثية لفترة حكمه التي امتدت لثماني سنوات لم يعد يملك أوراقا كثيرة لمواجهة العبادي والسعي إلى إفشاله، غير ورقة الحشد الشعبي الذي يرتبط أغلب قادة فصائله بعلاقات وثيقة معه، وبعضهم يخضع لتعليماته، خصوصا أبرز قادة ميليشيا بدر هادي العامري وأبي مهدي المهندس، وعصائب أهل الحقّ التي يقودها قيس الخزعلي.

ويهدف المالكي من وراء استخدام ورقة الحشد الشعبي، وإصراره على مشاركته في معركة الموصل، إلى إحراج حيدر العبادي الذي تعهد لأهل المدينة وكذلك للطرف الأميركي بعدم السماح للميليشيات الشيعية التي اتهمت بارتكاب جرائم وانتهاكات في المناطق المستعادة من داعش بالاقتراب من المدينة.

وينسب إلى قائد الحشد الشعبي المعيّن رسميا من قبل الحكومة، فالح الفياض، أن نائبه العسكري الفريق محسن الكعبي يعكف حاليا على اختيار 20 فوجا عسكريا من المتطوعين في الحشد يتم جمعهم وفق معايير عسكرية ليشكلوا 3 فرق على غرار الشرطة الاتحادية وقوات جهاز مكافحة الإرهاب، شرط ألا يكونوا من منتسبي منظمات حزبية وسياسية وتشكيلات طائفية مسلّحة للمشاركة في المعركة المرتقبة بشكل متحكّم فيه، ما يحقق للعبادي تفادي الإحراج أمام قادة الحشد من جهة، وأمام الولايات المتحدة وأهالي نينوى من جهة أخرى.

ويقول مراقبون سياسيون في بغداد، إن المالكي وقادة الميليشيات الشيعية، بإمكانهم الالتفاف على قرار العبادي بتشكيل وحدات عسكرية وأمنية من الحشد، ولهم القدرة والقوة على دفع الآلاف من مقاتليهم للانخراط في القوات الحكومية الجديدة، نظرا لضعف الفياض القائد الرسمي للحشد وخوف نائبه العسكري الفريق الكعبي من انتقام الميليشيات.

ونُقل عن علوان الياسري الباحث في شؤون الحوزة الشيعية، قوله إن العبادي أخطأ عندما أصدر أمرا ديوانيا بتحويل تشكيلات من الحشد إلى قوات حكومية، لأن جميع منتسبي الحشد الحالي مرتبطون بقادتهم الموالين لإيران والخاضعين لأوامر وتوجيهات قائد فيلق القس ضمن الحرس الثوري الجنرال قاسم سليماني.

ويتساءل الياسري “كيف سيوفق العبادي في جمع قوات جهاز مكافحة الإرهاب التي دربها ضباط أميركيون مع قوات الحشد التي أهلها مستشارون إيرانيون”.

صحيفة العرب