غابت «القدس» وقضيتها التي استغلها الإيراني منذ العام 1982، عن أدبيات مقاومة «حزب الله»، وكذلك غاب معها خطر الوجود الإسرائيلي على الجنوب لدرجة أن من يُتابع خطابات قادة الحزب خلال المرحلة الحالية، سيتأكد له أن هذا الصراع تحوّل إلى صراع سياسي محض، بعدما استعاضوا عن الخنادق والأنفاق بالمنابر. وإذ بمدينة «حلب» وريفها، قد تحوّلت إلى عنوان جديد لـ»المسمار» الإيراني في المنطقة، وأيضاً وأيضاً، بواسطة «حزب الله».
خسر النظام السوري ومعه «الحرس الثوري الإيراني» و»حزب الله»، نقاط قوّتهم في حلب، وتحوّلوا بين ليلة وضُحاها من قوّة تُحاصر «أعداءها»، إلى قوّة مُشتتة ومُحاصرة تستنجد بالبعيد والقريب لفك الحصار عنها أو أقله، فتح ممرات آمنة لعناصرها، علّهم يتمكنون من النجاة بأرواحهم قبل أن يُلاقوا مصير زملائهم الذين سبقوهم. وتلبية لهذه الإستغاثات، اعترفت وكالة «فارس» التابعة للحرس الثوري الإيراني بالأمس، أن قرابة ألفي مقاتل من تنظيم «حركة النجباء» العراقية الشيعية قد وصلوا إلى مدينة حلب السورية للمشاركة في القتال ضد المعارضة«. كما ذكرت أن مجموعة من قوات النخبة التابعة لـ«حزب الله» اللبناني وصلت إلى منطقة «الحمدانية«، غرب المدينة لدعم قوات الأسد وبهدف اقتحام منطقة الراموسة«.
الخوف والذعر يُسيطران على بيئة «حزب الله» في لبنان، فالخوف كل الخوف يُترجم بالتحضيرات التي تسبق عادة مرحلة الإنتقال إلى المعركة. بالأرقام والاسماء بدأ الحزب يستدعي عناصره، سواء الموجودين في لبنان أو في أماكن في سوريا تُعتبر آمنة نوعاً ما. أمّا من لهم أبناء وأشقاء أو أقارب في سوريا، فلا معلومات تصلهم يُمكن أن تُصبّر قلوبهم وتُهدئ من روعهم وخوفهم. والشيء الثابت والوحيد، هو أن «حزب الله»، يخوض اليوم معركة وجود على في حلب، وهذا ما يُفهم من خلال وجوه قادته وكوادره «العابسة» على الدوام.
وبما أن توجيه السؤال عن مصير الأبناء الى القادة مُباشرة هو أمر «مُحرّم» إلى حد ما في بيئة الحزب وخصوصاً في القرى، يسعى بعض الأهالي إلى المشاركة بشكل متواصل في واجبات التشييع والعزاء لعناصر الحزب الذين يسقطون في سوريا وذلك في القرى المجاورة، علّهم يُفلحون بسرقة معلومة ولو صغيرة تُثلج قلوبهم. وهذا ما حصل مع والدة عنصر ذهبت بالأمس إلى بلدة «حداثا» لحضور تشييع العنصر حسن محمود عيسى «الحاج أبو عيسى«. وما أراح قلبها نوعاً ما، تأكيد أحد رفاقه أنه التقاه منذ اسبوع تقريباً في منطقة «السيدة زينب».
منذ بدء معركة «فك الحصار عن حلب» التي أعلنها الثوّار، لم يُعلن «حزب الله» بشكل رسمي عن تشييع عناصر له يُمكن أن يكونوا قد سقطوا في المعركة «النكبة» سوى ما تمكنت بعض عدسات الكاميرات من التقاطه في أكثر من قرية جنوبية وبقاعية. وعادة ما كان يُشيع الحزب بأن هؤلاء «استشهدوا» متأثرين بجراح كانوا قد أصيبوا بها. لكن اللافت بالأمس كانت عودة الحزب إلى سيرة التشييع حيث نعى العنصرين محمد جمال حاريصي «صادق« من بلدة طلوسة، وحسن محمود عيسى «الحاج أبو عيسى« من «حداثا». وفي المعلومات أن «حزب الله» سوف ينعي خلال اليومين المقبلين، العديد من عناصره الذين سقطوا مؤخراً في حلب، لأسباب عديدة، منها صعوبة تمكنه من سحب بعض الجثث من أرض المعركة، وعدم تمكنه من اخراجهم من حلب إلا عبر طريق «خناصر» و»اسريا» ثم حلب فـ«حندرات». ولذلك احتاج الى وقت طويل لاخراج الجثث.
حلب معركة مصير فعلية بالنسبة إلى «حزب الله»، فمن يُتابع عملية إدارته للمعركة هناك يُدرك حجم قيمة هذه المعركة بالنسبة اليه وللإيراني على حد سواء. داخل الحزب هناك من يتغنّى ببعض الفرق القتالية وقوّة عناصرها، وعادة ما يتحدّث هؤلاء عن الإنجازات التي يُمكن أن تحققها هذه الفرق التي تعتبر من «القوّات الخاصة» والمهمات التي أنجزتها في زمن الصراع من إسرائيل. امس الأوّل استدعت قيادة الحزب فرقتين من هؤلاء هما: «المقداد» و»النصر»، علماً أن هذه الاخيرة كان جرى استدعاؤها منذ اسبوعين تقريباً، لكن القيادة ارتأت تأجيل اشتراكها في المعركة لأسباب لم تُعرف. والتسريبات من داخل «حزب الله»، تصل إلى حد التأكيد بأن الأيام المُقبلة سوف تُحدث إنقلاباً كبيراً في موازين القوى في حلب. لكن هناك من يعتبر أن كل هذه التأكيدات، هي مُجرّد إدعاءات الهدف منها رفع معنويات العناصر المتواجدة في حلب، وجمهور «حزب الله» بالدرجة الثانية.
في سابقة تُعتبر الأولى من نوعها في تاريخ «حزب الله»، تحوّلت الرسائل الصوتية والمكتوبة، إلى وسيلة لعناصر الحزب ليُعبروا من خلالها عن حقيقة ما يجري على الأرض ولتوضيح بعض المعلومات التي يعتبرونها غير صحيحة. لكن الغريب في الموضوع، هو ما تناقله بعض هؤلاء العناصر بأن السيد حسن نصرالله أبرق رسالة صوتية منذ ثلاثة أيام لعدد من القادة الميدانيين في حلب، يحثّهم فيها على الصمود ويعدهم بالنصر وبدعم عسكري ولوجستي قريب. أما الأغرب، فهو تحوّل «الواتس أب» الى حفلة زجل بين عناصر الحزب حيث كان بعضهم يُعبّر عن الخيانات التي يتعرضون لها من جرّاء فرار عناصر النظام من المعارك في حلب. أما البعض الآخر، فقد أوكل لنفسه مهمة شرح المعطيات الميدانية، فراح يتحدث عن طبيعة المعركة و»التكتيكات» العسكرية التي يتبعها الروسي والإيراني في حلب.
واللافت اليوم في المناطق التي تُعتبر مؤيدة لـ»حزب الله» وتحديداً في القرى، هو اللعبة الجديدة التي ابتكرها الاطفال. اللعبة تُحتم على الأطفال أن يتكهنوا والد من أو شقيق من فيهم، سوف يعود «مُستشهداً« أولاً؟. وعادة ما يكون «الرابح» هو من تكون «خدمة» قريبه في حلب.
علي الحسيني