لأن حلب مدينة عريقة، غنية بالرموز والدلالات، يصعب التسليم بأن معركتها الراهنة هي فقط نتاج قرار أخرق بفرض الحصار على أكثر من ثلث سكانها، جرى الرد عليه بعملية جريئة فكت الطوق عن المحاصرين. العبر المستخلصة من تلك المعركة أهم من أن يجري حصرها في ذلك النطاق المحلي المحدد بحرب الإستنزاف المنظمة، على جبهات وخطوط تماس رسمت بدقة فتحولت الى خطوط حمراء يُمنع على أي من طرفي الحرب خرقها. ولعل الخلاصة الاهم لتلك المعركة هي ان أوهام النظام باستعادة السيطرة على كامل الارض السورية سقطت نهائيا، مثلها مثل أحلام المعارضة بانها مؤهلة للمضي قدماً حتى إطاحة النظام بالقوة.
ومثلما غامر النظام بدعوة معارضيه الى الاستسلام في اعقاب فرضه الحصار على الاحياء الشرقية، تخاطر المعارضة اليوم في الاعلان عن انها متجهة نحو تحرير مدينة حلب بالكامل. كلاهما يغفل أنه لا يملك مثل هذا القرار ولا يستطيع تنفيذه. وكلاهما يجهل ان ما تشهده المدينة هو مجرد مسعى لتصويب موازين القوى بما يتيح عودتهما الى قاعة المفاوضات من دون الشروط السابقة التي أفشلت جولات التفاوض الماضية في جنيف، وما زالت حتى الان تعيق تحديد موعد الجولة الجديدة.
لم يكن ذلك المسعى وليد تفاهم ضمني بين الدول الداعمة لطرفي النزاع السوري. الارجح انه كان وليد تواطوء على إختبار القوات المتحاربة ومدى إستعدادها لخرق مواقع الطرف الاخر ودفعه الى تقديم التنازلات المطلوبة على طاولة المفاوضات. والحصيلة هي ان روسيا كانت الخاسر الاكبر من ذلك الاختبار الذي مس سمعتها وهيبتها العسكرية. فهي التي سبقت النظام في الاعلان عن فرض الحصار، وهي التي بادر وزير دفاعها سيرغي شويغو بدعوة المعارضين الى تسليم اسلحتهم وحدد لهم وللمدنيين الطرقات الاربع للخروج من المدينة. الخسارة الروسية فادحة لان الحصار لم يصمد وكذا الامر بالنسبة الى القوات المكلفة بفرضه على الارض. ولا بد ان المراجعة الروسية للمعركة ستقود الى خطوات توسع الخيار العسكري، وتستعجل الخيار السياسي في آن معا.. وإن كان الخداع هو احد الاحتمالات الروسية الواردة، لا سيما وان الرئيس فلاديمير بوتين سبق أن كذب في شهر آذار مارس الماضي عندما أعلن سحب وحداته المقاتلة من سوريا، في خطوة ما زالت تثير علامات الاستفهام.
توسيع الخيار العسكري الروسي لا يحتمل الكثير من الفرص. ف"القوة الفضائية والجوية"، حسب تعبير الكرملين، التي تقاتل في سوريا هي ذروة الاسلحة التقليدية الروسية التي شملت القاذفات البعيدة المدى والصواريخ العابرة للقارات( التي تشهد على إطلاقها طهران بعدما تحطم بعضها فوق الاراضي الايرانية، والتي أوصت واشنطن الروس بالتوقف عن إستخدامها لانها تعتمد على تقنيات روسية قديمة من العهد السوفياتي). لم يبق سوى إرسال فرق من الوحدات البرية الروسية للقتال مع الجيش السوري المتهالك والمليشيات الايرانية الداعمة له والغرق في رمال سوريا المتحركة التي تفوق خطورتها الرمال المتحركة الافغانية.
وليس الخيار السياسي الروسي أسهل او أجدى. تعرف موسكو منذ البداية ان الشرط الاول والاهم لانهاء الحرب في سوريا وضبط الجزء الاكبر من مسلحي المعارضة، هو رأس بشار الاسد، وقد حاولت أكثر من مرة ان تساوم عليه، بعد أن عملت على رفع ثمنه، لكن أحداً لم يبد إستعداداً للدفع حتى الآن. ولعل من نتائج نكسة حلب الاخيرة، أنها تقفل تلك المساومة، وتضع الروس للمرة الاولى، أمام تحدي الفصل الحقيقي، الذي كان يعتقد أنه مستحيل، بين الرئيس السوري وفريقه المقرب، وبين النظام ومؤسساته.. من أجل الاحتفاظ بسوريا تحت الحماية_الوصاية الروسية.
يمكن لروسيا الخروج من نكسة حلب( ومن مأزق سوريا كلها)، بتفاهم جديد مع تركيا، فتحت الافاق أمامه أخيراً، وبتوافق مختلف مع ايران التي تلقت ضربة قاسية يمكن ان تقنعها بأنها والمليشيات التي أرسلتها الى سوريا، وعبأتها من أجل معركة حلب بالذات..لا تستطيع أن تخرق أياً من الخطوط الحمراء السورية، ولا ان تحمي رئيساً يمكن ان يفصل عن نظامه في أي لحظة من الان فصاعداً.
حلب:نكسة روسية..إيرانية
حلب:نكسة روسية..إيرانيةساطع نور الدين
NewLebanon
التعريفات:
مصدر:
المدن
|
عدد القراء:
699
عناوين أخرى للكاتب
مقالات ذات صلة
ارسل تعليقك على هذا المقال
إن المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس بـالضرورة سياسة الموقع
© 2018 All Rights Reserved |
Powered & Designed By Asmar Pro