تعمل المعارضة السورية على تحقيق نجاح سياسي يوازي الانتصارات العسكرية للفصائل المسلحة، والتي تُوجت بكسر الحصار جزئياً عن أحياء حلب الشرقية، مستفيدة من التحولات الميدانية، خصوصاً ما تحمله نتائج معركة حلب من رسائل متعددة الاتجاهات، بالإضافة إلى الدفع قدماً بالمشاورات السياسية الإقليمية والدولية حول سورية بشكل مخالف لما ساد في الأشهر الأخيرة لمصلحة النظام في جولات جنيف الثلاث، بضغط روسي ــ إيراني، وصمت ضمني أميركي، وما يحلو لكثيرين اعتباره تواطؤاً من "مهندس جنيف"، ستيفان دي ميستورا.
وعلمت "العربي الجديد" أن الهيئة العليا للمفاوضات، التي تضم الطيف الأوسع من المعارضة السورية بشقيها العسكري والسياسي، تعرض نهاية شهر أغسطس/آب الحالي، خلال اجتماع وزراء خارجية مجموعة أصدقاء الشعب السوري في العاصمة البريطانية لندن، رؤيتها الكاملة للحل السياسي في سورية، والتي تم إعدادها على يد خبراء سوريين وآخرين من دول صديقة للمعارضة السورية. وعُرف من الخبراء السوريين الذين عكفوا على صياغة الرؤية كل من عضو وفد المفاوضات محمد صبرة، ونائب الرئيس السابق للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، هشام مروة.
نتائج لقاء بوتين وأردوغان ستحتاج وقتاً لتترجم على الأرض والجميع ينتظر الحسم في حلب
"
وتقول مصادر متطابقة في حديث إلى "العربي الجديد" إن الشهر الحالي لن يشهد أي جولة مفاوضات إلى حين تقديم المعارضة السورية رؤيتها للحل، مرجحة عودة المفاوضات في شهر سبتمبر/أيلول المقبل، وذلك لأسباب عدة، منها أن نتائج اجتماع الرئيسين التركي والروسي، رجب طيب أردوغان وفلاديمير بوتين تحتاج وقتاً للترجمة على الصعيد السوري، ثانياً لأن جميع الأطراف تنتظر الحسم في معركة حلب، وهو ما من شأنه أن ينعكس مباشرة على "المسار السياسي" العتيد. وتلفت المصادر إلى أن المفاوضات ستكون هذه المرة مختلفة عن سابقتها وبصيغة المفاوضات المستمرة من دون توقف، على عكس ما كانت عليه سابقاً بصيغة جولات متقطعة.
وبحسب المصادر، تلقى رؤية المعارضة ترحيباً أوروبياً من أجل دفع المفاوضات إلى الأمام، وعدم سير الاتفاق الأميركي ــ الروسي الذي لم يراعِ مصالح دول القارة العجوز "على الرغم من كونها من أشد المتضررين من الملف السوري بسبب موجات اللجوء المستمرة إلى أراضيها"، على حد وصف المصادر.
ووفقاً للمصادر، فإن هذه الرؤية تتضمن ثلاث مراحل لا وجود لرئيس النظام السوري بشار الأسد، أي دور فيها، وتستند إلى القرار الدولي 2254 وبيان جنيف القائمين على تحقيق الانتقال السياسي بشكل كامل عبر تشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات التنفيذية، إضافة إلى الحفاظ على مؤسسات الدولة، وإصلاح المؤسسات العسكرية والأمنية، والتمسك بوحدة الأرض والشعب، والحرص على حقوق الأقليات الدينية والعرقية، والدعوة إلى خروج جميع المسلحين الأجانب من سورية، ونبذ التشدد الديني والإرهاب ومحاربته. وتشير المصادر إلى أن هذه الرؤية كانت السبب وراء تفجير الخلاف بين "الائتلاف الوطني" و"الهيئة العليا للمفاوضات" في الشهر الماضي، قبل أن تعود الأمور إلى مجاريها في لقاء جمع الطرفين في قطر، ومن ثم لقاء رئيس الائتلاف أنس العبدة والمنسق العام للهيئة رياض حجاب مع وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو في أنقرة.
"
رؤية المعارضة تتضمن ثلاث مراحل لا وجود لرئيس النظام السوري بشار الأسد أي دور فيها
"
وكانت المسودة الأولى للرؤية تتبنى وجهة نظر المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا بشأن الحل في سورية، وتتضمن سبع مراحل لا تحدد مصير الأسد بشكل واضح، كما أنها تقسّم هيئة الحكم الانتقالية إلى 40 في المائة للنظام و40 في المائة للمعارضة و20 في المائة لمنظمات المجتمع المدني. وكان الائتلاف الوطني يرى في هذه الرؤية خطأ استراتيجياً تفاوضياً كبيراً، إذ أن العملية التفاوضية سوف تجبر الطرفين على التنازل، ما قد يجعل نصيب النظام في النهاية أعلى من نصيب المعارضة.
وتشير المصادر نفسها إلى أن الاتحاد الأوروبي قدم ورقة للمعارضة السورية في منتصف شهر يوليو/تموز الماضي من أجل دراستها والموافقة عليها قبل عرضها على روسيا، وتهدف إلى الدفع بعجلة المفاوضات في جنيف "مع عودة المعارضة السورية وحفظ ماء وجهها". وتنص الورقة على عودة اتفاق وقف الأعمال العدائية إلى مجراه الذي بدأ عليه أول مرة، وفيها خمسة بنود، وهي: "وضع آلية لمراقبة منتهكي الهدنة، والتحقيق في انتهاكات الهدنة والقائمين عليها، وضبط عملية قصف الجماعات الإرهابية والطلعات الجوية، وتجميد المواقع وحفاظ القوات على أماكن تواجدها، إضافة إلى سحب السلاح الثقيل من المدن وعودة القوات إلى ثكناتها العسكرية".