أولاً: المجتمع الشيعي في حالة اضطراب..
عانى شيعة لبنان، وخاصة في جنوبه حالةً من الاضطراب والتفكك والتهجير والانتشار خارج أرضهم منذ لحظة دخول العامل الفلسطيني المسلح جنوب لبنان بداية السبعينات من القرن الماضي وحتى يومنا هذا، وما زال "المجتمع الشيعي" يشعر بأنّه مُهدّد بالأخطار، فقد احتلت إسرائيل أجزاء كبيرة من الجنوب اللبناني لمدة تزيد على العقدين من الزمن، وتركت وراءها مآسٍ وجراحا لم تبرأ حتى الآن، وفاقم الشعور العام بالقلق والاضطراب وتهديد المصير، دخول الايرانيين "بحزبهم اللهي" دخولاً فجّاً قلب بنية المجتمع وتقاليده وشعائره وولاءاته رأساً على عقب، فشاع الفكر الأيديولوجي التعبوي الذي يُجيّش الجماهير من أجل الكفاح أو "الجهاد" أو مواجهة الأخطار، فوجد الشيعة أنفسهم بمواجهة إسرائيل في الخارج، ومواطنيهم من المذاهب الأخرى في الداخل، وساد الفكر التقليدي المحافظ، وغاب الفكر النقدي المتحرّر، بعد استحضار تاريخ العداء المأساوي مع "أهل السُّنة" باعتبارهم مسؤولين عن "طمس" وصية النبي، وقتل ابن بنته وسبي نسائه، وثلم الرسالة المحمدية الإسلامية منذ لحظة "اغتصاب الخلافة" ،فأصاب الحزب "الإيراني" عصافير عدة بحجرٍ واحد، فأحكم قبضته على المجتمع الشيعي، وجرى تأطيره وتسليحه وإعداده لحروب المنطقة المفتوحة، فإذا تعذّرت جنوباً، فهي متاحة شرقا وشمالاً حتى الحدود التركية، وقد تصل في بعض الأحيان، وعند الضرورة إلى شمال الجزيرة العربية في اليمن السعيد.
ثانياً: المعارضة الشيعية، تشرذمها، وحدود فعلها وإمكانياتها..
تعاني المعارضة الشيعية (أي معارضة حزب الله تحديدا) أعطابا كثيرة، فهي مُشتّتة، ولا ينتظمها ناظم، وتفتقر للامكانيات الضرورية، ويحمل لواءها بعض الرموز الدينية، وهي، على أهميتها، وضرورة وجودها، لا تستطيع أن تذهب بعيدا في نقد الفكر الديني، بسبب طبيعة فكرها التقليدي والمحافظ في نهاية المطاف، أما اليساريون والمناضلون الشيوعيون والليبراليون، فمصيبتهم أعظم وأفدح، ذلك أنّ التهم الملصقة بهم، تحول بينهم وبين اختراق البُنى التقليدية المحافظة للمجتمع الشيعي، فتغدو معارضتهم محدودة برفع الصوت الذي نادرا ما يجد صدىً أو رجع، وطالما أنّهم لا يشكلون تهديدا "أمنياً" لحزب الله ومسيرته "المظفرة" فلا بأس من وجودهم، باعتبارهم علامة بينة على ديمقراطية الجماعة وتقبّلها للفكر الآخر وتسامحها مع معارضيها "الشرفاء".
ثالثاً: تنامي المعارضة وخيبات الحزب..
ومع ذلك، ورغم الصعوبات، تتنامى المعارضة الشيعية، لأصالتها، ونبل أهدافها، والفضل الأكبر يعود للأخطاء الجسيمة التي ترتكبها قيادة الحزب ، سواء بالالتحاق الكامل بسياسة إيران في المنطقة، أو الانخراط الكامل في الحرب السورية، وعرقلة انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية، هذه الأسباب مجتمعة تجعل من مواصلة المعارضة الشيعية نضالها "الهزيل" والشرعي والبطولي هدفاً يستحق العناء والمغامرة، وهي إذ تنجح، فلن يتمّ ذلك، إلا بانتفاضة المجتمع الحاضن للحزب، بعد تكشّف فداحة الخسائر البشرية، في الحرب السورية المفتوحة، وخطورة التلاعب بمصير لبنان بمنع أو حجب انتخاب رئيس جديد للجمهورية، فالشيعة كغيرهم من المواطنين، لا يملكون إلا وطنهم لبنان، ولا مندوحة من الحفاظ عليه، وهذا ما ستُبديه الأيام القادمة، فوجود الشيعة في مقتلة حلب، ذروة المأساة، لا بل ذروة الانحطاط الديني والسياسي والأخلاقي والإنساني، ولات ساعة مندم.