كنتُ أعتقد بأنَّ الحق دائماً إلى جانبنا،وأنه هو قطبُ الرحى، يدور ويصول معنا كيفما صالَ ودار،بهذه المعادلة كانت الآذان تأنف من سماع الآخر،حتى سيَّجتُ نفسي بأسلاك التعبُّد الذي لا يمكن لأي عقلٍ أن يدرك المناط والعلة،فإستأنستُ بالنوم على يقينياتنا، غارقاً في بحور النصوص التعبُّديَّة من مفرق رأسي إلى أخمص قدمي،ودائماً كنتُ منقطعاً للعبادة ولا أغادر مجلس علمٍ أو حلقة درسٍ عند أستاذ الخمس،أو وعظ في مسجدٍ وحسنيَّةٍ ،لأجمع العلم من كل طرفٍ، ولمعرفة الدين من مظآنِّه،لأكون القدوة،وخصوصاً في سيماء الوجه التي تدلُّ على الإيمان،ولا أظن يخطئها البصر،وهي أول علامة تظهر على الجبهة التي أشار إليها النص القرآني "سيماهم في وجوههم من أثر السجود" إنها تلخص دهراً من العلم والصلاة والتهجُّد والخشوع والمجاهدة ومحاسبة النفس.
بقيتُ واقفاً في هذه الساحة اللألاءة،دهشاً مبهوتاً يملؤني شعورٌ طاغٍ بالحسرة والأسى،لأنني لا أعرفُ لغةً أو مهنةً أو تجارةً أخرى..إذاً من يسوق ليَ الرزق إذا كان الله لا يسوقه إلاَّ لطالب العلم، هكذا قال لي أستاذنا في دروس الخمس، نقلاً عن علماء النصوص، "وكأيِّنٍ من دابَّةٍ لا تحملُ رزقها الله يرزقها وإيِّاكم".."وما من دآبةٍ إلاَّ على الله رزقها"..
حاولتُ عبثاً أن أخترق هذا النور الساطع،الذي يُفجر كل شيءٍ ولكنني لستُ رسَّاماً ولا شاعراً، فأسجِّل ما أنا فيه من بهجةٍ وحبور..ومن يدري..؟ حتى ولو كنتُ شاعراً ملهماً لتمرَّدت عليَّ حروف اللغة فهربت مني لحظةً واحدة، هنا تذكرتُ قول الله تعالى عندما أخذ على مشركي مكَّة بأنهم "يعبدون من دون الله ما لا يملكُ لهم رزقاً في السماوات والأرض شيئاً ولا يستطيعون"..
توجهتُ بالسؤال: لماذا يملكُ الله تعالى لكم وحدكم – أنتم الطبقة العلمائية الفاضلة – رزقاً دون بقية الكثيرين من طلبة العلم ،فربما لأنهم ليسوا من طبقتكم..؟ فما قولكم دام فضلكم بالفقراء المعدومين من المؤمنين أنفسهم.؟ فضلاً عن غيرهم..لماذا إحتكرتم الله بالرزق فيكم..؟ وتركتم من يطوفون هم وأولادهم واْزواجهم على صناديق القمامة، عساهم يجدون فيها ما يمسك رمقهم..؟ نعم لقد ذكرتمونا بالحديث الشريف:"لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير..تغدو خماصاً (جائعة) وتروح بطاناً (بطونها ممتلئة بالطعام)"...صدقتم بمعنى التوكل هو أن تأكل أو أن تُؤكل، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.. يرزق الأغنياء والأقوياء واللصوص والسماسرة وأمراء المال والمحظوظين وأولادهم وحواشيهم وحواريهم وجواريهم والمحسوبين عليهم ، أما الباقون فليبغلوا الهواء الهواء،وليذهبوا إلى الجحيم، فلا إعتراض..
"نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا...ورفعنا بعضهم فوق بعضٍ درجات".. فكل ذلك إنما يعود لكونهم من الأسماء المكتوبة تحت عرش الله تعالى، لأنهم هم الناطقون الرسميون بإسمه تعالى.."فهو يفعل ما يشاء...ولا يُسأل عما يفعل" لأنه أدرى بمصالح عباده.. "والله فضّل بعظكم على بعضٍ في الرزق....فما الذين فُضلوا بِرادِّي رزقهم...والله يعلم وأنتم لا تعلمون"...
لا تيئسوا أيها الفقراء المحرومون،فالدين بألف خيرٍ، لا صراع بين البشر، ولا نزاع وحروب من أجل تأمين الحدِّ الأدنى من الرزق ،الذي يكاد يُمسك الرمق، لا تقلقوا فأنتم في عزَّةٍ، فلا فساد في الأرض، فما ترونه من بغي الناس بعضهم على بعضٍ من أجل تحصيل لقمة العيش،ليس بغياً...إنه من خداع البصر والبصيرة....
الشيخ الذي كفر...!
الشيخ الذي كفر...!الشيخ عباس حايك
NewLebanon
التعريفات:
مصدر:
خاص موقع لبنان الجديد
|
عدد القراء:
2469
عناوين أخرى للكاتب
مقالات ذات صلة
ارسل تعليقك على هذا المقال
إن المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس بـالضرورة سياسة الموقع
© 2018 All Rights Reserved |
Powered & Designed By Asmar Pro