يرفض الكثير من الايرانيين، والأغلبية العظمى من الملتزمين بإيران، الأخذ بالربط بين الانتخابات الرئاسية الايرانية والانتخابات الرئاسية الأميركية. إيران أصبحت منذ مطلع الثورة مستقلّة وهي طلّقت أميركا لأنها «الشيطان الأكبر». لذلك لا يمكن الرجوع إليها ولو من باب التشابه أو المصلحة المشتركة. هكذا يحزم الرافضون. أكثر من ذلك، أن الربط مرفوض حالياً جملةً وتفصيلاً، لأن المواجهات مفتوحة من دمشق الى صنعاء. الأهم أن عملية «ليّ الأذرع» مفتوحة على وقع حيثيات تنفيذ الاتفاق النووي، وهي لن تنتهي إلا برضوخ واشنطن لمطالب طهران العادلة والمضمونة في الاتفاق، كما يريد المتشددون.
رغم هذا الرفض، فإن الواقعية السياسية فرضت نفسها ولو من باب التصعيد الخطابي. أحمدي نجاد الرئيس السابق والطامح بدعم من الأصوليين و»المهدويين» (نسبة الى الملتزمين بخط عودة الإمام المهدي) بدأ حملته السياسية لفتح مسار لترشيحه لرئاسة الجمهورية ومنافسة حسن روحاني، في الملف النووي والأموال الأميركية وعقدة الوصل في كل ذلك واشنطن. نجاد طالب بإعادة نحو ملياري دولار حجزهما القضاء الأميركي من أصل أموال إيرانية مجمّدة في واشنطن، وذلك في رسالة وجهها الى الرئيس باراك أوباما مباشرة لأن «العيون» الايرانية مركّزة بقوة على حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية التي وصفها الأميرال علي شامخاني الأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني «بالمناخ الانتخابي الفوضوي».
بعيداً عن القلق من «عودة الأميركي» الى قلب «الايراني» بعد «عقله»، فإن حيثيات الحركة اليومية للسياسة في «إيران العميقة« تجري حول قضايا استراتيجية بعيدة المدى، واللافت فيها أن منها ما هو قديم- جديد ومنها كان تناولها من المحرمات:
[ صعود وهبوط الكلام عن خلافة المرشد آية الله علي خامنئي، طرح مسألة خارجة من الخوف من وقوع أزمة خلافة ليس أوانها مع كل ما يحدث داخل إيران وخارجها، وهي لماذا لم يعيّن خامنئي «قائم مقام» له كما فعل الامام الخميني؟ ويرى كثيرون ممن عايشوا خامنئي من بداياته، أنه نجح في الصعود تحت «عباءة» هاشمي رفسنجاني وأحمد الخميني وإظهار الطاعة لكل ما يأمر به الخميني.
لكنه بعد تسميته «الولي الفقيه»، تدرّج في وضع يده على مواقع القوة في السلطة، فقرّب إليه من يحتاج إليه وأبعده متى اشتد عوده واعتقد أنه مركز قوة وذلك ببراعة. وهو لم يسمِ أحداً لأنه لا يأمن لأحد من «الرفاق» القدامى خصوصاً هاشمي رفسنجاني، لأنه ومعه عدد من «الرفاق» بمعنى «رفقة المسيرة»، لا ينقصهم شيء عنه. فهم شركاء وأنداد له وهو رفض دائماً مبدأ الشراكة.
[ أن عودة الى النقاش القديم تحصل حالياً بسبب صعود التيار الاصلاحي. فالإصلاحيون يريدون «قائداً من صلب الدستور» وليس «ولياً« لأنه عنوان ديني يتداخل مع المرجعية». أما «الخامنئيون» الطامحون لأن يكمل «الخليفة» هذا المسار ويقوّيه فإنهم يريدون «التخلص من ثنائية القيادة والولاية (خامنئي هو قائد الثورة والولي الفقيه) والأخذ بـ»تقليد« خامنئي (المرجع الأكبر) الذي يطيعه مقلّدوه. وكانت تجربة رفع صور خامنئي في ذكرى الامام الحسين في العراق في العام الماضي تجربة خاسرة، لأنه كادت تقع مواجهات مع مقلّدي آية الله العظمى السيستاني. لذلك فضّل خامنئي حتى لا تقع المواجهة الكبرى والدرامية منع الزوار الايرانيين من حمل صوره في الذكرى في العراق.
[ الخوض في قضية حساسة عن العلاقة بين «الحرس الثوري» والجيش وهي من المحرمات بعد أن حسم النقاش في الدستور وفي كلام الامام الخميني. فجأة طافت على السطح هذه العلاقة، عندما استخرجت تصريحات مضى عليها ست سنوات للعميد السابق في «الحرس« حسن عباسي الذي كما يبدو وما زال له موقع في الهيئة العسكرية، والمعروف بأنه من التيار الأصولي المتشدد؛ وكان قد اتهم فيها الجيش بأنه «لا يتحرك ولا يتخذ موقفاً ولو ابتلعت المياه البلاد وهذا ما تريده أميركا». وكأنه بذلك يتهم «الجيش» بالسمع والطاعة لأميركا. طبعاً جنرالات عديدون من «الجيش» و«الحرس أعلنوا أنهم قبضة حديد للشعب وروح واحدة في جسد مؤسستين». حتى ولو تمّ وأد هذا النقاش، فإن مجرد طرحه يثير الكثير من «الغبار» حول هذه العلاقة المعقدة التي قويت وترسّخت بسبب تحويل «الحرس» تدريجياً الى «جيش يملك كل عناصر القوة من أسلحة برية وجوية وبحرية وصاروخية توازي وأحياناً تزيد على أسلحة الجيش، اضافة الى تحوله الى قوة اقتصادية هائلة تمسك بمراكز القرار. ويبدو أن النائب «المشاغب» علي مطهري استثمر هذا الاشتباك ليصطاد «عصفورَين بحجر واحد» أي إدانة وضع «الحرس» يده على جزء أساسي من القوة الاقتصادية وفي الوقت نفسه تحذير الجيش من طموح تقليد «الحرس» بالقول «إن ابتعاد الجيش عن السياسة والاقتصاد هو من نقاط قوته لا ضعفه».
[ الدمج بين «نهوض» الأكراد في كردستان ايران، والارهاب حتى يشرّع الاعدامات العلنية والتستّر على مواجهات مسلحة بين مقاتلين اكراد قادمين من وراء الحدود الكردية والعراقية. ومن أبرز هذا الدمج، الاعدامات الأخيرة التي أعلن انها نفذت في حق أحد عشر كردياً في حين يقال انهم عشرون. هذا الغموض في عدد الذين أعدموا يعود الى السرية الكاملة في المحاكمات والادانات (بعضها تمّ قبل ست سنوات).
ويبدو أن القلق من انفجار الوضع في كردستان الايرانية وبلوشستان يسود كلا المعسكرين، لأن لكل موقف حسابه سواء عند الايرانيين القوميين أو الشيعة من جهة أو عند الأكراد والبلوش والسنة عموماً لأن الاندماج بين العاملين القومي والمذهبي هو خطوة نحو الدخول في دوائر النار القاتلة على وقع «السورنة»!