لبنان على باب مرحلة اخرى من العبث السياسي، البحث عن مرشح خامس خارج الحلقة الرباعية (امين الجميل، ميشال، عون، سليمان فرنجية، سمير جعجع) التي باتت بمثابة الحلقة المفرغة..
قبل اسابيع وصلت اشارات دولية «العماد جان قهوجي هو الشخصية المثالية لادارة المرحلة بعدما تورط اهل السياسة في سلسلة من الفضائح التي لا تقل مفاعيلها الكارثية على البلد، مع التأكيد على ان هناك من هو مستعد للمساعدة على احداث ديناميكية سياسية تفضي الى انجاز الاستحقاق الرئاسي حتماً قبل انقضاء العام الحالي».
هذه الاشارات وصلت الى النائب وليد جنبلاط الذي بادر الى حركة التفافية من خلال الحديث الخاطف عن «سخافة التمديد». فهم ما هو موقف رئىس الحزب التقدمي الاشتراكي الذي طالما قيل انه يعاني من «عقدة العسكر» بالرغم من والده الراحل كمال جنبلاط كان من اقرب المقربين الى الرئىس فؤاد شهاب.
في الوسط السياسي كيف يقبل «وليد بيك» بالعماد ميشال عون، وكانت بينهما الحرب الضارية لمن يتذكر تلة 888 في سوق الغرب، ولا يقبل بقهوجي الذي من طراز آخر، وبعقلية اخرى، وفعل المستحيل لمنع الانفجار الداخلي.
اما تعليقات البعض في الوسط السياسي فهي ان عون بات «ظاهرة مستهلكة». كل المؤشرات تدل على ان الرجل في نهاية حياته السياسية، وهو تجاوز الثمانين، وسلسلة الصدمات، والانتظارات، والمناورات انهكته، ولم يعد جنرال أيام زمان.
التعليقات تقول ان قائد الجيش ان وصل فهو يسند ظهره الى مؤسسة عسكرية، وبقوة ضاربة، وقد يكون فؤاد شهاب الآخر ويقاتل ضد «اكلة الجبنة» الذي هم «أكلة الدولة» الذين لديه الكثير من المعلومات والمعطيات والوثائق حول تورطهم في الفساد الكبير الذي يضرب مفاصل البلاد كلها.
ومعارضو قهوجي، وقد يكون جنبلاط من بينهم، يعتقدون ان انتخابه في الظروف الراهنة لن يجعله يظهر بمظهر من وصل الى القصر بانقلاب عسكري فحسب، بل انه سيجعل منه الرجل القوي بالرغم من الصلاحيات المحدودة التي اولته اياها المادة 49 من الدستور، وبعض المواد الاخرى.
واللافت ان هناك من انبرى لمحاولة كسر الثقة العميقة بين قهوجي و«حزب الله» من خلال الترويج بأن قائد الجيش هو «رجل اميركا» او مرشح اميركا، وهذا يعني ان معركته الاستراتيجية ستكون، تلقائياً، ضد الحزب.
هناك، بطبيعة الحال، من يطرح اسم حاكم المصرف المركزي رياض سلامة، وعلى اساس ان من ينجح، بتلك السلاسة وبتلك الفاعلية، في ادارة معركة الليرة اللبنانية، بما تعرضت له من حصار ومن ضغوط، ينجح في ادارة معركة الدولة اللبنانية التي هي، حالياً، في اسوأ احوالها.
المعارضون يقولون ان ادارة العمليات النقدية عبر الشاشات، والاروقة الزجاجية، مختلفة كلياً عن ادارة العلميات السياسية وحيث التقاطع بين لعبة القبائل ولعبة المافيات، ناهيك عن لعبة الطوائف.
وهم يعتبرون ان سلامة يستطيع ان يكون المايسترو في الظل، وحيث المال يفضل ان يبقى بعيداً عن العيون، اما ان يكون المايسترو في الضوء، فهنا اللعبة الخطرة عليه كشخص كما على الدولة.

ـ الرئىس الدونكيشوت ـ

الذين يؤيدون سلامة يقولون، وفي اطار التجربة اللبنانية المعقدة، ان مفهوم «الرئيس القوي» هو ذاته مفهوم «الرئيس الدونكيشوت»، ليشيروا الى مواقف رأت ان الاخذ بالمفهوم الكلاسيكي للرجل القوي، اي الرجل الماروني القوي في ظل الصراع السني ـ الشيعي يعني خراب البلد.
وهؤلاء يعتقدون ان الرجل القوي هنا مثل الرجل الضعيف. كلاهما مصيبة. ولبنان بحاجة الى شخصية حكيمة تعرف بدقة حدود الاشياء وحدود المعادلات على الساحة اللبنانية، وهذه من مواصفات حاكم مصرف لبنان.
وفي هذا الصدد، يقول رئىس حكومة سابق لـ«الديار» ان القادة الاربعة بامكانهم احباط اي محاولة لانتخاب قهوجي او سلامة، ليشير الى ان بكركي احسنت صنعاً حين لم تدخل في الاسماء، ولكن هناك من استدرجها الى ما هو اسوأ حين باركت، بالماء المقدس، الفكرة القائلة بوجوب ان يكون الرئىس الثالث عشر من الحلقة الرباعية اياها، اي ماروني آخر هو خارج الهيكل، حتى ان مرشحاً وسطياً بارزاً قال لـ«الديار» ان ما حصل في الصرح البطريركي انما شابه «الحرم الكنسي» يلقى على المرشحين الآخرين.
رئىس الحكومة السابق يضيف «اننا ندرك محنة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي الذي كان يعتبر ان اختيار واحد من الاربعة يمكن ان يشق الطريق الى قصر بعبدا الذي حصل ان الرئىس سعد الحريري بادر الى ترشيح فرنجية، وكان واضحا انه ترشيح تكتيكي، ليرد عليه الدكتور سمير جعجع بترشيح عون، وهو ترشيح تكتيكي ايضاً. هكذا سقط الاختبار، وان كان الاعتقاد العام ان ملف الاستحقاق الرئاسي ليس بأي يد لبنانية، وانما بأيد خارجية تتعامل بانورامياً مع المشهد الاقليمي، ومن باب المندب وحتى رأس الناقورة.

ـ الستاتيكو ـ

مثلما الستاتيكو العسكري في سوريا، وهذا ما اظهرته معارك الأيام الاخيرة، الستاتيكو السياسي في لبنان، ومثلما الدوران العسكري في سوريا الدوران السياسي في لبنان، ومع اعتبار ان وجود زهاء مليوني نازح سوري في لبنان، وفي ظل التصدع السياسي والمذهبي، يجعل الوضع اللبناني امام مفترقات (وخيارات) بالغة الخطورة.
غير ان مؤشرات ميدانية كثيرة تثبت ان معركة حلب لن تتوقف عند الوضع الملتبس الذي هي عليه الآن. الاستعدادات في ذروتها من قبل النظام كما من قبل المعارضة، فيما اشارت معلومات الى ان الروس  استقدموا اسلحة متطورة جداً، وهم الذين يعتبرون ان معركة حلب هي معركة مصيرية. من يمسك بمفتاح (او بمفاتيح) المدينة يمسك بمفتاح الدولة في سوريا التي تقوم استراتيجيا على 3 محاور (دمشق، حلب، والساحل).
تاليا، السيطرة على هذا المثلث مسألة حياة او موت بالنسبة الى النظام الذي يؤكد ان انقرة وبالرغم من انشغالاتها الداخلية لم تسحب اصابعها من حلب حيث يوجد ضباط اتراك الى جانب جماعة نور الدين زنكي والفرقة التركمانية (او التركمانستية) فالمسألة لا تقتصر على مقاتلي الشيشان والداغستان في القوقاز وانما تعدتها الى آسيا الوسطى بما في ذلك تركمانستان واوزبكستان.

ـ حكومة سوريا الحرة ـ

المعارضة ايضا ترى في معركة حلب رهانها الاخير فإما ان تبقى على الارض وتدخل الى المدينة لتتشكل هناك «حكومة سوريا الحرة»، مع انشاء مجلس نيابي موقت ودون اغفال الثقل المعنوي والديموغرافي للمدينة وتأثيرها ليس فقط على المحيط وانما على كل الانحاء السورية.
ام المعارك في حلب، اذا انتصر النظام يتكرس مثلث السلطة ومثلث الدولة ايضا واذا انتصرت المعارضة بانت لديها المدينة الموازية لدمشق، وربما قام النظام الموازي الذي تعترف به الدول.
هذا ما تدركه دمشق كما تدركه موسكو وتدركه ايران من هنا كان الحديث عن معركة «تحطيم العظام» خلال هذا الشهر، ودون ان يعرف ما ا اذا كان فلاديمير بوتين سيتمكن من اقناع رجب طيب اردوغان بسحب ضباطه ومستشاريه ومسؤولي استخباراته من حلب بوجه خاص ومن سوريا بوجه عام.

ـ قنبلة السنيورة ـ

امس كانت الجلسة الثالثة والاربعون لانتخاب رئيس الجمهورية. غالبية النواب يستجمون خارج لبنان وعدد الحضور تدنى الى ما تحت ربع عديد اعضاء المجلس النيابي ربما تأثرا بأجواء جلسات الحوار التي انتهت بضوء احمر خارجي «لا رئىس ولا اي شيء اخر الى ان تتبدل الظروف في سوريا».
قنبلة الرئىس فؤاد السنيورة في ساحة النجمة كانت حين انهى تصريحا له بالقول «ان الاجدر ان يتولى رئاسة الحكومة الرئىس سعد الحريري والاجدر ان يتولى رئاسة مجلس النواب محمد رعد».
الذي كان يتكلم رئىس كتلة المستقبل لا النائب احمد فتفت ولا النائب عاصم عراجي. التصريح وصل على جناح السرعة الى السرايا الحكومية وكان هناك تساؤل ما اذا كانت كتلة المستقبل قد سحبت الثقة من الرئىس تمام سلام الذي يقول مقربون منه ان قرأ التصريح مليا ليتبين ان المقصود دعوته الى التنحي.
المفأجأة كانت في عين التينة. مصادر الرئيس نبيه بري لا تصدق ان السنيورة يمكن ان تصدر عنه زلة لسان الا اذا كانت زلة لسان فرويدية....
والمعروف عن السنيورة انه يفكر كثيرا قبل الادلاء بأي تصريح كي تأتي كل كلمة كما نصل السكين في مكانها، رئىس المجلس النيابي يعلم مدى «الود» الذي يكنه له رئىس كتلة المستقبل ولكن ليس الى الحد الذي يعلن فيه ان رعد اكثر جدارة منه في رئاسة المجلس النيابي.
وكانت هناك اسئلة في عين التينة من قبيل لماذا اختار السنيورة رئىس كتلة نواب «حزب الله» ولم يختر النائب غازي يوسف او النائب عقاب صقر مثلا. اذا كانت المسألة مسألة مناورة للعب بين حركة «امل» و«حزب الله» فهذا يعني ان زلة اللسان لا تستحق حتى التعليق.
على كل السنيورة اصدر تصحيحا ومع ان كلامه كان واضحا ومباشرا فقد اعتبر ان ثمة من فسر الكلام بصورة خاطئة او فهمه بصورة ملتوية.
شهر كامل من الموت السريري (الاضافي). في هذا الشهر يتحدد مصير سوريا الذي في اطاره يتحدد مصير لبنان. بري اعاد سلته الى الضوء بالنسبة اليه المواقف التي تشدد على انتخاب رئىس الجمهورية هي مواقف عرجاء فالخلل في تنفيذ اتفاق الطائف وفي بعض الآليات السياسية وفي طريقة الاصطفاف السياسي والخلل في قانونية الانتخاب هذه كلها اسباب تملأ الطريق الى القصر الجمهوري بالألغام.
نظريته ان رئىس الجمهورية يفترض ان يدخل الى القصر على سجادة حمراء لا على حقل من الالغام. دعوته بكل بساطة وكما تؤكد مصادره هي نزع الالغام التي لا تهدد رئاسة الجمهورية فحسب الجمهورية ايضا.