أحرق صيّادو الأسماك في «سان سيمون» شباكهم احتجاجاً على رمي مخلّفات معامل غسل الرمول في البحر، وهدّدوا بإحراق مراكبهم وأنفسهم في حال استمرّت الجهات المعنية في إهمال واجباتها وحماية البحر والثروة السمكية مصدر رزقهم الوحيد، علماً بأن للمشكلة تشعّبات أكبر، ذات طابع صحي وبيئي، قد تبشّر بسيناريو مشابه لـ{تلوّث الليطاني»
كأنه لا يكفيهم ما تعرّضوا له من فقر وحرمان وتهميش. هؤلاء المقيمون قسراً على شاطئ السان سيمون والاوزاعي، الذين تعرّضوا للتهجير إبان الحرب اللبنانيّة، وساقهم من بيوتهم للعيش في مسكان عشوائيّة. مع السنين، أضيفت الى مأساتهم مخاطر متنوّعة، تبدأ من قرب مساكنهم من مدرج المطار، مروراً بالأوبئة المنتشرة جرّاء تسليط مياه الصرف الصحيّ على المساكن التنكيّة المحاذية للشاطئ، وصولاً إلى رمي بقايا نفايات المعامل الصناعيّة في البحر الذي يعيشون من ثروته السمكيّة.
أمس، قطع صيّادو الأسماك (من سكّان السان سيمون والأوزاعي) الطريق البحريّة في الجناح، احتجاجاً على رمي مخلّفات غسل الرمول في البحر. أحرقوا شبكات الصيد، وهدّدوا بإحراق أنفسهم في حال استمرّ رمي بقايا المعامل الصناعيّة في البحر الذي يعدُّ مصدر رزقهم الوحيد.
تعود المشكلة إلى أكثر من سنة، وتحديداً منذ بدء أزمة النفايات، بحسب نقيب الصيادين في المنطقة، إدريس عتريس، عندما "واظبت معامل غسل الرمول على رمي مخلّفاتها في شبكة الصرف الصحيّ التي تصبّ على شاطئ السان سيمون، ما جعله مقسوماً بين لونين، أوله أحمر حيث الوحول وبقايا المعامل والصرف الصحي، ليخفّ تدريجاً كلّما ابتعدنا عن الشاطئ مستعيداً لونه الأزرق".
يوجد في المنطقة حوالى 150 مركباً، تعتاش عائلتان أو ثلاث من كلّ مركب منها. لم يعد لهم مكان يصطادون فيه. فتسليط فتحة بقطر مترين تتدفّق منها بقايا المعامل في البحر على بعد خمسة أمتار فقط من الشاطئ الرملي، هجّرت الثروة السمكيّة. يقول عتريس: "البحر هو مصدر رزقنا الوحيد. الأسماك تموت على الشاطئ وفي قعر المياه، وما تبقى منها هاجر إلى مسافة أبعد، ما اضطرنا إلى الذهاب مسافة مئات الأمتار في مراكبنا غير المجهّزة لنصطاد السمك من مياه نظيفة، فيما تكلفة محروقات المراكب توازي سعر ما نجنيه من صيد السمك".
لا تبدو الثروة السمكيّة وحدها المتأثرة، يتابع عتريس، إذ إن "الأضرار تطال صحّتنا أيضاً، فتبخّر مياه البحر يحمل معه غباراً أحمر اللون (مخلّفات المعامل) يسبّب أمراضاً تنفسيّة لسكّان المنطقة".
يوجد في المنطقة 150 مركباً تعتاش منها عشرات الأسر
مصدر هذه البقايا هو معامل منتشرة في الضاحية الجنوبيّة لبيروت، أحدها يقع على طريق المطار بالقرب من ملعب نادي العهد، وآخر في منطقة الرمل العالي في برج البراجنة، وثالث في الشويفات. يتحجّج أصحاب المعامل بأنهم يعملون برخص استوفوها من الوزارات المعنيّة سبقت بأدلة على عملهم وفق المعايير البيئية، وهو ما يشكّك فيه إدريس قائلاً: "أخذوا الرخص بناءً على وجود عمّال على مكنات غسل الرمول بطريقة بيئيّة، لكن تكلفة العمل اليوميّة التي تتخطّى آلاف الدولارات، حالت دون تطبيقهم لهذه الشروط".
قانوناً، الرخص الموجودة تسمح بإنشاء هذه المعامل حصراً بما يراعي الشروط البيئيّة والسلامة العامّة، ولكنها لا تسمح باستعمال شبكة الصرف لتسليط البقايا الصناعيّة في مصبّاتها. إذاً المسؤوليّة المترتبة عن الأزمة تتوزّع بين مجموعة من الوزارات والإدارات المعنيّة، أي واحدة منها قادرة منفردة على إيقاف هذه المعامل، على أن تكون معالجة الآثار الناتجة منها جماعيّة. فقانون البلديات يتيح للأخيرة، حيث موقع المعامل وحيث تبرز نتائج مخلّفاتها، إجراء مسوح لأضرارها وإيقافها، فيما تكمن مسؤوليّة وزارة الأشغال العامة والنقل في حماية الشواطئ والأملاك العموميّة البحريّة، ووزارة البيئة والصحة في الحدّ من أضرارها على السلامة العامّة والبيئة عموماً، ووزارة العمل في حماية مصالح صيادي الأسماك المتضرّرين، ووزارة الزراعة في الحفاظ على الثروة السمكيّة.
يقول عتريس "قدّمنا شكوى لدى وزير البيئة منذ أشهر، لكن لم يتغيّر شيء. اجتمعنا بوزير الزراعة وكانت النتيجة مماثلة. تواصلنا مع رئيس اتحاد بلديات الضاحية الجنوبيّة والغبيري فتحجّج بمحسوبيات سياسيّة تحول دون إيقاف هذه المعامل، رامياً المسؤوليّة على المحافظ".
اليوم يجتمع رئيس اتحاد بلديات الضاحية محمد درغام مع محافظ جبل لبنان فؤاد فليفل لبحث المشكلة، ويقول لـ"الأخبار": "هناك معمل في نطاق صلاحياتي البلديّة، رخّص له في عهد محافظ جبل لبنان السابق (أنطوان سليمان)، ولكننا لا نعلم إن كانت عملية غسل الرمول فيه تتمّ وفق المعايير الموضوعة. اجتماعنا مع المحافظ فليفل غداً هو لبحث سبل إيقاف الرخصة". أمّا رئيس بلدية الغبيري معن الخليل (تتبع منطقة الجناح، والسان سيمون ضمناً، لبلدية الغبيري) فيرمي المسؤولية على بلديتي الشويفات وبرج البراجنة حيث مواقع المعامل، مشيراً إلى أنه سيشارك الصيادين في وقفتهم ويجتمع مع المحافظ لمتابعة الملف، "وأكتر من هيك ما فيني أعمل شي".
عملياً تتقاذف البلديات المسؤوليّة، علماً بأن معاينة الأضرار وإجراء الفحوص على المياه في المصدر وعند المصبّ يدخلان ضمن صلاحياتها، فيما الوزارات المعنية غائبة عن السمع. استمرار عمل المعامل وفق النهج نفسه يرفع منسوب التخوّف من سيناريو مشابه لتلوّث الليطاني في حال ثبت وجود بقايا صناعيّة مضرّة، بحسب الخبير البيئي رجا نجيم، فيما المطلوب إجراء الفحوص البيئية على المياه تمهيداً لوضع الحلول.
موقع بنت جبيل