تعود الانتكاسة التي شهدتها فصائل المعارضة السورية في الشمال إلى أسباب عديدة، أهمها تراجع الموقف التركي، وفتور العلاقات التركية الأميركية، إن لم نقل توترها، ورغبة الروس بتحقيق انتصاراتٍ على الأرض، في غفلةٍ من حلفاء الثورة السورية، ورغبة النظام في تقوية موقفه على طاولة المفاوضات، لتكون مكاسبه أكبر، وضعف الإدارة الأميركية، وهي تجمع أوراقها لتغادر المكتب البيضاوي، إضافة إلى تشتت الموقف الأوروبي، بعد الهجمات المتكرّرة، وخوف الأحزاب الحاكمة من اهتزاز صورتها أمام ناخبيها، والتعب الذي أصاب قوات المعارضة السورية، بعد التشتت الذي تعانيه، وهي تقاتل على أكثر من جبهة، وأكثر من عدو في آن واحد.
كلّ هذه الأسباب، وغيرها، جعلت النظام يتقدّم في حلب، وفي الشمال، وربما يفكر بالاتجاه شرقاً نحو الرقة ودير الزور في ظل هذا التشتت والإرهاق الذي أصاب كتائب المعارضة وقواتها بمختلف انتماءاتهم. والمتضرّر الأكبر هو الشعب السوري الذي بات يعاني الأمرّين تحت وطأة الحصار والقصف والموت البطيء.
يصدر بشار الأسد الذي ظن نفسه منتصراً عفواً عن كل من حمل السلاح في رسالة إلى مؤيديه إنه لا يزال يمسك بمقاليد الأمور. وفي رسالةٍ للمترددين وأصحاب المواقف الرمادية، ليعزّزوا مقولتهم الدائمة "ألم نقل لكم"، مبرّرين خوفهم وعدم انخراطهم في الثورة.
السعودية أكبر الخاسرين على المستوى الإقليمي، خصوصاً بعد التصريحات المتكرّرة لوزير خارجيتها، والتي أصبحت مملة وربما ساذجة، كما وصفتها إلينا سوبولينا المحللة السياسية الروسية، في رد على الصفقة التي قدّمها وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، لروسيا مقابل التخلي عن الأسد.
من يعرف قليلاً في حسابات السياسة، أو لديه اطلاع على لعبة الأمم، وكيف تدار قواعد اللعبة، يدرك أنّ الأمور لن تقف عند هذا الحد، بل ربما ستتطور الأمور في المدى القريب.
الأردن أيضاً من المتضرّرين إقليمياً في حال حدوث خرق في الشمال، وتوّجه قوات المعارضة نحو الجنوب، فهو يخاف من "طالبان" أخرى، هناك على حدوده الشمالية، وهو الأمر نفسه الذي يقلق إسرائيل.
هذه التداعيات ستجعل الرد حتمياً، وربما قبل بداية الانتخابات الأميركية. هذا الرد ربما سيخلط الأوراق مجدّداً، ويجعل النظام وحلفاءه يعيدون حساباتهم من جديد.
الجنوب هو الهدف، فهو القريب من دمشق معقل النظام، وجبهتها المدعومة من "الموك" الموجودة في الأردن، والتي تضم المتضررين من النجاح الروسي في حلب.
الجبهة الجنوبية التي قوامها حوالي عشرة آلاف مقاتل، تم تجميدهم منذ نحو عام، ربما سيأتي الوقت المناسب لتتحرّك بانتظار الدعم السياسي والعسكري.
التحركات الأخيرة، والتي سارت على ثلاث محاور رئيسية، ربما تدل على أنّ شيئاً ما يجري التحضير له، خصوصاً إذا اعتبرنا أنّها المحاولة الأخيرة للسعودية في دعمها الثورة السورية من أجل إسقاط النظام.
بدأت هذه التحركات بزيارة الضابط السابق والمقرب من دوائر صنع القرار السعودي، أنور عشقي، لإسرائيل، ومباحثاته مع نائب رئيس الموساد الإسرائيلي، وإن كان عنوانها مبادرة السلام العربية، لكن ما دار في الغرف المظلمة تناول الشأن السوري.
لن تترك إسرائيل هذه الفرصة، وتضحي بالتقارب مع السعودية، من أجل دعم نظام بشار الأسد، المتآكل والمنهار. لذلك، ربما ستمنح ضوءاً أخضر لعملياتٍ عسكريةٍ على حدودها ضد قوات النظام.
أيضا، لا يبدو بعيداً عما يجري فك ارتباط جبهة النصرة بالقاعدة، وهي حاضنتها الأم في خطوة لإعادة تعويمها وتأهيلها من جديد، وتقديمها عن طريق الجبهة الجنوبية فصيلاً يعتمد عليه في قتال داعش.
هذه التحركات التي تبدو متباعدة ظاهرياً، تصب في بوتقة واحدة، هي إعادة التوازن إلى الموقف على الأرض السورية.
وهو ربما ما ستشهده الأيام المقبلة من تنشيط للجبهة الجنوبية، وربما تحرير درعا والسويداء والوصول إلى تخوم دمشق قريباً.
السياسة تعتمد في مجملها على المصالح وردّات الفعل، فهل ستكون ردة الفعل هذه المرة لمصلحة الثورة السورية؟

 

العربي الجديد:فراس علاوي