ابعد بكثير من ان تكون عملية اختراق تكتيكية للصفوف الخلفية لتنظيم الدولة الاسلامية، ما جرى عصر اول امس «ضربة على الرأس» للتنظيم الذي خسر ذراعه الحديدية من جرود القلمون، وحتى أحياء عرسال، بل والى كل المناطق اللبنانية التي اصابها ما اصابها من تفجيرات «داعش».
في عرسال يصفون سامح البريدي بـ«الظاهرة» او بـ«الشبح» الذي كان يستطيع العبور من «ثقب الابرة». وكانت اتصالاته، مع رفيقه طارق الفليطي الذي يقال ان له «قلب الصخرة»، تتخطى ابا خالد العراقي في الرقة...
الاثنان كانا يستقطبان حولهما كل الخلايا النائمة او الناشطة، ودون ان يكون هناك البديل الذي يستطيع، ومن ثقب الابرة، ان يعبر الى الجرود ثم يعود منها، وهما اللذان كانا يلمحان الى اتصالهما المباشر، وربما الى اللقاء المباشر، مع ابي بكر البغدادي...
في عرسال، يتردد ان سامح السلطان، وهذا هو لقبه، بمثابة الصندوق الاسود الذي لديه كل الاسرار السوداء، وقيل انه لو لم يقتل لكان فجر نفسه، لان هذه هي التعليمات، دون ان يقلل ذلك من اهمية الدور الذي اضطلع به الفليطي  الذي وان كان لا يتمتع بـ«موهبة» التخطيط مثل صاحبه الذي سقط برصاص مخابرات الجيش، فانه يعرف الكثير عن «داعش» في الاحياء والجرود.
وما يمكن تأكيده ان العملية تمت من دون مؤازرة استخباراتية خارجية. مديرية المخابرات في الجيش هي التي رصدت ونفذت. معلومات عن ان اجهزة اميركية واوروبية كانت تعلم اهمية البريدي والفليطي في التنظيم فوجئت بالعملية التي نفذتها القوة الضاربة.
هذا مما تفعله الموسسة العسكرية. ماذا عن المؤسسة السياسية التي تتأرجح بين لعبة المافيات ولعبة القبائل. قيد التداول الآن المعلومات الخطيرة حول فضيحة التخابر غير الشرعي وحول شبكات الانترنت غير الشرعية. ووثائق تثبت ان مئات ملايين الدولارات لم تذهب الى خزينة الدولة التي لا تجد الفئران فيها ما يسد رمقها، بل الى اصحاب القصور والمقامات العالية والمتوسطة.
الفضيحة الأكبر هي مقاربة مجلس الوزراء. كثيرون اما ضالعون او خائفون ليس فقط ان تحترق اصابعهم بل وان تحترق رؤوسهم ايضاً.
احد الوزراء قال لـ«الديار» «هذه تركيبة النظام ماذا نفعل؟». لا شيء سوى التعايش مع الفضائح، بما فيها الفضائح ذات الاجراس، وعلى شاكلة الافاعي ذات الاجراس...».
بانسيابية قاتلة يتم التأجيل تلو التأجيل الى ان تهبط فضيحة اخرى من المدخنة وتلفلف الفضيحة السابقة. هل حقاً ما يقال في الكواليس من انه لو كشفت الاسماء او كم قبض ذلك اللفيف، من المسؤولين لتزعزعت الطبقة السياسية وربما تفجرت...
ولا بأس أن يقول احد المشاركين في ثلاثية الحوار «لقد قدمنا استعراضاً بائساً»، ليضيف «الرئيس نبيه بري لطالما شدد على الدوحة اللبنانية، وهذا المستحيل لان الدوحة القطرية كلفت مائة مليون دولار، والبعض يؤكد ان المبلغ ناهز المائتي مليون دولار لكي تنتظم الأمور كما انتظمت في أيار 2008. هنا تدوير الرؤوس وليس تدوير الزوايا فقط.
المال هو العصب السياسي والعصب الاستراتيجي.
اذاً، ما يحتاجه التوافق اللبناني - اللبناني حول رئاسة الجمهورية، وحول قانون الانتخاب، هو المال. المشكلة ان المال (الخارجي بطبيعة الحال) مفقود في الوقت الحاضر، حتى ليسمع داخل تيار المستقبل من يتحدث عن اغتيال الرئيس سعد الحريري مالياً، وهو اكثر خطورة بكثير من الاغتيال السياسي.
الكلام بات في العلن حول «مأساة سعودي اوجيه». الحكومة السعودية، كما السفارات المعنية، توزع الحصص الغذائية على الآلاف الذين فقدوا اعمالهم، واستنفدوا كل مدخراتهم وباعوا حتى أثاث منازلهم».

ـ هل زالت امبراطورية الحريري؟ ـ

كيف حدث هذا الانفجار ولماذا؟ المأسوي اكثر ان بعض اشقاء وشقيقات لـ«الشيخ سعد» يتهمونه شخصياً بالتسبب في ما جرى. هل زالت امبراطورية الحريري؟
والسؤال المستمر، والأكثر الحاحاً، هو لماذا لم تمد المملكة يد العون الى «طفلها المدلل» في لبنان؟ هنا اللغز، وان قيل ان السعودية تواجه وضعاً مالياً دقيقاً للتقاطع الزمني بين تدهور اسعار النفط وارتفاع كلفة الحروب.
ولكن هناك من يلفت الى ان العلاقة بين رئىس تيار المستقبل واركان المملكة الآن ليست على ما يرام. الدليل ان الحريري لم يظهر حتى الآن في اي صورة تجمعه مع ولي ولي العهد الامير محمد بن سلمان او مع ولي العهد الامير محمد بن نايف...
المال والسلطة صنوان في لبنان، وزير سابق ومخضرم (وعيتق في السياسة) قال لـ«الديار» «مثل الاب والابن والروح القدس هناك ثالوث اقدس في السياسة اللبنانية المال، السلطة، الخارج».
الحريري بأمس الحاجة الآن للعودة الى السرايا، صحيح ان احداً لا يتقدمه في زعامة الطائفة السنية. لكن هذا لا يدوم ما دامت ثقافة المصالح في لبنان قد تقدمت على اي مصلحة أخرى.

ـ عشاء للجنرال ـ

ومن داخل تيار المستقبل «لو كانت المسألة في يده، لدعا العماد ميشال عون الى عشاء آخر لاعلان ترشيحه». المسرح الاقليمي بات اكثر تعقيداً. الحريري ينتظر كما ينتظر الآخرون. وخلال جلسة الحوار يوم الثلثاء لوحظ كيف تم تهريب ملف رئاسة الجمهورية الى خارج القاعة.
الذين اعترضوا انما اعترضوا بصوت خافت لادراكهم جميعاً ان رئاسة لبنان، وربما لبنان بأكمله، خارج جدول الاعمال الآن. لبنان يوضع على طاولة التسوية حين توضع سوريا على طاولة التسوية. ولا قانون انتخاب لانه لا يقل اهمية، على المستوى التكتيكي كما على المستوى الاستراتيجي، عن رئاسة الجمهورية، الرئيس نجيب ميقاتي اعلن ان موسم القطاف لم يحن بعد.
أكثر من جهة سياسية لاحظت ان موضوع سلاح «حزب الله» لم يكن وارداً لا في السلة ولا خارج السلة. هذه مسألة مرتبطة بالوضع العام في المنطقة. فجأة كما لو ان يداً واحدة تحرق الجميع. نزل الوحي على فريق معين من المشاركين. اوركسترالياً بدأت الشروط تتوالى «لا شيء قبل انهاء وجود السلاح غير الشرعي».
أحدهم تذكّر ان هناك سلاحاً في المخيمات. لكنه لم يُطلب، على سبيل المثال، نزع سلاح تنظيم «داعش» و«جبهة النصرة» على الارض اللبنانية.
مقاتلون من كل الاجناس، بحسب شخصية مرموقة في عرسال، هناك مقاتلون ينتمون الى 9 جنسيات بعدما كان الحديث عن 13 جنسية.
من يعنيهم الأمر فهموا ان اثارة موضوع سلاح «حزب الله» على ذلك النحو المفاجىء، وبعدما كانت تقتصر على موضوع النظام النسبي في الانتخابات، لتشمل سائر المواضيع الاخرى وراءها الاصابع التي تحرك الكثير من الخيوط في لبنان...
وثمة من سأل «لماذا لا يشترط نزع سلاح «حزب الله» قبل انتخاب رئيس للجمهورية؟ كل ما في المسألة انه لا بد من حجة، ولو كانت الحجة التعجيزية، وغير القابلة للتحقيق من اجل ان يبقى لبنان في ردحة الانتظار...

ـ الطائف والابواب الكثيرة ـ

في الكواليس الكثير من الكلام حول خوف جماعة معينة من ان يؤدي فتح الباب امام تنفيذ «النصوص التي لا تزال مقفلة» في اتفاق الطائف قد يؤدي الى فتح ابواب كثيرة تفضي الى محاكاة المؤتمر التأسيسي.
في هذه الحال لا مجلس شيوخ حتى لا يندلع الصراع بين الارثوذكس والدروز حول رئاسته، ولا قانون انتخاب خارج القيد الطائفي لقطع الطريق على حلم بري، الحلم الاستراتيجي، بتطبيق المادة 95 من الدستور التي تنص على تشكيل هيئة لالغاء الطائفية.
مع التوقف هنا عند الطرح الضرائبي للبعض من ان يكون التمثيل في مجلس الشيوخ نسبياً اي أن يؤخذ العدد بالاعتبار، ما يلغي، حكماً، الغاية الفلسفية والسياسية من انشاء هذا المجلس.
والنتيجة انه برج بابل وان من يقرر عن قوى سياسية معينة هو الخارج الذي ينظر الى لبنان من خلال المشهد البانورامي للمنطقة برمتها...
البعض تحدث عن «الانتظار المخيف» انتظار ماذا؟ ومن هي الجهة التي تقرر مصير لبنان عندما تدق ساعة التسويات؟ اللبنانيون خارج اللعبة او نصفهم تقريبا.

ـ اللواء ابراهيم ـ

في هذا السياق بالذات توقفت المراجع السياسية امام قول المدير العام للأمن العام «اننا خضنا اصعب المواجهات مع الارهاب ولا يزال ينتظرنا الكثير والاقسى، لافتا الى «ان الامراض السياسية تزداد انتشارا في الجسد اللبناني وتعطيله في ظل مخططات دولية تجعل استقرارنا حرجا».
ورأى «ان الاخطر من كل ذلك ان هناك نوعا من التكيف مع الازمات والفراغ الرئاسي والشلل الحكومي» لافتا الى «ان المطلوب الكف عن المراهنات الخارجية واستجداء الحلول المستوردة».
وفي عبارة ذات معنى وربما تعكس تخوفا من اتجاهات اقليمية او دولية في شأن «ورقة النازحين»، قال ابراهيم «ان توطين النازحين السوريين يعني مباشرة الحرب».
حين قرأ قطب بارز ما قاله المدير العام للامن العام رأى ان هذا الكلام كان يجب ان يلصق على باب قاعة الحوار او يوزع على من في القاعة لعلهم يقرأون ولعلهم يعقلون