لم تكن عملية «وادي عطا» سوى محطة نوعية على درب مكافحة الإرهاب الطويل، لها ما قبلها من رصد وتعقب ودقة في التخطيط والتنفيذ، وما بعدها سواءً على خط اليقظة وعمليات الدهم والتفتيش عن المشتبه بهم كما حصل في مشاريع القاع أمس أو على خط النار والتمشيط المدفعي لمواقع المسلحين في الجرود منعاً لتمركزهم وتقدمهم باتجاه العمق اللبناني. غير أن هذه العملية اكتسبت بحد ذاتها أهمية استثنائية وفق التقويم السيادي الوطني ربطاً بما أسفرت عنه من «صيد» ثمين أوقع في شباك المؤسسة العسكرية اثنين من أهم قياديي «داعش» طارق الفليطي وسامح البريدي المسؤولين مباشرةً عن عمليات إرهابية إجرامية بحق عسكريين ومدنيين لا سيما عملية «غزوة عرسال» وما تخللها من خطف عناصر أمنية وعسكرية وما أعقبها من إعدام الرقيب الشهيد علي البزال وما سبقها من قتل الرائد بيار بشعلاني والرقيب ابراهيم زهرمان، وفي ذلك «رسالة مهمة» بحسب ما شدد قائد الجيش العماد جان قهوجي لـ«المستقبل» مفادها أنّ «كل معتدٍ على الجيش اللبناني أو على المدنيين لن يفلت من العقاب»، علماً أنّ الأجهزة المعنية باشرت أمس تحقيقاتها مع كل من الفليطي والسوريين اللذين أوقفا معه بعدما قضى البريدي متأثراً بإصابته خلال الاشتباك المسلح مع القوة العسكرية الخاصة.

وفي مقابل الانتاجية والفاعلية المسجلة على الساحة الأمنية والعسكرية، لا تزال الساحة السياسية والمؤسساتية في البلد على قلّة فاعليتها وإنتاجيتها تحت وطأة استمرار شد حبال التعطيل وإحكام قبضتها على الجمهورية من دون أن يفلح الحوار الوطني في فكفكة أي من العقد التعطيلية للاستحقاق الرئاسي كما بدا من نتائج «ثلاثية» عين التينة حيث جاهر الفريق المعطل للاستحقاق الرئاسي منذ اليوم الأول للحوار أنه سيبقى على تعطيله ولن يتراجع «حتى نحصل على ما نريد» بحسب تعبير الوزير جبران باسيل بالتكافل والتضامن مع النائب محمد رعد.

وفي حصيلة قراءته لنتائج الخلوات الحوارية الثلاث، لفت رئيس كتلة «المستقبل» النيابية الرئيس فؤاد السنيورة إلى أنّ «الفريق الآخر لم يتزحزح قيد أنملة عن موقفه الرئاسي»، مؤكداً لـ«المستقبل» أنّ هذا الفريق أثبت أنه متمترس خلف متراسه ولا يريد التقدم أي خطوة باتجاه حل الأزمة الرئاسية. 

ورداً على سؤال، أوضح السنيورة أنه ذكّر على طاولة الحوار بمسار الشغور وبالمقترحات التي تقدم بها «تيار المستقبل» لإنهائه بدءاً من مجاراة مطلب أن يكون قرار اختيار الرئيس مسيحياً مروراً بحصر الترشيحات بالأربعة الأقوياء (الذين اجتمعوا في بكركي) وصولاً إلى الاستدراك في معرض تعريف الرئيس القوي على طاولة الحوار بالإشارة إلى كونه الرئيس المؤيد من طائفته والمقبول بالمقدار نفسه من الطوائف الأخرى. وأردف السنيورة: «قلنا لهم رشّحنا بدايةً الدكتور سمير جعجع فرفضتم، ثم بحثنا في قائمة النادي الرئاسي المغلق (المرشحين الأربعة) ودعمنا ترشيح النائب سليمان فرنجية من قوى 8 آذار فرفضتم ما المطلوب منا أكثر؟.. ولنقلها بصراحة مرشحكم الذي تحاولون فرضه علينا «مش ماشيين فيه» إذاً تفضلوا لنتفق كما تقول يا حاج محمد رعد»، لافتاً الانتباه في هذا السياق إلى أن الفريق الآخر يدعو إلى التوافق ولا يتقدم خطوة باتجاه تحقيقه، علماً أنّ نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري طالب هذا الفريق بطرح ثلاثة أسماء مرشحة للرئاسة للاختيار بينها إلا أنّ طرحه قوبل بالرفض أيضاً.

وعن الجانب الإصلاحي من مسار مناقشات الحوار، أشار السنيورة إلى أنّ طرح مسألة مجلس الشيوخ أتت في سياق الحديث عن استكمال تطبيق الطائف وإصلاحاته وقال: «بالطبع نحن نؤيد ذلك لأنّ تطبيق الطائف مطلبنا، أما موضوع تمرير اعتماد النسبية في قانون الانتخاب الجديد من ضمن السياق نفسه فهذا لا شأن له بإصلاحات الطائف الذي تحدث عن المحافظة كدائرة انتخابية ولم يأتِ على ذكر النسبية».