هبط وحي عجيب على الطبقة السياسية اللبنانية المتجمعة حول طاولة الحوار الوطني الذي أنهى أعماله، الخميس، بطرح تشكيل مجلس شيوخ.
وكان المجتمعون في هذا الحوار قد عجزوا مثلما كان متوقعا عن التوصل إلى اتفاق حول اسم رئيس للجمهورية، أو قانون انتخابي. وبما أن الطبقة السياسية اللبنانية تسعى لإعادة إنتاج نفسها من خلال أي تعديلات على النظام السياسي، هرب المشاركون في هذا التجمع باتجاه ما يمكن أن يكون مخرجاً نظريا يوقف “بلادة” الجلسات ويمكن أن يفضي إلى مخرج عملي لا يهدد أوزان التيارات السياسية في البلاد وهو مجلس الشيوخ.

الفكرة قديمة ساقها اتفاق الطائف عام 1988، وتأسست على قيام مجلس يتم انتخابه وفق القيد الطائفي يمثّل كافة الطوائف والمذاهب في لبنان، فيما يتم انتخاب مجلس النواب خارج الحسابات الطائفية مع احترام المناصفة بين المسلمين والمسيحيين، إلا أن الفرقاء السياسيين تحت وخارج الوصاية السورية أهملوا “الشيوخ” واعتبروه قابلا للتأجيل خدمة لأولويات الخروج من الحرب الأهلية آنذاك وتمرير الممكن والمتاح وتأجيل ما يمثّل “انقلابا” في النظام الطائفي.

واعتبر بعض المراقبين أن النقاش في جلسات الحوار الأخيرة كان لافتا لجهة العبور نحو مستويات لم ترق إليها الجلسات الـ20 السابقة، مع العلم أن تلك “الحكمة” تعود أساسا إلى الفشل في تمرير سلّة الاتفاقات التي أرادها رئيس مجلس النواب نبيه بري شاملة للرئاسة والحكومة وقانون الانتخابات.

وتعتبر أوساط إعلامية أن المفاجأة تكمن في المناخ الإيجابي الذي صاحب النقاش حول إحياء فكرة قيام مجلس الشيوخ وسقوط الاعتراضات والتحفّظات السابقة الصادرة عن القوى السياسية المتعددة، بحيث تصبح للبرلمان غرفتان كما هو معمول به لدى كبرى الديمقراطيات.


خالد زهرمان: فكرة المجلس يراها البعض نوعا من الترف الفكري، وهذا صحيح إلى حد كبير
ويرى خبراء دستوريون أن تشكيل مجلس الشيوخ لا تعوزه العدّة القانونية التي أقر خطوطها العريضة “الطائف” وأن القبول بقانون الانتخابات المسمى “الأرثوذكسي” ممكن أن يكون أساسا لتشكيل المجلس العتيد، لكن متابعين لتلك الجلسات يستبعدون جدية الأمر ويعتبرون أنه لا يعدو عن كونه تغطية لفشل طاولة الحوار في التوصل إلى حلول للقضايا الكبرى العالقة من قبيل ملف رئاسة الجمهورية.

ووفق اتفاق الطائف يقضي إنشاء مجلس للشيوخ بأن يكون متزامنا مع نهاية الطائفية السياسية في البلاد، أي أن أول مجلس شيوخ سيخرج إلى النور يجب أن يتزامن مع ظهور أول مجلس نيابي منتخب خارج القيد الطائفي، الأمر الذي يطرح أسئلة حول جهوزية البلد لانتخاب مجلس نواب غير طائفي وحول المخارج المطلوبة لظهور مجلس الشيوخ.

وعن هذا الطرح يقول النائب خالد زهرمان “إنه سبق للرئيس الحريري أن طرحه منذ سنوات عديدة ولم يلق آذانا صاغية”.

ويقرأ زهرمان أسباب إعادة طرح هذا الموضوع الآن معتبرا أن القوى المتحاورة تحاول “التغطية على فشل طاولة الحوار وعلى العوائق التي مازالت تحول دون التوصل إلى حلول”.

ويوضح أن طرح مجلس الشيوخ الآن ليس سوى “تخريجة” لتبرير فشل الحوار، مضيفا “نحن لسنا ضده بالمطلق، ولكن يجب أن نركز على أن الموضوع الرئاسي هو الموضوع الأساسي الآن”.

ويشرح طبيعة مجلس الشيوخ والهدف منه قائلا” حين أقر مجلس الشيوخ في الطائف كان الهدف منه الخروج من الطائفية، وتهيئة المناخ المناسب لهذا الأمر عبر إنشاء مجلس شيوخ يحفظ حقوق الطوائف وتطرح أمامه القضايا المصيرية. إذن فإنشاء مجلس الشيوخ يرتبط بإلغاء الطائفية، وإلا نكون قد أقمنا مجلسا موازيا للمجلس النيابي ومتداخلا معه”.

ويلفت زهرمان الى أن بعض المشاركين في الحوار اعتبروا إعادة هذا الموضوع الآن “نوعا من الترف الفكري ليس إلا، وهذا صحيح إلى حد كبير لأن هناك الكثير من المآزق أكبر من عملية القفز إلى الأمام التي يتضمنها هذا الطرح”.

ويؤكد النائب اللبناني أن “هناك أمورا أكثر إلحاحا من طرح إقامة مجلس للشيوخ الآن، لأنه يجب علينا قبل كل شيء تحديد دورنا وموقعنا في الوقت الذي لم يعد فيه لبنان على جدول أعمال الدور الكبرى المؤثرة والفاعلة”.

شادي علاء الدين: العرب