انتهَت الجولة الأولى من معركة حلب العسكرية، ضمن حرب حلب المستمرّة، وفي أساس معادلاتها صراع إرادات سياسية بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي ينتظر نتائج الإنتخابات الأميركية ليَرى ماذا سيكون بعدها على مستوى تفاهمه مع البيت الأبيض حول سوريا، وبين الرئيس باراك أوباما الذاهب الى هذه الانتخابات وكلّ تفكيره منصبّ على كيف سيكسبها حزبه.
نقطة البداية السياسية التي أسَّست لمعركة حلب، جرَت بحسب معلومات ديبلوماسية، بين ثنايا اجتماعين عُقدا الشهر الماضي، وشكّلت مباحثاتهما فرصة لمَن اطّلع عليها لمعرفة الى أين ستتّجه روسيا وواشنطن خلال الفترة المنظورة في كلّ من سوريا والعراق.
الاجتماع الأول انعقد في أميركا وحضَره مبعوثون عسكريون عن دول التحالف الغربية المشاركة في الحرب على «داعش» في سوريا والعراق؛ وكشف خلاله ممثل قيادة التحالف أنّ أوباما قرَّر منذ ثمانية أشهر إخراج «داعش» من الرقة والموصل.
ونقل عن أوباما تشديده على وجوب أن يتزامَن الهجوم العسكري في معركة الموصل مع حملة إغاثة إنسانيّة للمواطنين، فأوباما يُريدها معركة نظيفة إنسانياً. أما الاجتماع الثاني فقد انعقد في طهران وضمّ وزراء دفاع سوريا وإيران وروسيا، وتمثلت نتيجته الأساسية في موافقة وزير الدفاع الروسي زميله الإيراني على أنّ معركة حلب لها ثقل سياسي وعسكري استراتيجي داخل كلّ الأزمة السورية السياسية والعسكرية، ولا بدّ بالتالي من خوضها.
وعنت هذه النتيجة الآنفة أنّ الافتراق بين موسكو وطهران الذي ساد قبل شهرين لجهة تباينهما حول إعطاء أولوية لـ»الهدنة» السورية كما أرادتها حينها موسكو بالتشارك مع واشنطن على أولوية الذهاب إلى الحسم في حلب كما أرادتها طهران، انتهى وأصبح الطرفان يقفان وراء معادلة واحدة: حلب أولاً.
وليس خافياً من وجهة نظر المصادر الديبلوماسية عينها أنّ ذهاب بوتين إلى خيار حلب أولاً، قاد الى خلط الأوراق على مستوى النظرة لأولوية الأهداف في سوريا بين موسكو وواشنطن. وكان واضحاً أنّ ذلك سيُشوّش مرة جديدة سلاسة رقصة التانغو القائمة بينهما.
وتؤكد المصادر أنّ حلب ستجعل أوباما يختم المشهد الأخير من عهده على مستوى علاقته ببوتين بمواجهة يختار هو أرضها ونوعيّتها وأهدافها. ولكنّ بوتين في المقابل لديه ذريعته التي تُبيّن لواشنطن من وجهة نظره أنّ ذهابه الى حلب لا يشكل تجاوزاً لتفاهمه معها.
ما هي الوقائع ذات الصِّلة بهذا الملف، وكيف ستتفاعل بين روسيا وأميركا في المدى المنظور؟
تُدرج مصادر ديبلوماسية معطيات عدة تُقدّم إجابة عن الأسئلة الآنفة:
أولاً- من الواضح أنّ أوباما شديد الحرص في لحظة اقتراب حسم التنافس الحاد بين هيلاري كلينتون (مرشحة حزبه) ودونالد ترامب مرشح الحزب المنافس، على إظهار تشدّد في الازمة السورية تحاشياً للظهور امام خصوم إدارته وحزبه، بأنّ الروس يستغلّون تفاهمه مع بوتين لتحقيق إنجازات لصالحهم وصالح النظام في سوريا.
في المقابل، يحاول بوتين استغلال مرحلة انشغال إدارة أوباما في الانتخابات الرئاسية لتحقيق مكاسب استراتيجية في سوريا لكي تصبح أمراً واقعاً يتعاطى معها أيّ رئيس اميركي سيخلف أوباما في البيت الأبيض. بداية تطلّع بوتين لتحقيق نتائج سياسية تفضي إلى إنتاج تفاهم دولي وإقليمي على عملية سياسية لحلّ الازمة السورية تكون مدخله هدنة حزيران الماضي، ولكنّ فَشل هذا المسار، قاده لموافقة إيران على الذهاب الى معادلة الإمساك بورقة حلب الاستراتيجية عبر حصارها.
ثانياً- بعد منح موسكو إيران موافقتها على خوض معركة حلب، حرص بوتين على ألّا يبدو قراره هذا، بمثابة انقلاب على روحية تفاهمه مع أوباما في سوريا. لذلك هو صاغ استراتيجية الحرب الروسية في حلب على نحو يُظهر أنها نسخة طبق الأصل من حيث أهدافها وتكتيكات تنفيذها عن خطة الحرب الاميركية في الموصل.
وعليه اقتفى بوتين في معركة حلب السورية، خطى أوباما في معركة الموصل العراقية، وذلك لناحية شنّها عسكرياً في وقت واحد مع تأمين عملية لوجستية إنسانية كبيرة فيها، تمثلت بفتح ممرّات إنسانية تشرف عليها مباشرة القوات الروسية لإخراج المواطنين من أحياء حلب الشرقية المحاصرة، وبإنزال مساعدات غذائية وطبّية لمواطنيها من الجوّ، مع الحرص الشديد على أن يتمّ ذلك في الوقت نفسه الذي تتمّ فيه عمليات الجيش السوري المغطاة من سلاح الجوّ الروسي لتطويق حلب وتشديد الطوق على المعارضة المتحصّنة داخلها.
والواقع أنّ إيحاء بوتين لأوباما أنّه يخوض في حلب معركة موازية من حيث أهدافها وتكتيكاتها لمعركة الأخير في الموصل، لم تجد تقبلاً من إدارة البيت الأبيض، وهذا ما يفسر اتهام وزير الخارجية جون كيري سياسة «الممرات الانسانية» التي أقامها الروس، بأنها «خدعة روسية»، جازماً بأنّ «حصار ٣٠٠ الف مواطن سوري في أحياء حلب الشرقية لن يؤدّي إلّا الى تفاقم المشكلة الانسانية فحسب».
ويبدو أنّ إدارة أوباما قرّرت الرد على معركة حلب، انطلاقاً من خاصرتها الرخوة وهي الجبهة الانسانية، ويكمن الرهان الاميركي على إظهار بوتين في حلب بأنه يخوض معركة «غير نظيفة» وتترك معاناة إنسانية ولا تصيب «داعش» بخسائر لأنّ معارضة معتدلة تتحصّن بها الى جانب «النصرة»، ولا يمكن في حال الغمز من قناة أنها تُحاكي معركة اوباما في الموصل (معقل «داعش» في العراق) والتي يعتقد أنّ موعد بدء الهجوم العراقي المغطى أميركياً من الجوّ لإسقاطها، قد أزفّ. لم يكن وصف كيري جهود موسكو الانسانية في حلب بأنها «خدعة»، إلّا بداية اطلاق صفارة البدء بفتح حرب الجبهات الانسانية في سوريا ضد موسكو انطلاقاً من جبهة حلب واستدراكاً لبقية الجبهات.
كان لافتاً أنّ كلام كيري أعقبه تصريح للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون شكّك فيه أيضاً بالممرات الآمنة، قبل أن تصفها المعارضة السورية بأنها «ممرات الموت». وتتويجاً، أعلن مسؤول العمل الإنساني في سوريا التابع للأمم المتحدة أنّ الحلّ الإنساني في حلب ليس بـ»الممرات الروسية الآمنة»؛ بل بإنشاء «هدنات الـ٤٨ ساعة» لتمكين هيئات الإغاثة من إيصال المواد الإنسانية الى المواطنين داخل الأحياء الشرقية المحاصَرة.
طبعاً، تعتبر موسكو طرح هدنة الساعات الـ٤٨ كحلّ للأزمة الانسانية في حلب بمثابة «خدعة غربية» تتوسّل الشعار الانساني بهدف شراء الوقت العسكري الثمين لقوى المعارضة العسكرية المحاصرة داخل حلب؛ وهو طرح يُعتبر في نظر موسكو تكراراً لما حصل خلال الهدنة الأخيرة في شهر حزيران الماضي، والتي اشترك الروس والأميركيون على إبرامها، ولكنّ موسكو اكتشفت بعد فوات الأوان، أنّه تمّ السماح للمعارضين الإفادة منها لاستيعاب أسلحة جديدة وصلتهم من حلفائهم الإقليميين ما ساعدهم على شنّ هجمات في ريف حلب الجنوبي، أسفرت عن احتلالهم مواقع مهمّة كان يسيطر عليها الجيش السوري وحلفاؤه.
الواقع أنّ كلّ هذه التطوّرات الدالة على أنّ واشنطن ذاهبة في خيار فتح معركة الجبهة الانسانية في حلب، بوصفها وسيلتها الاستراتيجية لإفشال حرب الحصار الروسي لها، وفي الاساس لإفشال فرض معادلة موسكو ومعها إيران حول «حلب السورية في مقابل الموصل العراقية»، جعل وزارة الدفاع الروسية تصدر قبل ايام بياناً تعلن فيه أنها ستزيد عدد الممرات الانسانية التي أنشأتها حول حلب، كإشارة ضمنية لرفضها خطة الهدنات التي تتحضّر الأمم المتحدة بدعم من اميركا لطرحها كمطلب دولي في الايام المقبلة.
تجدر الاشارة في هذا السياق إلى أنّ الجانبين الاميركي والروسي، يخوضان منذ اشهر نوعاً من الحرب الباردة بينهما، على ما بات يُعرف بالجبهة الانسانية في سوريا وهي حرب إرادات دولية موازية للحرب العسكرية في الميدان السوري. وأخيراً فشل الروس والأميركيون في التوصل إلى اتفاق على طريقة إيصال المواد الغذائية والإغاثية للمناطق المحاصرة من الجيش السوري؛ ولكنّ هذا الملف كان يتعامل معه الروس والأميركيون بأسلوب طول الأناة نظراً لأنّه كان له دور ثانوي داخل معادلة منظومة التقارب والتنابذ السائدة بين موسكو وواشنطن في سوريا؛
ولكنّ معركة حلب ستشعل هذه الجبهة مجدّداً، وسيحاول الأميركيون وحلفاؤهم الإقليميون (فرنسا والسعودية خصوصاً ومعهما تركيا بدرجة أقل نظراً لظروفها المستجدّة) جعل «الجبهة الانسانية» في حلب تتقدّم واجهة الحدث السوري، لإبرازها على أنها نقطة الخلاف الأميركية الأساسية في سوريا، في هذه المرحلة، مع الروس، علّه يتمّ من خلالها إحراز مكاسب تجعل المعركة مكلفة داخل ساحة الرأي العام الدولي على روسيا، ما يجعل خطة محور موسكو - طهران - دمشق لجهة إمكان تحرير حلب بعد فرض حصار طويل عليها مشابه للحصار المضروب على الغوطة الشرقية، أمراً غير عملي سيؤدي إلى فاتورة إنسانية وسياسية دولية مكلفة جداً لا يمكن لموسكو أقلّه تحمّلها.
الاجتماع الأول انعقد في أميركا وحضَره مبعوثون عسكريون عن دول التحالف الغربية المشاركة في الحرب على «داعش» في سوريا والعراق؛ وكشف خلاله ممثل قيادة التحالف أنّ أوباما قرَّر منذ ثمانية أشهر إخراج «داعش» من الرقة والموصل.
ونقل عن أوباما تشديده على وجوب أن يتزامَن الهجوم العسكري في معركة الموصل مع حملة إغاثة إنسانيّة للمواطنين، فأوباما يُريدها معركة نظيفة إنسانياً. أما الاجتماع الثاني فقد انعقد في طهران وضمّ وزراء دفاع سوريا وإيران وروسيا، وتمثلت نتيجته الأساسية في موافقة وزير الدفاع الروسي زميله الإيراني على أنّ معركة حلب لها ثقل سياسي وعسكري استراتيجي داخل كلّ الأزمة السورية السياسية والعسكرية، ولا بدّ بالتالي من خوضها.
وعنت هذه النتيجة الآنفة أنّ الافتراق بين موسكو وطهران الذي ساد قبل شهرين لجهة تباينهما حول إعطاء أولوية لـ»الهدنة» السورية كما أرادتها حينها موسكو بالتشارك مع واشنطن على أولوية الذهاب إلى الحسم في حلب كما أرادتها طهران، انتهى وأصبح الطرفان يقفان وراء معادلة واحدة: حلب أولاً.
وليس خافياً من وجهة نظر المصادر الديبلوماسية عينها أنّ ذهاب بوتين إلى خيار حلب أولاً، قاد الى خلط الأوراق على مستوى النظرة لأولوية الأهداف في سوريا بين موسكو وواشنطن. وكان واضحاً أنّ ذلك سيُشوّش مرة جديدة سلاسة رقصة التانغو القائمة بينهما.
وتؤكد المصادر أنّ حلب ستجعل أوباما يختم المشهد الأخير من عهده على مستوى علاقته ببوتين بمواجهة يختار هو أرضها ونوعيّتها وأهدافها. ولكنّ بوتين في المقابل لديه ذريعته التي تُبيّن لواشنطن من وجهة نظره أنّ ذهابه الى حلب لا يشكل تجاوزاً لتفاهمه معها.
ما هي الوقائع ذات الصِّلة بهذا الملف، وكيف ستتفاعل بين روسيا وأميركا في المدى المنظور؟
تُدرج مصادر ديبلوماسية معطيات عدة تُقدّم إجابة عن الأسئلة الآنفة:
أولاً- من الواضح أنّ أوباما شديد الحرص في لحظة اقتراب حسم التنافس الحاد بين هيلاري كلينتون (مرشحة حزبه) ودونالد ترامب مرشح الحزب المنافس، على إظهار تشدّد في الازمة السورية تحاشياً للظهور امام خصوم إدارته وحزبه، بأنّ الروس يستغلّون تفاهمه مع بوتين لتحقيق إنجازات لصالحهم وصالح النظام في سوريا.
في المقابل، يحاول بوتين استغلال مرحلة انشغال إدارة أوباما في الانتخابات الرئاسية لتحقيق مكاسب استراتيجية في سوريا لكي تصبح أمراً واقعاً يتعاطى معها أيّ رئيس اميركي سيخلف أوباما في البيت الأبيض. بداية تطلّع بوتين لتحقيق نتائج سياسية تفضي إلى إنتاج تفاهم دولي وإقليمي على عملية سياسية لحلّ الازمة السورية تكون مدخله هدنة حزيران الماضي، ولكنّ فَشل هذا المسار، قاده لموافقة إيران على الذهاب الى معادلة الإمساك بورقة حلب الاستراتيجية عبر حصارها.
ثانياً- بعد منح موسكو إيران موافقتها على خوض معركة حلب، حرص بوتين على ألّا يبدو قراره هذا، بمثابة انقلاب على روحية تفاهمه مع أوباما في سوريا. لذلك هو صاغ استراتيجية الحرب الروسية في حلب على نحو يُظهر أنها نسخة طبق الأصل من حيث أهدافها وتكتيكات تنفيذها عن خطة الحرب الاميركية في الموصل.
وعليه اقتفى بوتين في معركة حلب السورية، خطى أوباما في معركة الموصل العراقية، وذلك لناحية شنّها عسكرياً في وقت واحد مع تأمين عملية لوجستية إنسانية كبيرة فيها، تمثلت بفتح ممرّات إنسانية تشرف عليها مباشرة القوات الروسية لإخراج المواطنين من أحياء حلب الشرقية المحاصرة، وبإنزال مساعدات غذائية وطبّية لمواطنيها من الجوّ، مع الحرص الشديد على أن يتمّ ذلك في الوقت نفسه الذي تتمّ فيه عمليات الجيش السوري المغطاة من سلاح الجوّ الروسي لتطويق حلب وتشديد الطوق على المعارضة المتحصّنة داخلها.
والواقع أنّ إيحاء بوتين لأوباما أنّه يخوض في حلب معركة موازية من حيث أهدافها وتكتيكاتها لمعركة الأخير في الموصل، لم تجد تقبلاً من إدارة البيت الأبيض، وهذا ما يفسر اتهام وزير الخارجية جون كيري سياسة «الممرات الانسانية» التي أقامها الروس، بأنها «خدعة روسية»، جازماً بأنّ «حصار ٣٠٠ الف مواطن سوري في أحياء حلب الشرقية لن يؤدّي إلّا الى تفاقم المشكلة الانسانية فحسب».
ويبدو أنّ إدارة أوباما قرّرت الرد على معركة حلب، انطلاقاً من خاصرتها الرخوة وهي الجبهة الانسانية، ويكمن الرهان الاميركي على إظهار بوتين في حلب بأنه يخوض معركة «غير نظيفة» وتترك معاناة إنسانية ولا تصيب «داعش» بخسائر لأنّ معارضة معتدلة تتحصّن بها الى جانب «النصرة»، ولا يمكن في حال الغمز من قناة أنها تُحاكي معركة اوباما في الموصل (معقل «داعش» في العراق) والتي يعتقد أنّ موعد بدء الهجوم العراقي المغطى أميركياً من الجوّ لإسقاطها، قد أزفّ. لم يكن وصف كيري جهود موسكو الانسانية في حلب بأنها «خدعة»، إلّا بداية اطلاق صفارة البدء بفتح حرب الجبهات الانسانية في سوريا ضد موسكو انطلاقاً من جبهة حلب واستدراكاً لبقية الجبهات.
كان لافتاً أنّ كلام كيري أعقبه تصريح للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون شكّك فيه أيضاً بالممرات الآمنة، قبل أن تصفها المعارضة السورية بأنها «ممرات الموت». وتتويجاً، أعلن مسؤول العمل الإنساني في سوريا التابع للأمم المتحدة أنّ الحلّ الإنساني في حلب ليس بـ»الممرات الروسية الآمنة»؛ بل بإنشاء «هدنات الـ٤٨ ساعة» لتمكين هيئات الإغاثة من إيصال المواد الإنسانية الى المواطنين داخل الأحياء الشرقية المحاصَرة.
طبعاً، تعتبر موسكو طرح هدنة الساعات الـ٤٨ كحلّ للأزمة الانسانية في حلب بمثابة «خدعة غربية» تتوسّل الشعار الانساني بهدف شراء الوقت العسكري الثمين لقوى المعارضة العسكرية المحاصرة داخل حلب؛ وهو طرح يُعتبر في نظر موسكو تكراراً لما حصل خلال الهدنة الأخيرة في شهر حزيران الماضي، والتي اشترك الروس والأميركيون على إبرامها، ولكنّ موسكو اكتشفت بعد فوات الأوان، أنّه تمّ السماح للمعارضين الإفادة منها لاستيعاب أسلحة جديدة وصلتهم من حلفائهم الإقليميين ما ساعدهم على شنّ هجمات في ريف حلب الجنوبي، أسفرت عن احتلالهم مواقع مهمّة كان يسيطر عليها الجيش السوري وحلفاؤه.
الواقع أنّ كلّ هذه التطوّرات الدالة على أنّ واشنطن ذاهبة في خيار فتح معركة الجبهة الانسانية في حلب، بوصفها وسيلتها الاستراتيجية لإفشال حرب الحصار الروسي لها، وفي الاساس لإفشال فرض معادلة موسكو ومعها إيران حول «حلب السورية في مقابل الموصل العراقية»، جعل وزارة الدفاع الروسية تصدر قبل ايام بياناً تعلن فيه أنها ستزيد عدد الممرات الانسانية التي أنشأتها حول حلب، كإشارة ضمنية لرفضها خطة الهدنات التي تتحضّر الأمم المتحدة بدعم من اميركا لطرحها كمطلب دولي في الايام المقبلة.
تجدر الاشارة في هذا السياق إلى أنّ الجانبين الاميركي والروسي، يخوضان منذ اشهر نوعاً من الحرب الباردة بينهما، على ما بات يُعرف بالجبهة الانسانية في سوريا وهي حرب إرادات دولية موازية للحرب العسكرية في الميدان السوري. وأخيراً فشل الروس والأميركيون في التوصل إلى اتفاق على طريقة إيصال المواد الغذائية والإغاثية للمناطق المحاصرة من الجيش السوري؛ ولكنّ هذا الملف كان يتعامل معه الروس والأميركيون بأسلوب طول الأناة نظراً لأنّه كان له دور ثانوي داخل معادلة منظومة التقارب والتنابذ السائدة بين موسكو وواشنطن في سوريا؛
ولكنّ معركة حلب ستشعل هذه الجبهة مجدّداً، وسيحاول الأميركيون وحلفاؤهم الإقليميون (فرنسا والسعودية خصوصاً ومعهما تركيا بدرجة أقل نظراً لظروفها المستجدّة) جعل «الجبهة الانسانية» في حلب تتقدّم واجهة الحدث السوري، لإبرازها على أنها نقطة الخلاف الأميركية الأساسية في سوريا، في هذه المرحلة، مع الروس، علّه يتمّ من خلالها إحراز مكاسب تجعل المعركة مكلفة داخل ساحة الرأي العام الدولي على روسيا، ما يجعل خطة محور موسكو - طهران - دمشق لجهة إمكان تحرير حلب بعد فرض حصار طويل عليها مشابه للحصار المضروب على الغوطة الشرقية، أمراً غير عملي سيؤدي إلى فاتورة إنسانية وسياسية دولية مكلفة جداً لا يمكن لموسكو أقلّه تحمّلها.
ناصر شرارة: الجمهورية