لم يكن مصير الجولات الحوارية الثلاث التي اختتمت أمس على مجرد مخرج شكلي لتبرير ترحيل الحوار شهراً كاملاً الى الخامس من أيلول، إلاّ مماثلاً لمصير جلسة مجلس الوزراء التي انتهت بدورها الى ترحيل متكرر لملف الخليوي والاتصالات والانترنت الذي فاضت فضائحه ولم تتمكن الحكومة من بت أي اجراء في شأنه.
هذا الدوران في العقم السياسي الذي طارد بلعنته المتحاورين كما الوزراء اخترقه انجاز أمني وعسكري مباغت عد بمثابة احدى أقوى الضربات التي وجهها الجيش الى تنظيم "داعش" عبر أكبر رأسين محليين له في عرسال من خلال عملية اتخذت دلالاتها الامنية والمعنوية البارزة لكونها جاءت بعد يومين فقط من الذكرى الثانية للهجوم الارهابي على عرسال وخطف مجموعتين من العسكريين في الجيش وقوى الامن الداخلي في البلدة. وتمكنت وحدة خاصة من الجيش نفذت العملية من محاصرة منزل في محلة عين عطا داخل عرسال عقب عملية رصد دقيقة تولتها مخابرات الجيش وأطبقت عليه عصر أمس واشتبكت مع من كانوا في المنزل مما أدى الى اصابة مسؤول "داعش" في داعش سامح البريدي المعروف في بلدته عرسال بلقب "سامح السلطان" والذي يعد أخطر المطلوبين لدى الجيش، كما قتل ابن البلدة الارهابي طارق محمد الفليطي وأوقف عدد من المطلوبين السوريين. ويعتبر البريدي صيداً سميناً للجيش الذي تعقبته مخباراته أكثر من سنتين اذ انه مطلوب في استشهاد الرائد بيار بشعلاني والرقيب أول ابرهيم زهرمان في العام 2013، كما يعتبر مهندس التفجيرات في بيروت والضاحية والمسؤول الاول عن السيارات المفخخة التي كان "داعش" يرسلها الى الداخل اللبناني وهو متورط في قتال الجيش في عرسال وخطف عسكريين وعمليات اغتيال. أما الرأس الآخر الفليطي الذي لقي حتفه فمسؤول أيضاً عن خطف عناصر قوى الامن الداخلي وتسليمهم الى "جبهة النصرة" وعن عمليات اغتيال في عرسال.
وتزامناً مع هذا التطور، قال الرئيس سعد الحريري في سلسلة تغريدات له أمس عبر "تويتر": "أيام قليلة تفصلنا عن ذكرى مرور ثلاث سنوات على تفجير مسجدي السلام والتقوى في طرابلس الحبيبة"، مشدداً على أن "الجهة التي خططت لتلك الجريمة معروفة للقاصي والداني ولن تفلت من العقاب مهما طال الزمن"، ومؤكداً أن "سيف العدالة سيلاحق المجرمين وينال منهم عاجلاً ام آجلاً ودماء شهداء طرابلس أمانة لن نسمح بالتفريط بها مهما غلت التضحيات".

 

الحوار إلى أيلول
في غضون ذلك، انتهت الايام الثلاثة من الحوار الى "ربط نزاع" مع الجولة المقبلة التي حددت في الخامس من أيلول بعدما بدا واضحاً ان فسحة الارتياح التي أثارتها فكرة احياء مجلس الشيوخ لم تعمر سوى 24 ساعة سرعان ما حضرت بعدها شياطين الخلافات العميقة والتناقضات حول تفاصيل " البنود الاصلاحية " في الطائف وكذلك حول قانون الانتخاب والنسبية لتطيح كل الاوهام التي علقت على مجريات اليوم الثاني من الحوار. وحتى اللجان التي كان يزمع تشكيلها كاعلان سعيد لانتهاء ثلاثية الحوار لم تبصر النور، فاقتصرت النتائج على تأكيد المتحاورين استكمال المشاورات حتى الموعد الجديد بغية التحضير لتأليف ورش عمل أو لجان تعمل على خط قانون الانتخاب ومجلس الشيوخ وان يحال قانون اللامركزية على اللجان المشتركة. وتقرر اقامة ورشة عمل تمهيداً لاقتراح قانون يتعلق بانشاء مجلس الشيوخ على ان يزود اعضاء هيئة الحوار رئيس مجلس النواب نبيه بري أسماء مندوبيهم وممثليهم في ورشة العمل قبل الخامس من أيلول.
بيد ان الرئيس بري خالف الاجواء والخلاصات التي انتهت اليها الجولات الحوارية وقال في ختام اليوم الثالث منها إنه خرج "أكثر تفاؤلاً مما توقعت في اليوم الاول وتبقى الامور ونتائجها في خواتيمها". واذ تمّ الاتفاق على ان يسلم كل فريق اسم مندوبه قبل الخامس من أيلول، أوضح رئيس المجلس انه سيجري درس صيغ لمجلس الشيوخ وقانون الانتخاب خارج القيد الطائفي.

 

مجلس الوزراء
ولم تكن جلسة الوزراء أفضل حالاً من الجولات الحوارية اذ اتسمت اجواء الجلسة التي خصصت تكراراً لملف الخليوي بصخب واسع وخرجت من دون نتائج. وامتدت الجلسة أكثر من أربع ساعات بدءاً من عصر أمس وشهدت كما كان متوقعاً مناقشات حادة في ملف الاتصالات. وقد عرضت مصادر وزارية لـ"النهار" خلاصة ما دار على هذا الصعيد، فقالت ان الجلسة بدأت بعرض قدّمه وزير الاتصالات بطرس حرب عن شركات الخليوي والانترنت ووضع المدير العام للوزارة، المدير العام لهيئة "أوجيرو" عبد المنعم يوسف. وما أن إنتهى من عرضه حتى رد عليه وزير الخارجية جبران باسيل بإسهاب. ثم كانت مداخلة لوزير الزراعة أكرم شهيّب الذي طرح إقالة يوسف، الأمر الذي أثار نقاشاً شارك فيه عدد من الوزراء وتبيّن من خلاله أن منطلقات بعضهم هي الايحاء بأن يوسف فقد غطاء الجهة السياسية التي تدعمه ويحاول إيجاد غطاء لدى "حزب الله"، فيما كان منطلق وزراء آخرين انه لا يجوز إتخاذ موقف في حق يوسف وهو لا يزال يواجه دعاوى امام القضاءين الجزائي والادراي مما يؤثّر عليها كما يؤثر على مناقشات لجنة الاتصالات النيابية في ملف الانترنت غير الشرعي. ثم أن مجلس الوزراء لا يمكنه بت أمر مدير عام من دون طلب من الوزير المعني وهو في هذه الحال وزير الاتصالات. وتدخّل رئيس الوزراء تمام سلام فأنقذ الموقف بإقتراح إعطاء مهلة شهر للوزير حرب كي يعود الى المشروع الرقم 431 الذي ينص على إنشاء مؤسسة "ليبانتيليكوم" وفيها حلّ لموضوعيّ الخليوي والانترنت وكذلك لموضوع يوسف. وأشار حرب الى انه اذا صدر قرار ظني في حق يوسف فهو سيأتي الى مجلس الوزراء بإقتراح إقالته من أحد المنصبيّن اللذين يتولاهما حالياً.