فيما يهتم الإعلام اللبناني بمداولات جلسات الحوار الجارية بين الفرقاء السياسيين، لا يبدو أن المواطن اللبناني نفسه معني بشكل ومضمون تلك الجلسات وغير مؤمن بمآلاتها.
ويشاطر المراقبون الحسّ العفوي للمواطن اللبناني من حيث أن الجدل الحالي داخل جدران قاعة الحوار لا يعدو عن كونه تكرارا محليا لجملة من المواقف تعجز الطبقة السياسية المحلية عن تجاوزها دون همّة الرعاة الإقليميين والدوليين.
وترى أوساط سياسية مقرّبة من رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه برّي أن الأخير يدرك محدودية قدرة اللبنانيين على فكّ عقدة الرئاسة ويعلم أن أمر الرئيس في بعبدا تقرره قوى خارجية على ما خبره البلد منذ استقلاله عام 1943. لكن تلك الأوساط تعتقد أن رئيس البرلمان اللبناني المتحالف مع حزب الله يريد إنعاش النقاش المحلي لعلّه يكون محفّزا لتسوية بيتية ترضى عنها القوى الإقليمية والدولية.
ولم تستبعد قيادات في معسكر 14 آذار أن تكون جلسات الحوار الممتدة على أيام ثلاثة وفق فتوى الرئيس بري مناورة خطيرة يراد منها تغيير قواعد النظام السياسي الذي أرساه اتفاق الطائف عام 1989.
وتستشعر هذه القيادات ظلال المؤتمر التأسيسي الذي سبق لحسن نصرالله الأمين العام لحزب الله أن دعا إليه، بما اعتُبر حينها محاولة للإطاحة بـ”الطائف” الذي يكرّس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين في تقاسم السلطة، باتجاه مثالثة تعيد هذا التقسيم بين السنّة والشيعة والمسيحيين.
وتشكك هذه الأوساط بالسلّة المتكاملة التي يطرحها الرئيس بري والتي تستهدف الاتفاق على الرئاسة والحكومة وقانون الانتخابات، ويعتبرونها سبيلا مقنّعا لتمرير المؤتمر التأسيسي وإعادة صوغ العملية السياسية خارج المؤسسات الدستورية ووفق “استثناءات” على منوال اتفاق الدوحة تطيح بالقواعد الثابتة للعبة الديمقراطية في البلد.
وكان الدكتور فارس سعيد المنسّق العام لتحالف 14 آذار قد أصدر مع عدد من قيادات التحالف نداء إلى المتحاورين يحذّر فيه من المسّ باتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية معتبرا أن تجاوزه يؤسس للعودة إلى هذه الحرب.
واعتبرت أوساط من هذا الفريق أن تزامن زيارة رئيس لجنة الأمن القومي والشؤون الخارجية في مجلس الشورى الإيراني علاء الدين بروجردي إلى لبنان مع عقد جلسات الحوار ليس بريئا ويهدف إلى تذكير كل الطبقة السياسية اللبنانية بالنفوذ الذي تملكه طهران في بلادهم وبالوزن الذي تريده أن يلقي ظلالا على مداولات المتحاورين.
فارس سعيد: مس اتفاق الطائف يعني العودة إلى الحرب الأهلية
لكن دبلوماسيين أوروبيين يستبعدون في بيروت أي تغيير على النظام السياسي اللبناني ويرون أن أمرا كهذا يبدو مستحيلا ومرفوضا في ظل القلاقل الحالية في المنطقة عامة وفي سوريا خاصة.
وترى تلك المصادر أن التعديل على النظام السياسي اللبناني الذي جرى في مدينة الطائف السعودية عام 1989 كان نتيجة توافق دولي إقليمي محلي يقبل بتعديلات لا تمسّ صلب النظام السياسي الديمقراطي المتعدد، وأن هذا التوافق غير موجود حاليا، وبالتالي لا يمكن إحداث تبدّلات جوهرية في نظام البلد السياسي.
وفيما يلمّح قريبون من حزب الله إلى أن انقلاب الوضع في سوريا المأمول إثر الهجوم الذي شنّه تحالف دمشق وموسكو وطهران وميليشياتها للسيطرة على مدينة حلب يوفّر فرصة تاريخية لصرف ذلك في محاولة الهيمنة على النظام السياسي اللبناني.
إلا أن سياسيين متابعين لشؤون الشرق الأوسط يستبعدون أي حسم في موضوع سوريا خلال الأشهر المقبلة، ويؤكدون استحالة إحداث أي انقلاب في موازين القوى الإقليمية على النحو الذي يسمح بإسقاط الرؤى الإيرانية على الوضع السياسي اللبناني.
سوّق بري الحوار من خلال التحذير من تداعيات عدم التوافق، والتخوف من الذهاب نحو المجهول، داعيا إلى التوافق على السلّة الكاملة لأن الوضع في الداخل والخارج خطير ويفرض “علينا أن نتفق على دوحة جديدة تبدأ بالرئاسة”.
لكن المتحاورين يصمون الآذان عن دعوات بري. فقيادي المستقبل فؤاد السنيورة يكرر لازمة انتخاب الرئيس داعيا حزب الله إلى تأمين نصاب برلماني لإنهاء الشغور الرئاسي، فيما يرد محمد رعد رئيس كتلة حزب الله في البرلمان اتهام “المستقبل” بتعطيل الاستحقاق الرئاسي.
وحين يقترح نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري اختيار ثلاثة أسماء لرئاسة الجمهورية يتم الاختيار من بينها، ينبري الوزير جبران باسيل ممثل التيار العوني رافضا، ذلك أن ميشال عون بالنسبة للتيار ولحزب الله هو المرشح الأول والأخير.
وتفرج المداولات عن عدم تعويل كثير للنائب وليد جنبلاط فـ”الأمور تحتاج إلى صبر”، لكنها تكشف موقفا أوضح للمرشح سليمان فرنجية الذي لن ينسحب من السباق إلا في حالة “إجماع وتوافق على شخص واحد”.
لكن اللافت في صلب الكلام عن “السلّة” والمؤتمر التأسيسي ما نقل عن نائب حزب الله علي فيّاض من أنه تم التأكيد على اتفاق الطائف وعلى أولوية انتخاب رئيس للجمهورية، على ما يؤكد فشل الحزب في تسجيل أي اختراق يطال أصول الدستور في البلد.
صحيفة العرب