محطّات مؤلمة كثيرة مرَّت على لبنان، وانطبعت في الذاكرة، فلم تستطع مَحوَ الآثار السلبية التي خلّفتها تلك الحروب الأهلية وحرب الأخوة، وإن إنطفأت نارها، لكنها بقيَت مشتعلة في النفوس.
شهِد معظم البلدان حروباً أهلية، وعايَش لبنان فتراتٍ عصيبة تمثّلت في مواجهات ضارية بين أحزابه ومذاهبه، وعائلاته وعشائره. لكنّ لحرب الجبل طعماً مختلفاً، فعدا عن رائحة النار والبارود التي إنبعثت من المدن والقرى والبلدات، فإنّ تلك الحرب تتكرَّر كلّ فترة زمنية ويُعيد التاريخ نفسه، من العام 1841 الى 1860 وصولاً الى 1983، وكأنّ قدرَ الجبل أن تسيل فيه الدماء دائماً، وتختلط على سفوحه وهضابه السياسات المحلّية بالدولية وتُنتج قائممقاميات ومتصرّفيات وكانتونات طائفية.
المصالحة الأساسية تكرّست عام 2001، عندما قرَّر البطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير تكريسَ شقٍّ أساس في اتفاق «الطائف»، هو المصالحة بين مختلف المكوِّنات اللبنانية، وطيّ صفحة الحرب الأليمة وفتح صفحة جديدة عنوانها التلاقي ونبذ الحروب الطائفية.
وتلاحقت فصول التلاقي الماروني- الدرزي، حيث إجتمعوا في 14 آذار 2005 مطالبين بالحرّية والسيادة والاستقلال وخروج الجيش السوري من لبنان.
يحشد الحزب «التقدّمي الإشتراكي» لإحياء الذكرى الـ15 لمصالحة الجبل في المختارة السبت المقبل، وقد جال على القيادات اللبنانية داعياً إياها للحضور الى مقرّ الزعامة الدرزية التي ستظهر بمظهر الحريصة على العيش المشترك، في حضور البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، إضافة الى تدشين كنيسة السيدة «الخازنية».
في 17 أيار 2014، زلّ لسان جنبلاط خلال زيارة البطريرك الراعي الى الجبل، وقبل أيام على الشغور الرئاسي، رحّب جنبلاط برئيس الجمهورية قائلاً «أهلاً برئيس الجمهورية العماد ميشال عون»، قبل أن يستدرك خطأه. لكن بعد عامين ونحو 80 يوماً على زلّة اللسان الجنبلاطية، يبدو أنّ زعيم المختارة لا يمانع بوصول عون لإنهاء الفراغ الرئاسي.
يترقّب الجميع المواقف في لقاء السبت المنتظر، فجنبلاط عوَّد اللبنانيين على المفاجآت والتقلّبات السياسية، إذ إنه يعتمد قانونه السياسي الخاص على أساس أنّ «الضرورة تبيح المحظورات»، فما كان محظوراً منذ فترة يبدو أنه غير بعيد المنال الآن.
يقف جنبلاط متأمّلاً التطورات السياسية، ويُبدي إرتياحاً نوعاً ما الى إبتعاد الخطر من دروز سوريا بعدما إقتربت النار إليهم في مرحلة سابقة، لكن لا شيء نهائياً، إذ إنّ الدروز هم أقلية في منطقة ملتهبة محكومة بالتطاحن السنّي- الشيعي الضروس، والأقليات تذهب «فرق عملة» في هذه الحروب الكبيرة المتنقلة.
وأمام اللاإستقرار المسيطر على المنطقة، تتخوّف المختارة من أيّ هزّة داخلية قد تسبّب قلب موازين القوى الداخلية، وترى أنّ المدخل الأساس هو إنتخاب رئيس للجمهورية، وعندما يقف جنبلاط يوم السبت سيفكّر في كلّ تلك المعطيات الأمنية والسياسية والرئاسية.
فبالنسبة الى الرئاسة، يرى إستحالة إنتخاب مرشّحه الوسطي النائب هنري حلو، كما أنّ إمكانية وصول رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية الى بعبدا إصطدمت برفض الغالبيّة المسيحية الممثلة بـ«التيار الوطني الحرّ» و«القوات اللبنانية»، إضافة الى عدم قبول «حزب الله» به.
ومع التساؤلات المطروحة، تتكتّم أوساط الحزب «التقدّمي الإشتراكي» عن مضمون كلمة جنبلاط، وتعتبر أن لا أحد يعرف موقفه السياسي الرئاسي إلّا هو، وخيار إعلان ترشيح عون علناً ورسمياً يعود إليه وحده، وهو مَن يقرّر، على رغم أنّ مواقفه العلنية باتت واضحة ويؤيّد أيَّ تسوية رئاسية ولا يضع «فيتو» على أيّ إسم، لذلك كل الإحتمالات مفتوحة ولا يمكننا إلّا أن ننتظر السبت لنرى ما سيحمله من مفاجآة محتملة».
وتؤكد الأوساط أنّ جنبلاط يفصل بين الخلافات السياسية والمصالحة التاريخية مع الموارنة والمسيحيين، «ورغم الخلافات السياسية الحادة مع «التيار الوطني الحرّ» في مرحلة سابقة، إلاّ أنّ التواصل لم ينقطع يوماً وبقيت القضايا الحياتية والتواصل في الجبل قائمة، وكذلك الأمر بالنسبة الى العلاقة مع «القوات اللبنانية»، فهذه مسائل جوهرية لأنّ التعايش الماروني- الدرزي خطّ احمر، ونهج «الإشتراكي» وجنبلاط يصبّ في هذا المجال».
وتوضح الأوساط أنّ جنبلاط كان أوَّل مَن جال على القيادات المسيحية عند وقوع الفراغ الرئاسي، والعلاقة لم تنقطع يوماً معها، لذلك يستعجل إنتخاب رئيس للجمهورية لكي تعود مؤسسات الدولة الى العمل وتشارك كلّ المكوّنات في صناعة القرار لأنّ الوضع لا يتحمّل مزيداً من الشلل المؤسساتي الذي قد يهدّد الإستقرار الأمني.
لا يرغب جنبلاط، رغم الخلافات السياسية، في إستفزاز الغالبية المسيحية في الجبل، فهو من السياسيين القلائل الذين يخطّطون جيداً ويحفظون خطّ الرجعة، ومهما كان إسم الرئيس المقبل فإنّ الحصّة الجنبلاطية محفوظة، فيما تتعرّض تلك الحصّة للإهتزاز في حال خاصم الغالبية المسيحية التي تشكّلت بعد التفاهم بين «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحرّ»، وهي قادرة على تهديد عرشه النيابي في الشوف وعاليه، لذلك يدخل هذا الموضوع كعامل حاسم في حساباته، ويؤثر في قراراته السياسية والرئاسية خصوصاً مع إقتراب موعد الإنتخابات النيابية.
للموارنة والدروز تاريخ طويل في بناء الفكرة الإستقلالية اللبنانية وتكوين الكيان، فمهما غرّدت القيادات الدرزية في سرب ما تعتبره البعد الإستراتيجي العروبي، فإنها ستعود حتماً الى لبنان الذي يحمي الأقلّيات والأكثريات معاً.
المصالحة الأساسية تكرّست عام 2001، عندما قرَّر البطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير تكريسَ شقٍّ أساس في اتفاق «الطائف»، هو المصالحة بين مختلف المكوِّنات اللبنانية، وطيّ صفحة الحرب الأليمة وفتح صفحة جديدة عنوانها التلاقي ونبذ الحروب الطائفية.
وتلاحقت فصول التلاقي الماروني- الدرزي، حيث إجتمعوا في 14 آذار 2005 مطالبين بالحرّية والسيادة والاستقلال وخروج الجيش السوري من لبنان.
يحشد الحزب «التقدّمي الإشتراكي» لإحياء الذكرى الـ15 لمصالحة الجبل في المختارة السبت المقبل، وقد جال على القيادات اللبنانية داعياً إياها للحضور الى مقرّ الزعامة الدرزية التي ستظهر بمظهر الحريصة على العيش المشترك، في حضور البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، إضافة الى تدشين كنيسة السيدة «الخازنية».
في 17 أيار 2014، زلّ لسان جنبلاط خلال زيارة البطريرك الراعي الى الجبل، وقبل أيام على الشغور الرئاسي، رحّب جنبلاط برئيس الجمهورية قائلاً «أهلاً برئيس الجمهورية العماد ميشال عون»، قبل أن يستدرك خطأه. لكن بعد عامين ونحو 80 يوماً على زلّة اللسان الجنبلاطية، يبدو أنّ زعيم المختارة لا يمانع بوصول عون لإنهاء الفراغ الرئاسي.
يترقّب الجميع المواقف في لقاء السبت المنتظر، فجنبلاط عوَّد اللبنانيين على المفاجآت والتقلّبات السياسية، إذ إنه يعتمد قانونه السياسي الخاص على أساس أنّ «الضرورة تبيح المحظورات»، فما كان محظوراً منذ فترة يبدو أنه غير بعيد المنال الآن.
يقف جنبلاط متأمّلاً التطورات السياسية، ويُبدي إرتياحاً نوعاً ما الى إبتعاد الخطر من دروز سوريا بعدما إقتربت النار إليهم في مرحلة سابقة، لكن لا شيء نهائياً، إذ إنّ الدروز هم أقلية في منطقة ملتهبة محكومة بالتطاحن السنّي- الشيعي الضروس، والأقليات تذهب «فرق عملة» في هذه الحروب الكبيرة المتنقلة.
وأمام اللاإستقرار المسيطر على المنطقة، تتخوّف المختارة من أيّ هزّة داخلية قد تسبّب قلب موازين القوى الداخلية، وترى أنّ المدخل الأساس هو إنتخاب رئيس للجمهورية، وعندما يقف جنبلاط يوم السبت سيفكّر في كلّ تلك المعطيات الأمنية والسياسية والرئاسية.
فبالنسبة الى الرئاسة، يرى إستحالة إنتخاب مرشّحه الوسطي النائب هنري حلو، كما أنّ إمكانية وصول رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية الى بعبدا إصطدمت برفض الغالبيّة المسيحية الممثلة بـ«التيار الوطني الحرّ» و«القوات اللبنانية»، إضافة الى عدم قبول «حزب الله» به.
ومع التساؤلات المطروحة، تتكتّم أوساط الحزب «التقدّمي الإشتراكي» عن مضمون كلمة جنبلاط، وتعتبر أن لا أحد يعرف موقفه السياسي الرئاسي إلّا هو، وخيار إعلان ترشيح عون علناً ورسمياً يعود إليه وحده، وهو مَن يقرّر، على رغم أنّ مواقفه العلنية باتت واضحة ويؤيّد أيَّ تسوية رئاسية ولا يضع «فيتو» على أيّ إسم، لذلك كل الإحتمالات مفتوحة ولا يمكننا إلّا أن ننتظر السبت لنرى ما سيحمله من مفاجآة محتملة».
وتؤكد الأوساط أنّ جنبلاط يفصل بين الخلافات السياسية والمصالحة التاريخية مع الموارنة والمسيحيين، «ورغم الخلافات السياسية الحادة مع «التيار الوطني الحرّ» في مرحلة سابقة، إلاّ أنّ التواصل لم ينقطع يوماً وبقيت القضايا الحياتية والتواصل في الجبل قائمة، وكذلك الأمر بالنسبة الى العلاقة مع «القوات اللبنانية»، فهذه مسائل جوهرية لأنّ التعايش الماروني- الدرزي خطّ احمر، ونهج «الإشتراكي» وجنبلاط يصبّ في هذا المجال».
وتوضح الأوساط أنّ جنبلاط كان أوَّل مَن جال على القيادات المسيحية عند وقوع الفراغ الرئاسي، والعلاقة لم تنقطع يوماً معها، لذلك يستعجل إنتخاب رئيس للجمهورية لكي تعود مؤسسات الدولة الى العمل وتشارك كلّ المكوّنات في صناعة القرار لأنّ الوضع لا يتحمّل مزيداً من الشلل المؤسساتي الذي قد يهدّد الإستقرار الأمني.
لا يرغب جنبلاط، رغم الخلافات السياسية، في إستفزاز الغالبية المسيحية في الجبل، فهو من السياسيين القلائل الذين يخطّطون جيداً ويحفظون خطّ الرجعة، ومهما كان إسم الرئيس المقبل فإنّ الحصّة الجنبلاطية محفوظة، فيما تتعرّض تلك الحصّة للإهتزاز في حال خاصم الغالبية المسيحية التي تشكّلت بعد التفاهم بين «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحرّ»، وهي قادرة على تهديد عرشه النيابي في الشوف وعاليه، لذلك يدخل هذا الموضوع كعامل حاسم في حساباته، ويؤثر في قراراته السياسية والرئاسية خصوصاً مع إقتراب موعد الإنتخابات النيابية.
للموارنة والدروز تاريخ طويل في بناء الفكرة الإستقلالية اللبنانية وتكوين الكيان، فمهما غرّدت القيادات الدرزية في سرب ما تعتبره البعد الإستراتيجي العروبي، فإنها ستعود حتماً الى لبنان الذي يحمي الأقلّيات والأكثريات معاً.
آلان سركيس