هل قال الرئيس سعد الحريري لاحد الوسطاء «حين يسمي الرئيس نبيه بري العماد ميشال عون، اسميه في الحال؟».
الاكثر دقة، هل قال الحريري ذلك للنائب وليد جنبلاط الذي اذ رأى في اليوم الاول من ثلاثية الحوار ان «الدوحة اللبنانية» «مش ظابطة»، و«لا أفق»، فإن مصادره تؤكد انه اكثر تشاؤماً من اي وقت مضى، وان المنطقة مقبلة على تطورات لها انعكاساتها  المباشرة والخطرة على لبنان.
ما يقال في الاروقة الخلفية، ونقلاً عن قطب سياسي، يشي بان المنطقة المقبلة على انقلاب استراتيجي لا يمكن تصوره، وكما استضاف الملك المغربي الراحل الحسن الثاني في الصخيرات رئيس الوكالة اليهودية الراحل، واحد آباء اسرائيل، ناحوم غولدمان الصحافي اليهودي الفرنسي البارز جان دانييل عشية الاتصالات التي افضت الى اتفاقية كمب ديفيد بين انور السادات ومناحيم بيغن، هناك كلام عن دوريضطلع به حالياً ملك المغرب محمد السادس.
حديث عن ان توجه دول عربية  نحو اقامة علاقات مع تل ابيب لم يعد في مرحلته الاولى، لا بل ان المسألة قطعت اشواطاً بعدما تلقى الوسطاء وعداً من بنيامين نتنياهو بانه سيكون اكثر مرونة في التعاطي مع المبادرة الديبلوماسية العربية التي كرستها قمة بيروت في عام 2002.
وتشير المعلومات الى ان وتيرة الاتصالات تسارعت على نحو دراماتيكي بعد محاولة الانقلاب في تركيا والتي حملت الرئيس رجب طيب اردوغان على الانكفاء الى الداخل وربما الى داخل الداخل.
وتقول المعلومات ايضاً ان هناك جهات رصدت ردة الفعل لدى القواعد الشعبية في احدى الدول العربية الفاعلة ليتأكد ان الغالبية الساحقة مع هذا الاتجاه، وصولاً الى القواعد الفلسطينية. المعارضة محدودة جداً ولا تأثير لها، فيما تدعم الولايات المتحدة ومعها البلدان الاوروبية، الجهود التي تبذل حالياً، وعلى اساس ان مثل ذلك التطور لا بد ان يكبح الجنوح الاسرائيلي نحو يمين اليمين، وبالتالي قطع الطريق على الحاخامات والحلول محل الجنرالات.
مشهد ياسر عرفات واسحق رابين في حديقة البيت الابيض يمكن ان يتكرر بين محمود عباس وبنيامين نتنياهو الذي يتطلع الى علاقات عسكرية واقتصادية، واستراتيجية بطبيعة الحال مع بعض الدول العربية الثرية، وبعدما رفع احدهم شعار «العبقرية الاسرائيلية والمال العربي».
لا شيء الآن قبل ان يتسلم الرئيس الاميركي العتيد مقاليد السلطة في كانون الثاني المقبل.
وهنا تطرح مرجعيات لبنانية بات لديها الكثير من المعطيات حول المدى الذي وصلت اليه الاتصالات واللقاءات (والوساطات)، اسئلة عن تداعيات الانقلاب الاستراتيجي على لبنان...
هذه الاسئلة تزداد تعقيداً في ظل ما يحكى عن انه سيكون للاسرائيليين وبالتنسيق مع عواصم عربية، دور بالغ الحساسية في بعض المناطق السورية، وبالصورة التي لا بد ان تكون لها ارتداداتها على لبنان، وربما على الخارطة اللبنانية.
بل كيف يمكن اعادة تركيب لبنان في هذه الحال اذا كانت مرجعيات فريق داخلي معين في صدد اقامة علاقات استراتيجية مع اسرائيل، فيما مرجعيات فريق آخر مستنفرة سياسياً وعسكرياً ضدها...
ساسة لبنانيون ويستعيدون ما كان يقوله ديبلوماسيون غربيون منذ السنة الاولى لاندلاع الازمة في سوريا من ان هذه الازمة لا بد ان تفضي الى حدوث زلزال على مستوى العلاقات، كما على مستوى الخرائط، في المنطقة.

ـ مخاطر كارثية ـ

اكثر خطرا بكثير من تداعيات الصراع السعودي - الايراني والحروب المتنقلة على الساحة السورية، كون اقامة علاقات بين دول عربية، لطالما نأت بنفسها عن ذلك لأسباب شتى، واسرائيل في ظروف المواجهة السنية - الشيعية، بكل ابعادها الجيوسياسية، ستعرض اكثر من بلد عربي لمخاطر كارثية، ومنها لبنان بطبيعة الحال.
وتبعاً لما تراه مراجع لبنانية، فإن المسألة لا تقتصر على ان «العقل الاسبارطي» في اسرائيل لا يزال يضج بهاجس الثأر من الذين دحروا الاحتلال في عام 2000، وحطموا اسطورة الجيش الذي لا يقهر في صيف 2006. الاسرائيليون يريدون الكثير الكثير من لبنان.
هذا يضع «حزب الله» امام واقع جديد لم يكن ليتصور انه يمكن ان يحصل في يوم من الايام. وبطبيبعة الحال، فان الفريق اللبناني الذي اتخذ من الحزب مادة يومية، وعلى مدار الساعة، للهجوم، لا بد ان تكون امامه مهمة اخرى وخطيرة جداً...
والمراجع تسأل ما اذا كان ذلك يعني تفجير الداخل اللبناني، وحتى بتوظيف النزوح السوري الذي يلقي بأثقاله على كل الاحتمالات اللبنانية، اضافة الى التنسيق مع «جبهة النصرة» التي اذ تحولت الى «جبهة فتح الشام» (الشام بالمفهوم التاريخي)، فهي على علاقة وثيقة مع دول عربية كما مع الاجهزة الاميركية التي زودتها بالصواريخ والاسلحة المختلفة...

ـ شعوب... النوم العميق ـ

وبحسب المراجع، لا مجال للرهان على اي ردة فعل في المشرق العربي حيث الشعوب اما انها تغط في نوم عميق او انها غارقة في مشكلاتها الداخلية التي لا حدود لها.
المراجع لاحظت كيف ان قيادة الحزب ركزت في الآونة الاخيرة على التطبيع، وهذا ما اثاره رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الايراني علاء الدين بروجردي حتى من السرايا الحكومية في بيروت.
هذا يؤكد ان المسألة على النار. ما هي استراتيجية «حزب الله» في هذه الحال، وهو الذي يلاحظ كيف ان طائرات الاستطلاع الاسرائيلية تحولت الى زائر يومي وثقيل الظل لبعض المناطق اللبنانية؟ هذا يبقى مجرد سؤال. 
الثابت، وكما تشير المراجع اياها، ان حدوث مثل ذلك «التطور النوعي» مع تل ابيب لا يمكن ان يكون دون هزات ارتدادية معقدة جداً او خطرة جداً.
اكثر من جهة سياسية اعتبرت ان انجاز الاستحقاق الرئاسي في لبنان غالباًَ ما تم على ارض ساخنة. وقيل ان الساحة الداخلية، الشديدة الهشاشة والشديدة الاحتقان، لا تتحمل اي عملية تسخين، وقد يكون الامر بالتسخين الاقليمي...
غير ان مصادر ديبلوماسية في بيروت تعتقد ان ما يحكى الآن عن تسارع وتيرة الاتصالات بين دول او دولة عربية واسرائيل لا بد ان يزيد في تعقيد الازمات اللبنانية، ومن رئاسة الجمهورية الى قانون الانتخاب وهلمجرا...

ـ مغامرة بري ـ

هل كانت دعوة الرئيس نبيه بري الى ثلاثية الحوار، وعلى اساس السلة التي طرحها والتي اثبتت الايام عدم قابليتها للتطبيق، مغامرة في ظروف ليست مؤاتية على الاطلاق؟
جلسة الامس بدت فضفاضة جداً، وطرحت خلالها عناوين كبيرة من قبيل تطوير النظام السياسي في اطار اتفاق الطائف، وانشاء مجلس الشيوخ، وحتى اللامركزية الادارية.
هذا مع الاشارة الى ان الدستور يطرح شروطاً حاسمة قبل انتخاب مجلس الشيوخ الذي قيل انه يطمئن الطوائف، لا سيما الصغيرة، مع ان المشكلة ليست في الدروز، ولا في السريان، ولا في اللاتين، ولا في الاشوريين، ولا في الاقباط، ولا في البهائيين. مشكلة لبنان في الصراع بين الاكثريتين السنيّة والشيعية، وحيث الكثيرون يتطوعون للنفخ في الابواق.
في هذه الحال، هل ان مجلس الشيوخ هو الذي يطمئن السنّة من الشيعة، والشيعة من السنّة؟
التصريحات التي صدرت عن وزراء ونواب اتسمت بالتفاؤل. وزير المال علي حسن خليل وصف جلسة الامس بالأهم في تاريخ الحوار، متوقعاً انطلاق ورش العمل لتنفيذ ما تبقى من اتفاق الطائف. ووزير السياحة ميشال فرعون رأى في ما حدث وكأنه هروب الى الأمام.، لاحظ «ان النقاش في مسألة تطوير النظام مهم، ومسألة مجلس الشيوخ تحتاج الى نقاش مطول، ولكن هناك استحقاقين داهمين هما قانون الانتخاب ورئاسة الجمهورية» بعدما جرى الحديث عن قانون انتخاب مقابل مجلس الشيوخ.
واكد على «عدم ربط الاستحقاقين بنقاط خلافية، وخصوصاً ان الوقت يداهمنا، ولا نريد الخوض في مشاكل جديدة»، معتبرا «ان ربط القانون الانتخابي بمجلس الشيوخ لن يحل الازمة في الوقت المناسب».
النائب طلال ارسلان وصف الجلسة بالايجابية، والنائب علي فياض ذهب الى أبعد من ذلك حين قال ان الجلسة كانت «عميقة وجدية، والنقاش فتح على مصراعيه لبحث تطوير النظام السياسي ضمن اتفاق الطائف، على ان يبحث اليوم موضوع مجلس الشيوخ».

ـ باسيل وفرنجية ـ

واذ قال وزير الخارجية جبران باسيل «لو كان هناك شيء جيد لتكلمت»، كان لافتا ان النائب سليمان فرنجية الذي قال في جلسة اليوم الاول انه سيتكلم في جلسة الأمس، غادر دون ان ينبس ببنت شفة.
وكان باسيل قد أثار مجدداً مسألة الاستفتاء الشعبي لتصنيف الاقوى شعبياً، ويبدو أن رئيس تيار المردة كان ينتظر مثل هذه اللحظة ليرد على رئيس التيار الوطني الحر داعياً الى انتخاب رئيس الجمهورية من الشعب.
ومنذ اسابيع ترددت معلومات بأن بين يدي فرنجية نتائج استطلاع أجراه معهد متخصص، اظهر انه اذا ما جرت المنافسة بين عون وفرنجية في انتخاب مباشر، فان الأخير يفوز بغالبية كبيرة.
وهناك أحاديث عن أسباب كثيرة جعلت القاعدة الشعبية للجنرال تتآكل، ومن هذه الاسباب «تعيين» صهره رئيساً للتيار. وثمة سؤال يتردد في الاروقة الساسية ما اذا كان عون يتجرأ على ان يطرح ثانية اقتراح انتخاب رئيس الجمهورية من الشعب.

ـ هرموش في الرابية ـ

واللافت هنا الزيارة التي قام بها رئيس المكتب السياسي لـ«الجماعة الاسلامية» اسعد هرموش للرابية حيث تحدث عن طلب الحريري تطمينات (ضمانات في كلامه الى  جعجع)، ليشير الى «تجاوب كلي» من عون، وداعيا اياه الى التواصل والانفتاح على المكوّن السني.
هل يمكن لهرموش ان يقوم بالمبادرة منفرداً، وهو يمثل القوة الاسلامية الحليفة لتيار المستقبل في بيروت كما في صيدا ومناطق أخرى، أم انه حمل رسالة من جهة ما الى الرابية؟

ـ المطارنة الموارنة ـ

المطارنة الموارنة، وفي اجتماعهم الشهري برئاسة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، ابدوا قلقهم الشديد حيال «المراوحة السياسية والتعثر الذي بات يشل المؤسسات الدستورية وينذر بدخول الوطن في أزمة مفتوحة تهدد النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي بسقوط مريع».
ورأوا ان «المخرج الحقيقي للأزمة يبدأ بالتزام الدستور والاقدام على انتخاب رئيس للجمهورية قادر على اعادة تكوين السلطة على اسس دستورية وميثاقية واخلاقية بدءاً باقرار قانون جديد للانتخاب».
ربما كان تعليق بري، لدى التقاط الصورة التذكارية، «صورتنا تقطع الرزق» الوصف الاكثر دقة لواقع الحال. اما جعجع فرأى ان الحوار يراوح بين المأساة الكبيرة والملهاة الصغيرة، في الكلاسيكيات الفرنسية Tragi - Comedie!
وبالرغم من ذلك، هناك من سرّب كلاماً صدر عن بري على طاولة الحوار «رئيس الجمهورية قبل نهاية العام».
السير في حقل... الالغاز.