ولّدت محادثة طويلة أدارها وزير الخارجية الأميركي جون كيري مع نظيره الروسي سيرغي لافروف لمدة 12 ساعة، إتفاقًا يتمثّل بتوفير "حلّ على مراحل" للأزمة السورية، وينطلق بأن تتركّز الهجمات الروسية على تنظيم "الدولة الإسلامية" وأن تكفّ تلك الهجمات من التركيز على تجمّعات المعارضة السورية.

وفقا لهذا الاتفاق، سيتجمّع مقاتلو المعارضة في مناطق محددة وواضحة بشكل يسهّل التفريق بينهم وبين قوات "داعش" و"جبهة فتح الشام" والتي تُعرّف هي أيضا كتنظيم إرهابي ولا تزال تستخدمها روسيا كذريعة لضرب مجموعات أخرى. كما اتفق كيري ولافروف أنّه في المرحلة التالية ستتم مناقشة مكانة الرئيس السوري بشار الأسد، من دون تحديد التاريخ أو الشكل الذي سيتم من خلاله، إن تم أصلا، عزله.

يقلق هذا الاتفاق المعارضين، الذين يعرفون جيّدا عجز واشنطن. لم تنجح الإدارة الأميركية حتى الآن في تنفيذ الاتفاقات السابقة، والأهم من بينها - اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوقيع عليه في شباط في جنيف. تخشى المعارضة من خيار أن تعتبر الولايات المتحدة اتفاقها مع موسكو "فرصة أخيرة" لاستمرار تدخلها في الأزمة، وإذا انهار هذا الاتفاق أيضًا، سيترك البيت الأبيض كامل المسؤولية لعلاج الأزمة السورية تحت مسؤولية الكرملين. يعني مثل هذه الخطوة تزايد القتال في جميع الجبهات والتجميد المطلق للعملية السياسية، والتي لا تتقدم في الأساس.

يجري أحد الاختبارات الأكثر أهمية لتطبيق هذا الاتفاق بين روسيا والولايات المتحدة في مدينة حلب، المُحاصر فيها 200-300 ألف مدني، والذين يتعرّضون للقصف المكثّف لقوات النظام بالتعاون مع القوات الإيرانية و"حزب الله". رغم أن روسيا بدأت بإسقاط المساعدات المدنية للسكان وإعلان الأسد عن العفو عن كل من ينزع سلاحه، استطاع القليل من سكان المدينة الحصول على مساعدة ما.

أصبحت حلب إحدى المدن التي تسببت لها الحرب في سوريا بالدمار الأكبر في السنوات الثلاث الأخيرة، ومقسّمة بين شرق وغرب. في الغرب تسيطر قوات النظام بينما في الشرق - يسيطر مقاتلو المعارضة والذين يتألفون بشكل أساسيّ من "جبهة الفتح"، وهو تنظيم مظلّة يوحّد عدة مجموعات كبيرة، من بينها "جبهة فتح الشام" و"أحرار الشام". وتشير التقديرات إلى أنّهم يملكون أكثر من 20 ألف مقاتل، مجهّزين ببضع عشرات من الدبابات ويتمتّعون بتمويل مستمر من دول عربيّة.

وبالرغم من أنّ التفاوت في القوة بين قوات المعارضة والجيش السوري هائل، فقد أثبت المعارضون في بعض المدن أنّ قوة صغيرة نسبيا تكفي أحيانًا لأنّها تعرف الأرض جيدا، من أجل إيقاف تقدم الجيش السوري. ولكن هذه القوات لا يمكنها أن تؤدي إلى حسم. ومن هنا تكمن أهمية المعركة في حلب، التي قد يؤدي حسمها إلى تحوّل استراتيجي وسياسي في صورة المعركة.

إنّ نجاح الجيش السوري في السيطرة على المدينة لن يكون فقط ضربة هائلة لمعنويات مقاتلي المعارضة، بل سيمنح الجيش السوري سيطرة حيوية على سلسلة محاور ومفترقات تمكّنه من التقدم سريعا تجاه المناطق الأخرى شمال البلاد وشرقها. في المقابل، من شأن صمود المعارضة بثبات على مدى وقت طويل أن يكلّف ثمنا باهظا من الدماء، عسكريا ومدنيا، وأن يؤدي إلى توسيع التدخل العسكري الروسي في محاولة لكسر المعارضة.

ستكون لهذه المعركة ونتائجها آثار على الميادين العسكرية في مناطق أخرى من سوريا وعلى المفاوضات السياسية. إنّ السيطرة على حلب ستمنح الأسد وروسيا نقطة التحوّل التي يحتاجونها للإعلان عن حسم استراتيجي، والذي يوفر الذهاب إلى المفاوضات من موقف القوة. في هذا السيناريو سيضطر المعارضون وحلفاؤهم، وفقا تقديرات النظام السوري، إلى قبول إملاءاته.

لقد باتت حلب حلبة سياسية دامية تجلس فيها دول الغرب جانبا دون أن تتدخل، انتظارا لـ"نتائج اللعبة" وللفريق القادم الذي يمكنه أن يرتفع للبيت السياسي. ولكن حتى وإن حُسمت المعركة في حلب، فإنّ واشنطن لا تملك برامج. بما أن الولايات المتحدة قد وافقت فعليا على تأجيل النقاش حول مستقبل الأسد وليست مستعدة لإرسال قوات برية من أجل مساعدة قوات المعارضة (باستثناء قوات صغيرة تساعد في القتال ضدّ داعش)، فهي غير قادرة على حل الخلاف بين التنظيمات الموالية للغرب وليست قادرة على إجبار روسيا على تغيير موقفها من الأسد. ولذلك فستضطر إلى الاستمرار في قبول إملاءات موسكو، والتي قد تملي أيضا شكل الحرب ضدّ "داعش"، التي هي ليست من أولياتها.

(المصدر هآرتس)