أيام قليلة قبل انتشار خبر جريمة اغتصاب قاصر من قبل ثلاثة شبان، والتي هزت المجتمع اللبناني، مفضية إلى نزع وصاية الوالد عن ابنته الضحية، وتحويلها قضائياً إلى جدها الذي كان يرعاها، ويهتم بها. ورفعت مجموعة جمعيات لبنانية كتاباً مشتركاً إلى "لجنة حقوق الأطفال" التابعة للأمم المتحدة، تناشدها التوسط لدى الحكومة اللبنانية بهدف المساعدة على تعديل بعض القوانين اللبنانية المتعلقة بالاغتصاب.
الرسالة رفعت نهاية حزيران الماضي، وقبل وقوع الحدث الشمالي، ولمناسبة التحضير لانعقاد حلقة مجموعة العمل التحضيرية بين الثالث والسابع من تشرين الأول المقبل للدورة الخامسة والسبعين للجنة.
الرسالة المشتركة وقعتها ثلاث هيئات ولها أكثر من سبب ودافع، أبرزها أن ظاهرة الاغتصاب هي أكبر بكثير مما يعرف، وحوادثها المكشوفة أقل بكثير مما يجري، على الصعيدين الكمي والنوعي.
وتتخذ الجمعيات المبرر للرسالة بسبب توقيع لبنان على اتفاقية حقوق الطفل التابعة للأمم المتحدة، وجميع بروتوكولاتها، ولتلمسها أن القوانين اللبنانية لا تردع الاغتصاب، بأشكاله المختلفة، بشكل فعلي.
الجمعيات التي اشتركت في الرسالة هي "المساواة الآن" (Equality Now)، و"اللجنة الأهلية لمتابعة قضايا المرأة"، و"الجمعية اللبنانية لمناهضة العنف ضد النساء" والأخيرة ترأسها الناشطة الاجتماعية لورا صفير وفي جعبة جمعيتها "ما يذهل، ويقض المضاجع، لو عرفت كل أمورها"، كما قالت، مصرة على عدم البوح بما يفاقم المشكلة، ويعرض سمعة كثيرين للإساءة.
الرسالة تركز على ناحيتين في القانون اللبناني، المواد المتعلقة بقساوة العقوبة، وقدرتها على الردع، من جهة، والمواد التي تسهل عمليات الاغتصاب بإعفاء المغتصب من العقوبة في حال أقدم على الزواج من ضحيته، من جهة ثانية.
تتناول صفير المادة 512 المتعلقة بعقوبة المغتصب، وترى أنها غير كافية في ما لو طبقت بشكل كامل، فأقصى العقوبة هي 11 سنة سجناً، لكن هذه العقوبة لم تحصل ولا مرة في لبنان، عدا عن التدخلات التي تلعب دوراً في حماية المغتصب، ومنها الوساطات السياسية.
وتؤكد صفير أن العقوبة مهما كانت، نافعة ورادعة إلى حد كبير، وتقدم نموذجين عن "سفاح قربى" أمكن لتطبيق عقوبة في حالة منهما أن تحل مشكلة عائلة عندما عوقب الجاني، بينما ظلت المشكلة قائمة ومتفاقمة في حالة ثانية لم تكشف إلى العلن، ولم ينل الجاني عقوبته.
الحالة الأولى، عندما كان يسمع جيران إحدى العائلات صراخ بنت في حالة تتكرر بشكل شبه يومي، بالترافق مع غياب الوالدة عن المنزل بسبب العمل. "كان الأب يترك عمله ويأتي إلى المنزل لمعاشرة ابنته. بيتهم غرفة واحدة، مفصولة بساتر قماشي. الجريمة مزدوجة، كأنه اغتصب عائلة بكاملها"، ترى صفير.
طالت القصة، ولا تذكر الفتاة التي بلغت الثانية عشرة من العمر متى بدأ الوالد ممارساته. كانت لا تزال صغيرة، ربما لا تريد أن تتذكر. إلى أن كشف الأمر، وتيقنت الأم مما يحدث، فنقلت الخبر إلى الهيئة. "كلفنا محامياً بمتابعة القضية، بالتعاون مع الأم، وسجن الأب. وأحلنا الفتاة على متخصص نفسي لمعالجتها. كانت مرتاحة، لكنها ظلت خائفة من أن والدها إذا خرج من السجن في فترة قريبة، ربما تعرض لها بالأذى".
تضيف صفير: "نال الرجل عقوبته، ويا للأسف، لم تكن سوى السجن لستة أشهر، ولا يزال في السجن، والفتاة تشفى من ارتدادات قصتها، وهي في تحسن، وإن استغرق الأمر وقتا طويلا".
مقارنة بهذه الرواية، جرت قصة مطابقة. أقام الوالد علاقة "سفاح القربى" مع ابنته منذ صغرها. وتمكن من إخفاء القصة حتى كبرت الفتاة، وأصبحت في سن الزواج. تقول صفير: "تظل العلاقة قائمة بين الوالد وابنته تحت حجة يقدمها الوالد لابنته منذ الصغر، وهي لا تستطيع التمييز إن كان ذلك حقا أم لا، وهي أنه أحق بابنته من الغريب"، وذلك نقلاً عن الفتاتين في الحالتين.
تزوجت فتاة الحالة الثانية، ولم تكشف. في كثير من الأحيان، تسعى الأم، التي يفترض أن تكون أول الملاحظين، لعدم التصديق، درءاً لوقوع المحظور. لكنها ظلت تعاني الاضطراب طوال حياتها الزوجية. تقول صفير: "علمنا بالقضية بشكل متأخر، وكانت السيدة متزوجة، وأولادها أصبحوا ناضجين. لم ترد الحديث بالموضوع، وكل ما عرفناه منها أن القصة بدأت في سني حياتها الأولى، واستمرت إلى أن كبرت. ولم تكن تستطيع التخلص من المشكلة، ولم تبح بها لأحد، فظلت تنعكس عليها توترا واضطرابا".
تضيف صفير: "لأن هذه القصة لم تكشف، ولم ينل الأب المغتصب عقابه، بقيت المشكلة متفاعلة، ولا اعتقد أن السيدة ستشفى من تداعياتها طوال عمرها".
تتناول صفير جوانب أخرى من القانون المتعلقة بالاغتصاب، وحل تفاعلاته بالزواج، وتنتقد صفير المادة 522 التي تضمنتها الرسالة إلى الأمم المتحدة بهدف إلغائها، وهي تسامح المغتصب إذا قبل بالزواج من ضحيته.
وترى صفير أن رجلاً قد يلجأ إلى استدراج فتاة لا تريد الاقتران به، فيسعى جاهداً لاستدراجها، ومتى تمكن منها، اغتصبها. وستراً للعار، يقبل المجتمع بتسوية الوضع بالزواج، والقانون يعفي الرجل في هذه الحال من أي عقوبة، لكن النتيجة ان أكرهت الفتاة على الزواج بمن لا ترغب، وبعد تعرضها لأبشع الممارسات".
كيف سيكون موقف الفتاة من زوجها في حالة كهذه؟ تتساءل صفير، وتجيب: "يكفي أن تعرف أنها تزوجت من مغتصبها لنعرف أي لغم موجود في البيت بينهما، ومن المؤسف أن القانون يحمي اعتداء كهذا بإعفاء الجاني من أي عقوبة".
صفير ختمت أنه يظهر لجمعيتها الكثير من الحالات، خصوصاً في دورات التوعية، والتي من خلالها اعترفت سيدة الحالة الثانية، ويجب تعديل القوانين بسرعة لحماية النساء من الاغتصاب، فالتوعية التي تتولاها جمعيات على مستويات محلية وعالمية لن تأتي بحلول سريعة لتخفيف النزعة الذكورية المتسلطة على المجتمع".
مسلسل الاعتداء الجنسي على القاصرات لا نهاية له وفي كل حلقة منه يحمل جديداً وفظيعاً، وفي حلقة جديدة ممارسة شاب في العشرين من عمره الفحشاء مع قاصر (عمرها 13 عاماً) بحضور والدتها التي كانت بحالة سكر شديد، فالجاني كان يقيم علاقة مع الوالدة ويتردد الى منزلها في قضاء الكورة، وبعد توقيفها من "شعبة المعلومات" واعترافها بما نسب اليهما أحيلا على القضاء المختص، فيما أودعت القاصر إحدى الجمعيات المختصة.
النهار