طالما أن هناك زائراً ايرانياً في بيروت فلماذا لا يُدعى الى المشاركة في ماراتون الحوار، أمس واليوم وغداً، خصوصاً أن علاء الدين بروجردي، وهو رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الايراني،
قال: "اذا طُلب منا مسعى لحلحلة الفراغ الرئاسي (في لبنان) فلن نتردّد"، وزاد أن ايران "تولي عناية خاصة لدعم الوحدة الوطنية اللبنانية". وبذلك يتطابق موقفه مع منطلقات الرئيس نبيه بري، المبادر للدعوة الى هذا الحوار، وحليف "حزب الله" الطرف المعطّل لانتخاب رئيس، لكن المتمايز عنه بأنه لا يتمسّك بمرشّح واحد ووحيد للرئاسة. لو دُعي بروجردي لقال للحاضرين أن حتى المرشد علي خامنئي، عندما يكون لديه مرشحه، لا يمانع وجود العديد من المرشحين، فهو بارك انتخاب حسن روحاني لكنه يبادر اليوم الى سحب دعمه له بعدما استنفد الغرض من استخدامه.
بلغ الحوار من أجل الحوار جلسته العشرين ويقترب من إنهاء عامه الأول، من دون نتائج تتجاوز مجرّد جمع مَن لا يجتمعون عادةً في غرفة واحدة وتحت سقف واحد، بل مَن لم يعودوا يلتقون تحت قبة البرلمان إلا بجهد جهيد. استهدف الحوار التوصّل الى اتفاق ينهي الفراغ الرئاسي المستمر منذ ستة وعشرين شهراً تخللتها 42 جلسة فاشلة، والـ 43 بعد أيام. ولما تعذّر الاتفاق على جلسة انتخاب طبيعية دستورية، يفوز فيها من يفوز ويفشل من يفشل، راح البحث يتفرّع سعياً الى توافق على قانون للانتخاب يتيح اجراء انتخابات لتجديد البرلمان الحالي الذي انتهت ولايته قبل ثلاثة أعوام ونيّف ولا يزال قائماً بالتمديد الذاتي بذريعة "الظروف الاستثنائية" التي لم تمنع اجراء انتخابات للبلديات في أيار الماضي. وإذ كان واضحاً أن الخلاف على هذا القانون لن يحلّ فقد ارتؤي أحياناً أن يُستغلّ الحوار لمعالجة ملفات تسهّل عمل الحكومة (نفايات، تعيينات...) لكن أيضاً بحصيلة هزيلة.
أخيراً، وبعد مراكمة التعثرات، بدأ منطق "تصفية التفليسة" يفرض نفسه ليمسّ بالأصول، وهو منطق ميليشيوي أشاعه النهج الايراني في ممارسة السياسة بالتسلّط والترهيب ويتولّى "حزب الله" تطبيقه وتعميمه. اذ لا يختلف جلوس ممثله الى طاولة الحوار في بيروت عن جلوس ممثل الحوثيين في مشاورات الكويت. فالأخير قام بانقلاب ويريد من الحكومة الشرعية والأمم المتحدة وسائر الدول أن تعترف و"تشرعن" استيلاءه على الحكم بالقوة والسلاح غير الشرعي، وإلا فلا اتفاق ولا حلّ، ومن دون أي اعتبار لدستور أو شرعية أو تعايش أو حتى نتائج حوار وطني شارك فيه الحوثيون تمويهاً للمكيدة التي يعدّونها. عدا العار التاريخي الذي يرتكبه في سوريا، يتطلّع "حزب الله" الى تغيير الصيغة اللبنانية بتعديل الدستور والالتفاف على وفاق الطائف، إما بانتخاب مرشحه رئيساً أو بتنازلات مسبقة في الحوار، وإلا فلا رئيس ولا انتخابات، ونعم للحوار لكن لا للاتفاق.