دخلت «ثلاثية طاولة الحوار» في مأزق جدي منذ انطلاق الجلسة الأولى، وسط أجواء متشائمة من إمكانية الوصول إلى حدّ أدنى من التوافقات بين الأطراف السياسية حول الملفات المطروحة، وفي مقدمها إنهاء الشغور الرئاسي وقانون جديد للانتخابات.
واعتبر قطب مشارك في الحوار ان المأزق يكمن في عدم نجاح حوارات الأيام الثلاثة في تحقيق نتائج ملموسة، فماذا سيكون مصير طاولة الحوار في ضوء استمرار الدوران في الحلقة المفرغة؟ وهل من جدوى من استمرار الحوار على فترات متباعدة، في حال لم تثمر الجلسات المكثفة والمتواصلة في تحقيق خرق جدي وفعلي في جدار الأزمة؟
ووصف القطب مهمة الرئيس نبيه برّي بالصعبة والمعقدة، بسبب تأثيرات التدخلات الخارجية وتداعياتها في تعطيل إمكانيات التوصّل إلى توافقات داخلية بين اللبنانيين.
ولفت هذا القطب في توصيفه لوقائع الجلسة لـ«اللواء» بأن البداية كانت صعبة، و«مكربجة» إلى حدّ ما، خصوصاً بعدما بات واضحاً ان موعد الحصاد لم يحن بعد، وإن كان المتحاورون يجهدون بحوارات خارج الدستور لسقاية الأزمة المتمثلة بالفراغ الرئاسي، لعل هذه المياه تنعش موسم القطاف الذي ما يزال بعيداً.
وبهذا التوصيف أعطى هذا القطب خلاصة أو نتيجة عملية لاولى الجلسات الثلاثية بأنها أقفلت أبواب بعبدا امام العماد ميشال عون في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية ذات الرقم التسلسلي 43 والتي ستعقد في الثامن من آب الحالي، خلافاً لكل التوقعات التي دأبت الأوساط العونية على ترويجها في الأيام الماضية.
وبمعنى آخر، فإن الجولة الأولى من ثلاثية الحوار والتي ستستكمل اليوم وغداً، لم تقدّم أي معطى يفيد بإمكانية ان يخرج أقطاب الحوار بتفاهم حول أي من البنود المطروحة على جدول الأعمال، وعلى وجه الخصوص الانتخابات الرئاسية وقانون الانتخابات، وأن جل ما سجل هو التمسك بالطائف وضرورة الخروج من المأزق من دون التفاهم على أي آلية لهذين الموضوعين.
وبما ان المكتوب يقرأ من عنوانه، فإن بداية هذه الثلاثية لم تكن مشجعة، لا بل كرست المخاوف من ان يبقى لبنان يدور في حلقة الفراغ والشلل مُـدّة إضافية، ريثما تطرأ مستجدات ما على المشهد الإقليمي من شأنها ان تبدل من الخطاب السياسي القائم حالياً، وتنحو باتجاه الوصول إلى تسوية داخلية تخرج الاستحقاق من النفق العالق فيه منذ سنتين ونيف.
ولعل ما قاله الرئيس برّي والنائب وليد جنبلاط قد شكل رسالة واضحة بأن الحوار لن يكون منتجاً طالماً الوضعين الداخلي والإقليمي على حالهما، وكان جنبلاط أكثر صراحة حينما أكّد بأن قضية الرئاسة ليست ناضجة بعد، وانه لا يرى افقاً لحل رئاسي، وهناك ظروف إقليمية ودولية لا تساعد على إنتاج رئيس.
سلام وبروجردي
وفي تقدير مصدر سياسي تابع عن قرب زيارة رئيس لجنة الأمن القومي والسياسات الخارجية في مجلس الشورى الإيراني علاء الدين بروجردي، ان النتائج العملية لهذه الزيارة عقدت مهمة الحوار في الاتفاق على انتخاب رئيس، بسبب المواقف المتناقضة التي أدلى بها هذا المسؤول الإيراني، سواء بالنسبة لتوصيفه لبنان بأنه «قلعة المقاومة والممانعة» أو الانتقادات التي وجهها للمملكة العربية السعودية، أو الاستعداد الإيراني للمساعدة على إنهاء الفراغ الرئاسي ثم تراجعه عنه، تحت عنوان ان إيران لا تتدخل بالشؤون الداخلية لأي بلد.
غير ان واقعة ما جرى بين بروجردي والرئيس تمام سلام في السراي، كشفت بأن الرجل لا يملك قراراً، سوى استمرار التعطيل الإيراني لانتخاب الرئيس، ذلك أن الرئيس سلام فاجأ المسؤول الإيراني، مذكّراً إياه بموقف بلاده الذي كان مساعداً في تأليف حكومة المصلحة الوطنية، ثم طلب منه بصراحة أن تتدخّل طهران مجدداً من خلال التدخل مع حلفائها للمساعدة في انتخاب رئيس للجمهورية، مشدداً على أن لبنان يحتاج إلى رئيس، وذلك من خلال نزول النواب إلى المجلس النيابي والانتخاب في أسرع وقت ممكن، لافتاً نظره إلى أن الحكومة لم تعد تحتمل وحدها تسيير الأمور.
وبحسب معلومات «اللواء»، فإن الرئيس سلام شرح للمسؤول الإيراني وبشكل مفصّل أهمية الميثاقية التي يقوم عليها لبنان، معتبراً أن عدم انتخاب رئيس هو إضعاف المكوّن المسيحي، كما لفت نظره إلى أنه في مرحلة ما كان هناك خطر حقيقي من اندلاع فتنة سنّية - شيعية في البلد، لكن العقلاء تداركوا الأمر من خلال الحوار الجاري حالياً لامتصاص مخاطر الفتنة.
وبرغم هذه الشروحات والطلب الصريح، لم يكن أمام المسؤول الإيراني بعدما استمع لموقف الرئيس سلام الجدّي والواضح، غير وعد بنقله إلى القيادة الإيرانية.
الحوار: هروب إلى قانون الإنتخاب
وهكذا عادت أزمة الرئاسة إلى طاولة الحوار، التي عجزت بدورها عن إحراز أي تقدّم، مما سبّب إحباطاً ساد أجواء الجلسة، وبحسب ما قال أحد المشاركين لـ«اللواء»: أن تجتمع لثلاثة أيام ولا نخرج بشيء في المحصلة، فهذا ليس أمراً جيداً بحقنا أمام الرأي العام اللبناني.
وأشارت مصادر المتحاورين إلى أن أي طرح جديد لم يتقدّم، وأن المواقف التي عكسها الأقطاب تؤشر إلى أن لا مكان للحل، وأن النائب جنبلاط كان السياسي الوحيد الذي أيّد طرح الرئيس برّي حول «الدوحة اللبنانية».
ومع ذلك، فإن المصادر اعتبرت شأن ملف الرئاسة لم يرحل من الطاولة، وهو حتماً سيبقى بنداً أساسياً فيها، وأن البحث بقانون الانتخاب لن يوصل إلى نتيجة، رغم أن الرئيس برّي طلب من المتحاورين إيداعه اليوم أفكاراً أو تصوّرات لهذا القانون لمناقشتها بهدف الوصول إلى حل خارج اللجان النيابية المشتركة.
وتوقعت المصادر نفسها أن لا تختلف جلسة اليوم عمّا سبقها، لا بل أنها توقعت المزيد من الشرخ والانقسام حيال مشروع القانون العتيد.
وفي المعلومات التي تمّ تعميمها عبر مواقع التواصل ووكالات الأنباء، أن الرئيس برّي استهل جلسة أمس بالتأكيد على ضرورة الاتفاق على سلّة متكاملة تبدأ بانتخاب رئيس الجمهورية، معتبراً الثلاثية بأنها الفرصة التي قد تكون الأخيرة للتوافق، مشيراً إلى أن خطورة الوضع داخلياً وخارجياً تفرض علينا الاتفاق والذهاب نحو دوحة لبنانية أو سلّة تبدأ من الرئاسة، من دون أن تكون مؤتمراً تأسيسياً، مستغرباً الضجة المثارة حول السلة، موضحاً بأنها (أي السلة) موجودة أساساً في جدول الأعمال، ومن ضمنه اللامركزية الإدارية.
وردّ النائب أسعد حردان موضحاً بأن اللامركزية موجودة في الطائف، مقترحاً ربط اللامركزية الإدارية بقانون الانتخاب، فوافقه الرئيس فؤاد السنيورة ورئيس الكتائب النائب سامي الجميّل، فيما دعا الوزير بطرس حرب إلى التمييز بين التقسيمات الإدارية والدوائر الإنتخابية.
وفي النقاش حول الملف الرئاسي، أكد الرئيس السنيورة على أولويات انتخاب رئيس الجمهورية قبل البحث بأي ملف آخر، واصفاً الرئيس بأنه مثل خيط المسبحة الذي يجمع النّاس وعند انقطاعه تصبح كل حبّة لوحدها.
وردّ عليه رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمّد رعد مطالباً باتفاق شامل أولاً ومن ثم انتخاب الرئيس، وأنه ما لم نتفق على السلة لن تكون هناك انتخابات.
وأعقب ذلك جدل بين الرجلين كررا خلاله مواقفهما، فيما جدد رئيس تيّار «المردة» النائب سليمان فرنجية استعداده للانسحاب من السباق الرئاسي إذا تمّ التوافق على مرشح ثالث، مؤكداً أنه لن ينسحب إلا إذا تمّ هذا التوافق.
وأيد نائب رئيس المجلس فريد مكاري ما قاله رعد مطالباً «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» بطرح ثلاثة أسماء للرئاسة للبحث في إمكانية التفاهم على احدها، إذ لا يجوز حصر المرشحين بشخص واحد، خصوصاً وانه لم يتمكن من تأمين الإجماع المطلوب، لكن الجانبين رفضا الاقتراح.
ثم كانت مداخلة للرئيس نجيب ميقاتي اقترح فيها ان يتركز النقاش على شقين متوازيين: الأوّل يتعلق بتعهد جميع الأطراف بالالتزام باتفاق الطائف، على ان يبدأ ذلك بانتخاب الرئيس، والثاني ان يُصار إلى بحث كل الاقتراحات حول قانون الانتخاب هنا على الطاولة، قبل ان ينتقل البحث التفصيلي بعد ذلك إلى اللجان.
وبعد مداخلات لجنبلاط وحرب والجميل، حسم الرئيس برّي النقاش لهذا الشق، بالتأكيد بأن لدينا ثلاثة أشهر وبعدها لا يعود من حاجة للحوار، لأننا سنقترب من الانتخابات النيابية، وإذا لم نتفق سنذهب إلى الانتخابات على أساس قانون الدوحة، علماً ان لا مجال للتمديد، فأي اتفاق يجب ان يبدأ بانتخاب رئيس، وإذا لم نتفق فلنذهب إلى الانتخابات النيابية الآن ويلتزم كل الأفرقاء بالنزول إلى انتخاب رئيس في المجلس.
وختم في موضوع الرئاسة اتفقنا على أمرين: الالتزام بالدستور والطائف والالتزام بأن أي اتفاق يجب ان يبدأ بانتخاب رئيس، معيداً كلام جنبلاط بأن القضية ليست جاهزة لبنانياً، وطلب الانتقال إلى قانون الانتخاب، من دون ان يعني ذلك التخلي عن موضوع الرئاسة