لم يشاهد الرئيس نبيه بري بعصا الساحر، أو بقبعة الساحر، وهو يدخل الى قاعة الحوار، لكنه كان يحمل، حتماً، جرس الانذار «هذه هي فرصتنا جميعاً، إن لم نتفق فهذا يعني اننا ذاهبون الى المجهول». لا يقول بري... اننا ذاهبون الى الجحيم!
كان يتمنى لو شاهد الرئيس سعد الحريري والعماد ميشال عون والنائب سليمان فرنجية حول الطاولة المستديرة، كانت هذه مناسبة لكسر الجليد بين الفرسان الثلاثة...
رئيس تيار المستقبل اشترط ان يحضر السيد حسن نصرالله. من اطلعوا على هذا الشرط تساءلوا ما اذا كان الحريري لا يسمع ببيانات قيادة الجيش حول طائرات الاستطلاع والمقاتلات الاسرائيلية التي تجوب الاجواء اللبنانية، وهي تتحين مثل تلك الفرصة...
اوساط تيار المستقبل ترد بأن الأمين العام لـ«حزب الله» «ابلغنا المرة تلو المرة بأن صواريخه، وسواء كانت ارض - ارض أم أرض - جو أم أرض - بحر كرست ميزان الرعب مع تل أبيب، هكذا لن تحاول القاذفات  او الصواريخ الاسرائيلية التعرض له، لأن هذا يعني اندلاع الحرب».
بري كان يأمل حضور الحريري، ويتردد أنه عندما يرى الرئيس فؤاد السنيورة داخل الردهة، يدرك ان الأزمة المستديرة ستظل، دون حل، حول الطاولة المستديرة.
قيادات داخل تيار المستقبل وتجاهر بأن السنيورة لا يجد أن هذا هو الوقت المناسب لعقد اي تسوية او أي صفقة في لبنان. الوضع ضبابي الآن، وفي حين ان الحضور الايراني كثيف على الخارطة اللبنانية، فإن الغياب العربي الذي له أسبابه الكثيرة يجعل الساحة الداخلية تعاني من الاختلال الذي قد يستغله الفريق الاخر من اجل تمرير تسوية غير متوازنة...
وحتى بالنسبة الى رئاسة الجمهورية فإن لدى رئيس كتلة المستقبل مواصفات محددة للشخصية التي يفترض ان تشغل هذا المنصب، وان كان يدرك ان اللعبة الداخلية محدودة جداً في هذا المجال، كما ضبطت على ايقاع معين.
بين بري والسنيورة هوة كبيرة، وفي الكواليس يقال ان الاول يفكر استراتيجياً والثاني يفكر تكتيكياً، رئيس المجلس النيابي يعرف اي مفترق تقف عنده المنطقة، كما يعرف ان الاسرائيليين لا يمكن ان يتقمصوا شخصية الملائكة في هذه المرحلة التي قد يعاد فيها رسم الخرائط أو بناء الأنظمة.
هو متوجس جداً من النوايا، كما من الخطط الاسرائيلية. يضحك كثيراً حين يقرأ التحليلات البهلوانية لبعض الأقطاب السياسيين، ولطالما قال ان اللبنانيين أذكى بكثير من الكثيرين من أهل السياسة، ويستغرب كيف ان البعض يفضّل ان يغمض عينيه بدل ان يرى ما يحدث حول لبنان وما يمكن ان يحدث.
المقربون (جداً) منه يقولون انه يعمل لتسوية كاملة ومتكاملة كي لا يذهب لبنان ضحية الصفقات الخطيرة التي تلوح ملامحها في الأفق. هكذا دخل أمس الى ردهة الحوار. لا بد ان المايسترو فكّر كثيراً في كيفية جمع اعضاء هذه الاوركسترا التي تعزف في كل الاتجاهات...
في جلسة الأمس لم يطرح بري كل افكاره. هل كانت الجلسة للقنابل الدخانية او للقنابل الصوتية؟ الربط بين قانون الانتخاب ومجلس الشيوخ، وبين رئاسة الجمهورية التي يبدو انها وضعت على الرف في الظروف الراهنة والأشياء الأخرى في السلة، وان قيل ان السبب الحقيقي لعدم مشاركة الحريري ان هذا الوقت ليس وقت «الطبخة» ولا وقت «الطباخين».
رئيس المجلس لاحظ ان اي اتفاق افضل من لا اتفاق (مراسلنا محمد بلوط)، مشيراً الى «اننا وصلنا الى مرحلة اقليمية خطيرة للغاية». ومع اقتناعه بأن اي كلام لا يوقف التشكيك المبرمج بنواياه، أكد ان العمل لدوحة لبنانية لا يعني أبداً المؤتمر التأسيسي أو غيره.

ـ السنيورة ورعد ـ

وتكلم السنيورة داعياً الى تطبيق الدستور وانتخاب رئيس للجمهورية الذي هو «كخيط السبحة فإذا لم يكن فرطت كل السبحة أما الحكومة فهناك اصول دستورية لتشكيلها».
ورد النائب محمد رعد بمداخلة شديدة اللهجة انتقد فيها التطبيق الانتقائي للدستور، وقال «نحن مستعدون للتفاهم على رئيس الجمهورية فتفضلوا لنتفاهم».
وسأل «هل تريدون بلداً أم تريدون رئيساً في جيبتكم؟»
ورد السنيورة بالقول لقد طرحنا مرشحنا وهو النائب فرنجية، وما زال مرشحنا، فاذا كانت لديكم أفكار جديدة اطرحوها، واذا لم يكن هناك اتفاق على المرشحين (الاثنين) فلنتفق على مرشح ثالث اذا كان هذا ينقذ البلد».
النقاش المشتت انتقل الى موضوع مجلس الشيوخ، وكان هناك تبادل لوجهات النظر حول كيفية ازالة المخاوف لدى بعض الطوائف من اقصائها عن اللعبة السياسية، وبالتالي عن السلطة، من خلال مجلس الشيوخ يمكن ان يسهل الاتفاق على قانون انتخاب».

ـ جنبلاط: مش ظابطة ـ

وكانت مداخلة للنائب وليد جنبلاط «اود ان اقول ان دولة الرئيس بري يسعى الى دوحة لبنانية، ولكن مع الاسف «مش ظابطة» حتى الآن لان هناك ظروفاً اقليمية غير مساعدة، ولكن يمكننا من خلال الحوار الحد من الاضرار بالاتفاق على امور منها مثلاً اعادة فتح مجلس النواب، والانصراف الى معالجة العديد من القضايا والملفات التي يحتاجها البلد والناس».
وتدخل بري سائلا «اين نذهب، والحال هذه، بالبلد ونحن امام هذا الوضع الخطير؟»، مشدداً «على اننا نحتاج الى اتفاق اكان سلة او غير سلة، واقول دائماً انه يبدأ برئيس الجمهورية».
وسأل «هل انتم مستعدون للذهاب الى الانتخابات من دون قانون جديد، فاذا اتفقنا على قانون انتخابات تجري الامور؟ بصراحة البحر من امامكم والعدو من ورائكم، والفشل هو فشل الجميع وليس فشل طرف دون اخر». وأشار الى «ان كل واحد لديه وجهة نظر ويرى انه على حق، حتى اذا ما بقينا على هذا المنوال فان البلد مهدد بمزيد من الانحدار والانهيار والفراغ».

ـ الجميل والجريمة الكبرى ـ

واكد النائب سامي الجميل على وجوب «ان نحدد نهاية لأي شيء لا ان نبقى ندور في حلقة مفرغة»، معتبراً «ان الذهاب الى الانتخابات النيابية بالقانون الحالي (قانون 1960 معدلاً بقانون 2008) جريمة كبرى.
وكان لافتاً ان رئىس حزب الكتائب الى انه اذا ما تأمن النصاب يمكن ان تكون الاكثرية لعون، في حين ان الأخير يشدد على التوافق المسبق، ولطالما ابدى حذره من سيناريوات تعد في الغرف المقفلة.
وأعلن بري انه سيسعى الى ضخ المزيد من الافكار، وانه سيحاول اجتراح الحلول والمخارج، لافتاً الى «انه عندما يكون هناك قانون للانتخاب عموده الفقري النسبية تأتي الانتخابات بنواب جدد وبمجلس جديد ونذهب فوراً لانتخاب رئيس للجمهورية».
مع الاشارة هنا الى ان اقتراح القانون الذي تقدم به العضو في كتلة التنمية والتحرير النائب علي بزي يلحظ انتخاب نصف اعضاء المجلس النيابي على اساس النظام الاكثري والنصف الآخر على اساس النظام النسبي، اي من دون وجود عمود فقري للقانون.ودعا رئىس المجلس الى «ان نتحمل مسؤولياتنا، فالظروف خطيرة ودقيقة»

ـ ميقاتي: موعد الحصاد ـ

وابدى الرئىس نجيب ميقاتي اعتقاده بأن موعد الحصــاد لـم يحن بعد.
واذ شدد الجميل على النزول الى ساحة النجمة لحضور الجلسة 44 لانتخاب رئيس الجمهورية في 8 آب الجاري. قال بري «هذه الام اربعة واربعين سامة، واود ان اقول ان علينا جميعاً التعاون للتفاهم والحل».
وفي مداخلة وزير الخارجية جبران باسيل ان التيار الوطني الحر لن يقبل بقانون انتخاب الا بمعيار واحد.
خلاصة جلسة الامس قد تكون كيفية حفظ ماء الوجه بأي اختراق، ولو كان اتفاق ـ اطار حول قانون الانتخاب بعدما بدا ان عبارة رئىس الحزب التقدمي الاشتراكي «مش ظابطة» تختزل المشهد برمته وهو الذي قنواته مفتوحة مع الحريري كما عون، ومع السيد حسن نصرالله والدكتور سمير جعجع.
الاهم جنبلاطياً، القنوات المفتوحة على الرياض، وعلى فرنسا، وربما على واشنطن ايضاً. الظروف لم تنضج، وما على القوى السياسية سوى التفاهم، ولو بالحد الأدنى، من أجل ادارة الأزمة والاهتمام بالشؤون الداخلية وباحتياجات الناس...
رئاسة الجمهورية في عالم الغيب، ربما قانون الانتخاب أيضاً، طرح مجلس الشيوخ لصرف الانظار عن المشكلة الحقيقية، اما اللامركزية الادارية فتطرح الكثير من الاسئلة في الوقت الحاضر، هل هي المدخل الى الفديرالية او الكونفديرالية.
نتاج اليوم الاول صفر. بري يكافح لكي لا يكون تتابع الأيام الثلاثة ثلاثة اصفار!