طوت ثلاثية حوار عين التينة أولى خلواتها مخلّفة وراءها معطيات وانطباعات تؤكد بقاء الفريق المعطّل للانتخابات الرئاسية على موقفه الاستئثاري الممانع لإنجاز الاستحقاق والرافض للاحتكام لقواعد اللعبة الديموقراطية البرلمانية، مغرقاً الجمهورية في «طبخة بحص» رئاسية فرضت حالها مراوحة على مائدة الحوار وقوّضت الأمل في إنضاج أي تسوية وطنية وشيكة ترتكز إلى الدستور ونصوصه الناظمة لعملية انتخاب الرئيس. وأمام حالة العقم المستحكمة بالملف الرئاسي، برز تكوّن ملامح مبادرة ما يتم العمل على «تلقيحها» سياسياً بين المتحاورين بشكل يزخّم مخاض استيلاد قانون جديد للانتخابات النيابية المقبلة تفادياً لخوضها مجدداً على أساس «قانون الدوحة» ساري المفعول وهو ما نبّه إليه صراحةً رئيس مجلس النواب نبيه بري خلال جولة حوار الأمس، في ظل ما تبيّن من انسداد في الأفق الرئاسي وفق ما عبّر رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط بقوله: «الرئاسة غير ناضجة فلنبحث إذاً عن خرق في مكان آخر» مع تشديده على أنها ربما تكون «الفرصة الأخيرة» التي يمكن أن يقدّمها بري لحل الأزمة السياسية القائمة.

وبحسب مصادر المتحاورين لـ»المستقبل»، فإنّ الجولة الحوارية الأولى استهلها رئيس المجلس النيابي بالإعراب عن استشعار وطني بالخطر الكبير المحدق بالبلد داخلياً وخارجياً وبالتشديد على كونها «إحدى الفرص الأخيرة النادرة» أمام الدولة برمتها، داعياً إلى التعامل مع جلسات الحوار الراهنة بوصفها «دوحة لبنانية» للخروج منها باتفاق «مهما كان سيئاً إلا أنه يبقى أفضل من الحال التي وصلنا إليها في هذه المرحلة الدقيقة والخطيرة». 

وإذ خرج المتحاورون بموقف جامع يؤكد على الالتزام بالطائف ومرتكزاته الدستورية، برز في سياق البحث الرئاسي على طاولة الحوار نقاش لافت للانتباه بين رئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية ورئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد تطرق إلى نهج الاستنسابية الذي يعتمده «حزب الله» إزاء الحلفاء في الملف الرئاسي. وفي التفاصيل أنه حين حاول رعد تبرير سياسة تعطيل النصاب القانوني اللازم لانتخاب رئيس الجمهورية باعتبارها «حقاً دستورياً»، ذكّره رئيس كتلة «المستقبل» الرئيس فؤاد السنيورة بأنّ المرشحين الحاليين للرئاسة (النائبين ميشال عون وفرنجية) هما من 8 آذار وبأنّ الكتلة كانت تدعم بدايةً مرشح 14 آذار رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع لكنها عندما تيقنت من استحالة انتخابه أقدمت على دعم مرشح من 8 آذار وهو النائب فرنجية «من قلبنا وربنا» بحسب تعبير السنيورة الذي دعا إزاء ذلك «حزب الله» إلى النزول إلى مجلس النواب وانتخاب أي من المرشحين وليفز من يفوز منهما. فرد رعد قائلاً: «ونحن مع سليمان بيك «من قلبنا وربنا» لكننا ملتزمون بالوفاء للجنرال عون». عندها علّق فرنجية بالقول لرعد: «يا حاج محمد السيد حسن نصرالله سبق أن قال نحن أوفياء لحلفائنا «في الدنيا والآخرة» لكن على ما يبدو أنّ «الدنيا« هي من نصيب غيرنا أما «الآخرة» فهي من نصيبنا!» فما كان من رعد إلا أن أجاب: «لا تستخف بالآخرة يا بيك». أما الوزير بطرس حرب فتوجّه إلى رئيس كتلة «حزب الله» بالقول: «نحن لا نقول إما أن تأتوا بفلان رئيساً أو لا نقبل بانتخاب رئيس، سليمان فرنجية ليس «زلمة حدا« وليس «زلمتنا« هو من فريقكم أما أنتم فتقولون إما ميشال عون أو لا أحد وهذا كلام نرفضه».

قانون الانتخاب

وأمام المراوحة الحاصلة في المواقف الرئاسية، طغى على ساحة النقاش بين المتحاورين ملف قانون الانتخابات النيابية. إذ وفي مقابل التزام ممثل عون على طاولة الحوار الوزير جبران باسيل الصمت الرئاسي التام برز تشديده على أن القانون النيابي الجديد «يجب أن يكون له معيار واحد أو لا يكون». في حين لفت السنيورة إلى أنه لا يرى «مكاناً للاختراق (في ملف قانون الانتخاب) إلا بمجلس الشيوخ الذي يحل مشكلة وجود الطوائف ودورها ومسألة الحرب والسلم»، وكذلك أشار رئيس «الحزب الديمقراطي اللبناني» النائب طلال أرسلان إلى أنه «إذا كان هناك توافق على تشكيل مجلس الشيوخ والعمل على البحث في قانون الانتخاب نكون حققنا خرقاً في جدار السلبية»، بينما ذكّر رئيس حزب «الكتائب اللبنانية» النائب سامي الجميل بمشروع اللامركزية الإدارية منوهاً بأنه خلال عهد الرئيس ميشال سليمان تم تشكيل لجنة لدراسة المشروع وأنجزت الدراسة لكن الحكومة لم تتبنها بسبب ضيق الوقت، معتبراً أنّ هذا الاقتراح هو الأقرب إلى المنطق. 

وبعد نقاش مستفيض في القانون الانتخابي العتيد وماهيته لا سيما وسط بروز توافق عدد من المتحاورين على أهمية نظام «one man one vote»، لفت بري الانتباه إلى الحاجة الماسة لاغتنام المتحاورين فرصة التوافق طالما أنها سانحة قائلاً: «لدينا 3 أشهر وبعدها لا يعود من حاجة إلى الحوار لأننا نقترب من الانتخابات النيابية، وإذا لم نتفق على قانون جديد سنذهب إلى الانتخابات على أساس «قانون الدوحة» ولا مجال للتمديد»، وأضاف في معرض تشديده على الأولوية الرئاسية: «أي اتفاق يجب أن يبدأ بانتخاب رئيس، ولكن إذا لم نتفق فلنذهب إلى الانتخابات النيابية الآن ويلتزم كل الأفرقاء بالنزول إلى المجلس لانتخاب رئيس« فور انتهاء الاستحقاق النيابي. وفي ختام جلسة الأمس اختصر النائب علي فياض نتائج الجولة الحوارية الأولى بالإشارة إلى أنّ «النقطة الأساس هي الدفع باتجاه إحداث خرق في ما يتعلق بقانون الانتخابات«، ملمّحاً إلى إمكانية أن يطرح بري خلال جلستي الحوار اليوم وغداً «أفكاراً جديدة» في هذا الاتجاه.