تأكدت طهران، أن «الحال لا تبقى على حالها«، مهما طالت مدّتها. الآن، يقف في وجهها، خصم عربي حازم ومندفع ومصمّم، بعيداً عن اقتداره، هو السعودية. طوال أربع سنوات، صالت إيران وجالت على مساحة العالم العربي، باسم «الوحدة الإسلامية». وحمل الجنرال قاسم سليماني العلم الإيراني، وزرعه في سوريا والعراق ولبنان واليمن، وقبل ذلك في غزة. في قمّة المفاوضات النووية التي كانت عملياً أميركية إيرانية، كانت تُسمِّع الوفد الأميركي «طبول» الحرب على مساحة المنطقة، وتطلب منه الكثير. كانت تعلم أن «الاوبامية» ضدّ المواجهة والحروب، لذلك يمكنها أن تنتشر وتتحكّم وتطالب.
«عاصفة الحزم» في اليمن، دقّت جرس الإنذار بأن المنطقة لم تعد مساحة مفتوحة أمام إيران، مهما بلغت الكلفة. متى وجدت الإرادة والسياسة، يمكن أن يتعلم المصمّم على المواجهة، الحرب من الحرب. هذا ما يحصل في اليمن وفي مواقع أخرى. أمام هذا التحوّل، لم يكن أمام إيران، سوى أن تعيد حساباتها وهي تفعل.
بعيداً عن الصراعات الداخلية بين القوى المتناحرة داخل السلطة في إيران، والتي تتركز على رئاسة الجمهورية، رغم أنه ما زال أمام انتخاباتها عشرة أشهر، وذلك لأنها من أهم المواقع التي يمكن توجيه «الرسائل» منها إلى الداخل والخارج على السواء، (وهذه لها حديث أوسع)، فإنه يتم إعادة تشكيل السياسة الإيرانية بما يؤمّن مواجهة:
[ سياسة الحزم السعودية ومعها دول التحالف العربي والإسلامي.
[ تصاعد ونمو حركات المعارضة الإيرانية في الداخل. طبعاً لا تحسب طهران حساباً لتنظيم «مجاهدي خلق»، فهو لا يقلقها، خصوصاً وأنه مكروه شعبياً، بسبب انخراطه في الحرب ضدّ بلاده إلى جانب العراق. الأهم والأخطر، نمو العمليات المسلحة في كل من منطقتي كردستان وبلوشيستان الإيرانيتين. يومياً تقع مواجهات مسلحة، يعلن عن بعضها ويتم التكتم عن بعضها الآخر. يكفي أن عملية ضخمة فشلت في اللحظات الاخيرة، كانت تقضي بعد حفر نفق بعمق 20 متراً وطول 40 متراً، بضرب وتدمير موقعين أحدهما عسكري والآخر أمني، وأن «شعلة» مجهولة أحرقت مقرّين بتروكيميائيين في أسبوعين الخ..
[ التأكد أن الولايات المتحدة الأميركية ليست مستعدة رغم كل ما قيل لتسليم إيران «زعامة» المنطقة، لا بل انها ستتابع وضع القيود والحواجز أمامها لتقدم «الثمن» المطلوب منها وهو كما يبدو مرتفع جداً.
المرشد آية الله علي خامنئي عمل على «اصطياد ثلاثة عصافير بحجر واحد». خطب في وفد يمثّل مختلف المحافظات ليعلن «ان مثل هذا الوفد يثبت أن الشعب الإيراني يد واحدة رغم الفوارق اللغوية والقومية والمذهبية»، وذلك ردّاً على ما يُقال عن ظواهر من التمرد والرفض وحتى المواجهات المسلحة في ثلاث مناطق قومية ومذهبية هي: خوزستان العربية وكردستان وبلوشيستان. في الخطاب نفسه أكد بثبات ان الولايات المتحدة الأميركية «عدو وتنقض العهد ولا يمكن الوثوق بكلامها حتى من قِبَل الذين فاوضوها«، أي الرئيس حسن روحاني وجواد ظريف. الدليل أن واشنطن لم ترفع العقوبات عن إيران، مما فرض استمرار الأزمة الاقتصادية التي بدأ الشعب الإيراني يتعب منها ويفقد آماله من نتائج الاتفاق النووي. أخيراً وهو المهم، أن واشنطن تريد التفاوض مع طهران حول أزمات المنطقة. استمرار القيود والعقوبات هو لكي تفاوض إيران من موقع ضعف وليس قوة. ولذلك عملية «العض على الأصابع مستمرة»، علماً أن الألم الإيراني أكبر بكثير من الألم الأميركي.
أمام هذا الوضع المقفل، تعمل إيران على إعادة تشكيل علاقاتها على وقع استمرار العداء مع السعودية وباقي أعضاء الحلف العربي والإسلامي. عملية إعادة التشكيل تتم على ثلاث «جبهات»، هي:
[ روسيا. وقد أعلن محمود واعظي وزير الاتصالات من موسكو أن «إيران مستعدة لتطوير علاقات شاملة وغير محدودة مع روسيا». سوريا في قلب هذه السياسة إلى جانب التعاون الاقتصادي الضخم.
[ تركيا. تكثر طهران من تذكير أنقرة بأنها «وقفت من اللحظة الأولى للانقلاب العسكري مع الرئيس اردوغان وأن بقاء الخلافات حول بعض القضايا لا يؤدي إلى تجاهل المشتركات القائمة بينهما«. علي ولايتي المستشار الأول للشؤون الخارجية للمرشد قال أيضاً: «تركيا وإيران دولتان مهمتان بين الدول الإسلامية وقادرتان على تولي دور حيوي في مستقبل العالم الإسلامي».
[ باكستان أرسلت مستشار الأمن القومي ناصر خان جنجوعة إلى طهران حيث التقى مختلف المسؤولين فيها. أهم من التصاريح الروتينية ما أشارت إليه طهران في تعليق رسمي بقولها: «هذه الزيارة واللقاءات تعني عودة الجغرافيا السياسية لتكون السبب في نسج علاقات سياسية وأمنية قوية». من دون التعاون الأمني مع باكستان لا يمكن لطهران مواجهة الحركات البلوشستية المسلحة وضربها.
عملية إعادة تشكيل السياسة الخارجية الإيرانية في ظلّ التحوّلات تجمع بين العسكر والأمن والديبلوماسية. من الطبيعي أن تكون سياسة «الحزم» جامعة ومتحرّكة بذات الوزن والقوة!
المستقبل : أسعد حيدر