تخفي إيران قلقا حقيقيا من مغبّة تصاعد الهجمات العسكرية التي تقوم بها فصائل كردية مسلّحة والتي تستهدف قوات الحرس الثوري في المناطق الشمالية الغربية من البلاد. ورغم أن التصريحات الإيرانية تعتبر الأمر تعاملا روتينيا مع “هجمات إرهابية تستهدف الجمهورية الإسلامية” حسب الخطاب الرسمي المعتمد، إلا أن مصدر القلق الإيراني مردّه هذه المرة أن الحراك الكردي الجديد يبدو جماعيا يطال مجموعات وفصائل كردية مختلفة من جهة، ويأتي متأثرا بمزاج دولي تتفق فيه موسكو وواشنطن على دعم الأكراد في المنطقة.
وشكلت المواجهة التي تقوم بها القوات الكردية في العراق وسوريا ضد تنظيم داعش مناسبة تاريخية لاقتراب الدول الكبرى من “القضية الكردية”.

يبدو ذلك جليا من خلال التحالف الذي تقيمه الولايات المتحدة مع إقليم كردستان العراق والذي توّج مؤخرا بسلسلة اتفاقات عسكرية عشية معركة الموصل، فيما تعوّل إدارة أوباما على قوات سوريا الديمقراطية ذات الغالبية الكردية لتحقيق إنجازات ضد داعش في منبج والرقة.

وبدا الحراك العسكري الكردي في إيران متأثرا بالسقوف العالية التي بدأت ترتفع في العراق وسوريا، كما في تركيا، والتي تشكل فرصة لإعادة نقاش الطموحات الكردية التاريخية في إقامة دولتهم المستقلة.

ويصل البعض من التحليلات إلى درجة استشراف منافسة شديدة ستجري بين الفصائل الكردية في إيران بعد إلحاق الهزيمة بداعش للهيمنة على المناطق الكردية في إيران، فيما تجهد طهران في استخدام نفوذها في العراق وفي كردستان العراق لمنع الجماعات العسكرية الكردية من الاستفادة من القواعد الخلفية التي تنطلق منها لتنفيذ عملياتها في إيران.

ويلفت متخصصون في الشؤون الكردية إلى أن الأكراد في أي مكان يعتبرون داعش عدوا مشتركا، وهم بالتالي “أي الأكراد” مشاركون في الأعمال الحربية ضد التنظيم الإرهابي بشكل جماعي.

وتفيد المعلومات أن قوات كردية تابعة لحزب العمال الكردستاني في تركيا تقاتل في سوريا، فيما قوات كردية قادمة من إيران تقاتل في سوريا والعراق.

الأحزاب الكردية الإيرانية المسلحة
◄ الحزب الديمقراطي الكردستاني
◄ حزب الحياة الحرة "بيجاك"

◄ حزب الحرية الكردستاني

وتتحدث أوساط عسكرية غربية عن أن تجربة القتال التي يمارسها أكراد إيران ضد داعش منحتهم صلابة ومراسا وخبرة عسكرية بدأت تؤتي ثمارها في الهجمات التي يشنونها أيضا ضد أهداف عسكرية تابعة للحرس الثوري في إيران.

ويتحرك الأكراد في إيران معتمدين على قاعدة شعبية تبلغ 6 ملايين نسمة، لكن معظم العمليات تجري في مناطق جبلية على الحدود بين تركيا والعراق، بما يمكّن سلطات طهران من استخدام علاقاتها مع تركيا ومع حكومتي العراق وكردستان للحدّ من حرية تحرّك وتسلح المقاتلين الأكراد في إيران.

وتدرك طهران أن قرار الأكراد استئناف العمل العسكري في إيران قد لا يكون قرارا فصائليا فقط، بقدر ما هو قرار مركزي قد لا تكون قيادة حزب العمال الكردستاني المتمركزة في جبال قنديل في شمال كردستان العراق بعيدة عنه.

لكن اللافت في أمر الحراك الكردي الجديد أن حزبا عريقا مثل الحزب الديمقراطي الكردستاني في إيران قد انضم إلى خيار القتال العسكري معلقا بذلك قراره في عام 1996 بوقف العمل المسلح ووقف إطلاق النار.

ولفت المراقبون إلى أن الحزب الذي أسس قبل 70 عاما للدفاع عن استقلال الأكراد المستلهم من جمهورية مهاباد قصيرة العمر، اتخذ قرار الحرب بناء على معطيات جديدة يراها مؤاتية لإعادة فتح الملف الكردي في إيران.

ومعروف أن الحزب كان على علاقة تحالف مع الحزب الديمقراطي الكردي في العراق، ما مكنه من الاستفادة من إقامة عناصره في إقليم كردستان بعد قيامه عام 1991.

ويلتحق بالحزب العريق الـ”بيجاك”، “حزب الحياة الحرة” وهو الفرع الإيراني لحزب العمال الكردستاني. وقد أسس عام 2004 ولم يعلن عن أي هدنة مع النظام الإيراني مذاك ولم يتوقف عن القيام بعمليات عسكرية مستمرة ولو بشكل

موسمي متقطع ضد قوات الحرس الثوري وينشط في هذا الإطار أيضا حزب الحرية الكردستاني.

وتعمل إيران على عزل الحراك الكردي عن حراك الأقليات الأخرى الناشطة من أهوازيين وبلوش وآذاريين، ذلك أن قضية القوميات متعددة ومعقّدة في إيران، بحيث أن التسامح مع المطالب الكردية سيفتح الباب واسعا أمام مطالب القوميات الأخرى.

ولا تتردد الأدبيات الإيرانية الرسمية في اعتبار حراك القوميات مؤامرة دولية ضد “الثورة” في إيران، ما يعرّض الناشطين إلى اتهامات بالخيانة العظمى يّرد عليها بأقصى العقوبات تصل إلى حد الإعدام.

وتمثل مسألة مواجهة الحراك الكردي قاسما مشتركا لطالما عبر عنه مسؤولو النظامين في تركيا وإيران. وقد صدر عن آخر زيارة قام بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى طهران بعد لقائه نظيره الإيراني حسن روحاني، رفض مشترك لاقتراح روسيا بإقامة حكم فيدرالي في سوريا، لما لذلك من تلميح إلى إقامة كيان كردي شمال البلاد شبيه بذلك الكيان في شمال العراق.

وتوصف حال التعاون بين أنقرة وطهران في مسألة التعاطي مع الأخطار الكردية بأنها في أقصى درجاتها الإيجابية رغم خلاف البلدين وتنافر أجندتيهما في سوريا والعراق.

صحيفة العرب