على وقعِ عودة التصعيد بين تيار «المستقبل» و«حزب الله»، على خلفية الكلام الأخير للأمين العام للحزب السيّد حسن نصرالله الذي سيتحدّث مجدّداً في 13 الجاري في «يوم الانتصار» من بنت جبيل، ينطلق الحوار الوطني بين قادة الكتل النيابية اليوم، على مدى ثلاثة أيام في عين التينة، والنتائج المتوقّعة منه، حسبما يقول راعيه ومديره رئيس مجلس النواب نبيه برّي، «تُراوح بين صفر في المئة ومئة في المئة». لكنّ برّي لا يَعتبر هذا الحوار فرصةً أخيرة، بل فرصة مهمّة ينبغي اقتناصها إذا تَحمّلَ أطراف الحوار مسؤوليّاتهم الكاملة للوصول إلى الحلول الشاملة المرجوّة على طريقة مؤتمر الدوحة عام 2008.
يترقّب الجميع ما ستؤول إليه جلسات الحوار الثلاثية اليوم وغداً وبعد غد، والتي ستناقش «السلّة الشاملة» أو ما اصطُلح على تسميته «الدوحة اللبنانية» والمتضمّنة: انتخاب رئيس جمهورية والاتفاق على الحكومة رئيساً وتركيبةً وبياناً وزارياً وإقرار قانون انتخاب جديد وإجراء الانتخابات النيابية مبكرةً أو في موعدها، على أن تُجرى على اساس قانون الستّين إذا أخفقت محاولات الاتفاق على قانون جديد.

مصادر عين التينة

وقالت مصادر عين التينة لـ«الجمهورية» إنّ مسار النقاشات على طاولة الحوار غير واضح، مشيرةً الى انّ بري سيفتتح النقاش في كلّ الاتجاهات، في محاولة منه لتحقيق اختراق انطلاقاً من قانون الانتخاب، في اعتبار انّه يمكن ان يشكّل مدخلاً للحلّ.

ولفتَت الى ان «لا برنامج محدداً للخلوة الحوارية، وإلى انّ اليوم الاوّل سيحدّد مصير الجلسات التالية، علماً انّ برّي أراد من الثلاثية الحوارية المكثّفة ان تعطي فرصة محلية في التوصل الى حل، وإلّا سيكون الافرقاء السياسيون قد ذهبوا بأنفسهم الى تسليم مصيرهم للرياح الخارجية».

مصادر متابعة

وقالت مصادر متابعة للاتصالات التي سَبقت جلسات الحوار لـ»الجمهورية» إنّ بري اكّد في كل اللقاءات الاخيرة التي عَقدها إصرارَه على إحداث اختراق، وأبلغَ الى المعنيين ان لعلّ ما يقوم به هو محاولة اخيرة لإنجاز تسوية محلية، وقد أراد مِن خلال اللقاءات المعلنة وغير المعلنة والاتصالات تصويبَ الاهداف للدخول الى الجلسة الاولى أقلّه برؤية واضحة، على اساسها يتمّ النقاش حتى لو لم يصل الى توحيد الاهداف، وسيَضع المتحاورين أمام خيارين: إمّا ان يكون الحلّ من الأسفل الى الأعلى أو من الأعلى الى الأسفل، اي إمّا السلة الكاملة أو قانون انتخاب».

وعلمت «الجمهورية» انّ بري سيَرصد أجواء الجلسة الاولى لتحديد مصير الجلسات الاخرى، فإذا لم يتلمّس نيّات صادقة وجدّية في التوصل الى حل للأزمة أو أقلّه الاتفاق على نقطة من النقاط الخلافية، فسيتّجه إلى تقليص عدد الجلسات الحوارية، لأنّ فتح طاولة الحوار امام العراضات والمواقف المعروفة سيؤدي الى تضييع الوقت والهدف.

برّي

ورأى بري أنّ أمام المتحاورين بما يمثّلون من قوى سياسية أساسية فرصة للتوصّل الى الحل الشامل، لأنّ الوضع البيئي والمالي والاقتصادي والسياسي وحتى الأمني بات لا يتحمّل استمرار التعطيل القائم في مؤسسات الدولة، فلا رئيس جمهورية موجود، ولا الحكومة تستطيع ان تعيّن حاجباً وليس موظفاً في أيّ إدارة، واللجان النيابية بدأت تتعطّل جلساتها، خصوصاً مع دخول البلاد في حوار الانتخابات النيابية».

وأضاف: «أمّا الوضع الاقليمي فينتظر ان تكون له تداعياته الكبيرة على لبنان والمنطقة بعدما حصَل في تركيا وما يجري الآن من تحضير لمعركة حلب، ناهيك بالأزمات الاخرى في العراق واليمن والبحرين وغيره، وكلّ هذه المعطيات يصادف انّها تطرح نفسَها بقوة قبل انتخابات الرئاسة الاميركية مطلعَ تشرين الثاني المقبل، فإذا لم نتّفق على حلّ ونبدأ تنفيذه بانتخاب رئيس جمهورية فإنّه سيكون علينا الانتظار ستّة أشهر بدءاً من انتخاب الرئيس الاميركي الجديد وانصرافه الى تكوين إدارته، ما سيستغرق إنجازه حتى صيف 2017». (راجع صفحة 4)

سلام

وقالت مصادر رئيس الحكومة تمام سلام، العائد من زيارة عائلية في الخارج، لـ«الجمهورية» إنّه سيشارك الى جانب جميع المدعوّين الى طاولة الحوار في اجتماعاتها المفتوحة اليوم، بروح منفتحة، مع الاستعداد لمناقشة كلّ ما هو مطروح»، ونَقلت عن سلام تشديدَه على أهمية «أن تُجري هذه الجلسات مقاربة جديدة تنتهي الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية، فتقفل نصفَ المشكلات التي نعاني منها اليوم».

الحريري

وعشية انعقاد جلسات الحوار الوطني، ترَأس الرئيس سعد الحريري عصر أمس في «بيت الوسط» اجتماعاً لكتلة «المستقبل» النيابية، في حضور الرئيس فؤاد السنيورة وأعضاء الكتلة، وتناوَل البحث الأوضاع العامة.

ولاحقاً التقى الحريري رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط يرافقه وزير الصحة وائل أبو فاعور، في حضور النائب السابق غطاس خوري، وجرى عرض للأوضاع العامة وآخَر التطورات، وذلك في ضوء زيارة الحريري لبرّي أمس الأوّل.

حرب

وقال الوزير بطرس حرب لـ«الجمهورية»: «نحن لا نأمل من الحوار شيئاً، ولا أرى أنّ هناك مستجدّات أو اجواء تبشّر بحصول خرقٍ ما في الحلقة المفرَغة التي نَدور فيها. نحن نشارك في الحوار، ونتمنّى ان يكون تحليلنا مخطئاً ونأمل في ان يصدر شيء إيجابي، إلّا انّ هذا لا يعني انّنا سنوهِم أنفسَنا أو نوهم الناس بأنّ هناك شيئاً تغيّر، فالمواقف لا تزال على حالها، ولا تغييرات تسمح بالتبشير بالخير».

مجدلاني

وقال عضو الكتلة النائب عاطف مجدلاني لـ«الجمهورية»: «نحن ذاهبون الى الحوار بروح إيجابية وانفتاح، ومصِرّون على الاعتدال في المواقف، ونتمنّى ان يلاقيَنا الفريق الآخر بالروحية نفسها، الأمر الذي يخلق ظروفاً إيجابية للجميع». وشدّد على أولوية انتخاب رئيس جمهورية ومن ثمّ مناقشة قانون الانتخابات النيابية. وأكّد التمسك بالقانون المختلط الذي قدّمه «المستقبل» و»القوات اللبنانية» و»الحزب التقدمي الاشتراكي».

عيد الجيش

وعلى المقلب الآخر، احتفلَ لبنان الرسمي والشعبي أمس بالعيد الـ71 للجيش الذي حلّ هذا العام في غياب رئيس الجمهورية للمرّة الثالثة على التوالي، فأُلغيَ الاحتفال بتقليد السيوف للضبّاط المتخرّجين، فيما تصاعدَت الدعوات إلى تحصين الجيش وعدم زَجّه في المحاور السياسية، والوقوف معه في مواجهة الإرهاب، وتوالت الإشادات بدوره في حفظ الأمن والاستقرار في لبنان.

وأكّد الحريري «أنّنا جميعاً ظهيرُ للجيش في مواجهة الارهاب والتطرّف ومشاريع الخروج عن الدولة والقانون وحماية السِلم الأهلي». وشدّد على «مبدأ حصرية السلاح في يد الجيش». وقال: «إنّ الدعوة الى حصرية السلاح بيَد الجيش والمؤسسات الشرعية ستبقى العنوانَ الأساس لقوّة الدولة في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية».

«أمر اليوم»

وجدّد قائد الجيش العماد جان قهوجي قسَم الدفاع عن لبنان، وحماية حدوده وثرواته. وتوجّه في «أمر اليوم» إلى العسكريين قائلاً: «لقد حميتم وما زلتم تحمون لبنان، لبنان صيغة العيش المشترك التي أرسى دعائمها اتفاق الطائف، وحافظتم على سيادة الوطن ومكانته الإقليمية والدولية، بوجودكم وثباتكم على الحدود الجنوبية في مواجهة العدو الإسرائيلي الطامع بأرضنا وثرواتنا النفطية والتزامكم الكامل تنفيذ القرار 1701 ومندرجاته بالتعاون والتنسيق مع القوات الدولية».

وأضاف: «مع اقتناعنا بأنّ المواجهة الفاعلة للإرهاب الذي بات خطراً عالمياً شاملاً يهدّد عادات وثقافات الشعوب كلها، ويستخدم في أعماله الوحشية مختلف الوسائل والأساليب الإجرامية، إنّما تتطلب استراتيجية شاملة، تأخذ في الاعتبار تنسيقَ الجهود الأمنية الدولية، ونشرَ الوعي الثقافي بين سائر الشعوب، ومعالجة القضايا الاجتماعية والاقتصادية الشائكة، إلّا أنّ الجهد الأمني الوطني يبقى أساسياً في تلك المواجهة، وهذا ما أثبتُّموه وأعطيتم فيه المثال. واعلموا أنّنا لن نألوَ جهداً في سبيل تأمين العتاد والسلاح الذي يليق بتضحياتكم، وإرادتكم الصلبة في مواصلة الحرب على الإرهاب».

ودعا قهوجي العسكريين الى «ان يكونوا دائماً على قدر آمال اللبنانيين، ساهرين على استقرارهم وحرّياتهم، ومستعدّين لأيّ استحقاق آخر».

وأكّد البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، خلال ترؤسِه قدّاساً في بكركي بمناسبة عيد الجيش، في حضور قهوجي، «أنّنا نحتفل بالعيد بغصّة في النفس والقلب، فيما يُلغى احتفال تقليد السيوف للضبّاط الجُدد المتخرّجين هذه السنة، وهي المرة الثالثة على التوالي، بسبب شغور سدّة الرئاسة منذ سنتين وثلاثة أشهر، فالرئيس هو القائد الأعلى للقوات المسلّحة».

وسأل: «هل تشعر الكتل السياسية والنيابية، والذين يعطّلون انتخاب الرئيس بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، بهذه المرارة، وبخطورة هذا الانتهاك السافر والفادح لواجب المجلس النيابي في انتخاب رئيس للبلاد بحكم الدستور؟». ووجّه الراعي نداءً إلى الشباب اللبناني، «لكي ينخرطوا في مؤسسة الجيش من أجل لبنان. فعلى رغم كلّ المخاطر والتهديدات، يبقى لبنان صاحب مستقبل زاهر، ما يقتضي حمايته وتولّي شؤونه والتضحية في سبيله».

واشنطن

رئاسياً، تمنَّت الولايات المتحدة الاميركية ان يتّخذ اللبنانيون المبادرات في ما بينهم، معتبرةً انّ انتخاب رئيس للجمهورية هو امرٌ مهمّ جداً. وقد واصَلت سفيرتها في لبنان إليزابيت ريتشارد جولاتها على المسؤولين، فزارت الرئيس بري، ووزراء: العمل سجعان قزي، والتربية الياس بوصعب، والمال علي حسن خليل، وعرضَت مع العماد قهوجي الأوضاع العامة في لبنان والمنطقة، والمساعدات الأميركية المرتقبة للجيش اللبناني في المرحلة المقبلة.

وأكّد قزّي أنّ الولايات المتحدة «تؤيّد استمرارية الحكومة وضرورةَ تثبيتها وتفعيلها في انتظار انتخاب رئيس للجمهورية، خصوصاً أنّها المربّع الأخير للشرعية في لبنان». ونُقل عن السفيرة الاميركية تأكيدها أنّ بلادها «ترفض ان يتمّ توطين السوريين في لبنان، وهي تعمل على مساعدته لتحمّلِ العبء الحالي».

بروجردي

وإلى ذلك، أعلنَت إيران أنّها تولي عناية خاصة للبنان، مؤكّدةً انّ الرئاسة شأنٌ لبناني. وقال رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني الدكتور علاء الدين بروجردي إنّ سياسة بلاده الثابتة والدائمة «تقوم على مبدأ عدم التدخّل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، ومنها لبنان بطبيعة الحال.

وكلّ الاطراف التي لديها نظرة محايدة في معاينة الأمور، تدرك تماماً أنّ ايران غير معنيّة بتاتاً بشكل مباشَر بهذا الشأن».

لكنّ بروجردي استدرك قائلاً: «إنّه ونظراً لعلاقات الصداقة والأخوّة والمودّة التي تربطنا بلبنان الشقيق، إذا كان هناك مِن مساعٍ سياسية من شأنها أن تساعد على حَلحلة هذا الفراغ السياسي في لبنان، وإذا طلب هذا المسعى منّا، فنحن لن نتردّد في القيام به». وأبدى ثقته التامّة بأنّ «النخَب السياسية اللبنانية الواعية ستتمكّن في نهاية المطاف من إيجاد المخرج الملائم لهذا الفراغ الرئاسي».

وأكّد أنّ ايران «لم تكن يوماً من الأيام حجرَ عثرة أمام أيّ حلّ سياسي من الملفات السياسية التي ما زالت عالقة في لبنان، بل قامت بكل المساعي السياسية الحميدة والأخوية التي من شأنها أن تؤازر وتساعد الأخوة اللبنانيين للتوصل إلى الحلول التي يَنشدونها».