جلبة كثيرة دارت في الأيام الماضية بشأن خلوة «الحوار» الوطني التي ستنعقد ابتداءً من يوم غد، بدعوة من الرئيس نبيه بري. لكن كل المؤشرات تدل على أن النتائج لن تشكل مادة لتغيير المشهد السياسي العام، بصورة جذرية.
طرفا النزاع الرئيسيان لا يزال كل منهما على موقفه من الأزمات المطروحة، وخاصة انتخاب رئيس للجمهورية، وقانون الانتخابات النيابية. داعمو العماد ميشال عون لا يزالون متمسكين بترشحه إلى الرئاسة الأولى، فيما تيار المستقبل يتمسّك برفضه. وكذلك الأمر بالنسبة إلى قانون الانتخابات. باستثناء الوزير نهاد المشنوق وعدد ضئيل من النواب، يرفض تيار المستقبل قطعاً أي تعديل جذري في قانون الانتخابات النيابية، وخاصة إدخال نظام الاقتراع النسبي على القانون. فالتيار الأزرق يرى في النظام النسبي استهدافاً للمكتسبات التي حصل عليها بعد اتفاق الطائف، وهو ما عبّر عنه الرئيس فؤاد السنيورة أكثر من مرة، مباشرة أو مواربة.
لا يستمع رافضو النسبية إلى أصوات الذين نزلوا إلى الشارع أول من أمس، ونصبوا خيمهم في رياض الصلح، للمطالبة بالنظام الانتخابي الأكثر تمثيلاً والمعبّر بصورة دقيقة عن الأحجام الحقيقية للقوى السياسية. ينظر رافضو «النسبية» إلى القانون الأكثري بصفته يمنحهم قدرة على الأكل من صحون «الطوائف الأخرى»، و»حامياً لهم» من خطر انكشاف «حجمهم الطبيعي».
هذا في التفاصيل. أما في العام، فيتعقّد المشهد الإقليمي. «طوق حلب» فرض معطيات جديدة لمصلحة خصوم تيار المستقبل، ومن خلفه السعودية، في مقابل سعي جدي من قوى المعارضة، بفصائلها المختلفة، المصنف منها إرهابياً، والموصوف بـ»المعتدل»، جنباً الى جنب، لإعادة المشهد إلى ما كان عليه قبل انقلاب المشهد الحلبي. غبار المعارك في سوريا يتكثّف، ولا يبدو أنه لمصلحة السعوديين، مرحلياً على الأقل.
يستغرب الكتائب
عدم التشاور
حول جدول أعمال الخلوة
الأمور في اليمن تزداد تعقيداً. المفاوضات الكويتية تلفظ أنفاسها، والكلمة العليا للميدان. خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، وتصريحات المسؤولين السعوديين، تبدّد كل الأوهام بشأن انفراج قريب في لبنان. الانعكاس في بيروت يظهر جلياً في «زنقة» الرئيس سعد الحريري الذي لم تحل الرياض بعد مشكلاته المالية، ولا تلقى ضوءاً أخضر سعودياً بتقديم تنازل في لبنان. «وفي الأصل، لا يجد الرئيس الحريري من يحدّثه في الرياض، كون الملك سلمان وابنه محمد في إجازة خارج البلاد». وعندما اقترح الرئيس بري على الحريري «رفع مستوى تمثيل كتلة المستقبل في طاولة الحوار، عبر حضورك شخصياً»، رد بالقول: «وهل سيشارك السيد حسن نصرالله عن حزب الله؟ إذا حضر، فأشارك. أما إذا أبقى الحزب على مستوى التمثيل نفسه، فسيمثّلنا فؤاد» (السنيورة).
معظم القوى المشاركة في الحوار لا تتوقع نتائج كبيرة منه. لكن غالبيتها ترفض التصريح بذلك علناً. يشذّ عن هذه القاعدة حزب الكتائب الذي يستغرب «عدم التحضير مسبقاً للخلوة وعدم إجراء مشاورات حول المواضيع التي ستطرح عليها». فمن غير المعروف ماذا يتضمن جدول أعمال خلوة الحوار، «إذ كان يفترض أن يطّلع الحزب وغيره من المشاركين على جدول أعمالها، وهذا ما لم يحصل». ويعتبر الحزب «أن الطاولة هيئة تشاور فحسب وليست هيئة قرار» لذا فهو يؤيد الحوار والنقاش بدلاً من التقوقع، لكن القرارات تنفذ فقط عبر المؤسسات الشرعية. والكتائب، خلافاً لبعض القوى في 14 آذار، مع تطوير النظام الحالي، الذي أثبت فشله، إضافة الى عامل السلاح غير الشرعي. لكن تطوير النظام يتم من خلال المؤسسات واحترام الآليات الدستورية فقط».
أما عن السلة التي طرحها بري، فالكتائب ستحدد على طاولة الحوار الأولويات، «أي رئاسة الجمهورية أولاً، وقبل أي بحث آخر. فرئيس الجمهورية هو مفتاح كل البنود الأخرى من قانون الانتخاب وإجراء الانتخابات النيابية وتشكيل حكومة. لا شيء دستورياً قبل انتخاب رئيس للجمهورية، وكيف يمكن أن نفكر بقانون انتخاب ومن ثم إجراء انتخابات نيابية قبل انتخاب رئيس، فما الذي يضمن ألا يكرر المجلس الجديد الأزمة نفسها ولا ينتخب رئيساً للجمهورية؟ وأي بحث آخر من دون وجود رئيس للجمهورية أمر خطر جداً».