رفعت المؤسسة العسكرية هذه السنة شعاراً دالاً ومعبراً لمناسبة الذكرى الواحدة والسبعين لعيد الجيش في الأول من آب. شعارٌ يلخص قراراً استراتيجياً كبيراً بحجم التحديات والتطلعات والآمال؛ بحماية الوطن، كلّ الوطن، بجهاته الأربع ومناطقه كافة وأبنائه جميعاً من العدوان والارهاب والفوضى.


لكن العيد لا يخلو من غصّة، فالوطن ليس بخير: الاستقرار مهدد، والاقتصاد منهك، والحياة الدستورية معطلة، والشغور يتمدد، هكذا وللسنة الثالثة على التوالي يغيب احتفال العيد التقليدي المزين بالسيوف والنجوم، للأسباب المعروفة. لكن وبرغم هذا الفراغ يبقى الجيش الذي لا يعرف تعباً أو تخلفاً عن واجب، على الجبهتين الحدودية والداخلية، وهو الحاضر في كل القلوب والساحات.

وإذا كان من نافل القول أن استقامة الحياة الدستورية والسياسية شرط مهم لدعم الجيش في حربه على الارهاب، وتعزيز قدرته على التصدي، فالدعم لا يكون فقط بمواقف حماسية وكلام عاطفي، بل بإرادة جدية وصادقة لدى كل المكونات بأن المعركة تتهدد الجميع، وبأن مواجهتها مسؤولية الجميع أيضاً من دون احتكار للأسباب الموجبة أو للنتائج المتحققة.

لا يخفى أن الارهاب، بوجوهه المتعددة، قد راكم خبرات عالية مكنته من اختراق ساحات أهم الدول الأوروبية التي تمتلك أكبر المنظومات الأمنية وأكثرها تطوراً وحداثة، أما في لبنان، وبإمكانات متواضعة، لكن بعزيمة قوية وإرادة راسخة، حقق الجيش، كما الأجهزة الأمنية، نجاحات نوعية، وإنجازات مهمة، من دون ضجيج إعلامي. انتصارات تسمح للبنانيين جميعاً أن يفاخروا بأن أمن بلدهم، برغم التحديات الداخلية الكبيرة ولهيب الأزمة السورية وموجات الارهاب العابرة للحدود، هو في المعدلات المقبولة والمستقرة، إذ بفضل المواجهات والتضحيات التي حصلت، وبفضل الجهود الاستباقية للعمل الأمن المحترف، تمكن لبنان من تجنب مخاطر كبيرة، لعل أبرزها: ضبط وتوقيف عشرات الشبكات الارهابية، مراكمة الانتصارات في المعركة ضد الارهاب وملاحقة خلايا الفتنة وتجنب بحور الدم، منع الانزلاق إلى أتون الانقسام الداخلي على خلفية الموقف من الأزمة السورية وتداعياتها، قطع الطريق على كل محاولات ضرب الجيش أو النيل منه عبر تصنيفه طرفاً في الصراعات الداخلية، بشكل حفظ هيبة المؤسسة وشرفها كما هيبة الدولة واستقرارها؛ وتحصين كل ذلك بإجماع وطني عريض معمد بدماء مئات الشهداء.

هكذا ثبت الجيش، وعزز بالدم والنار صموده ورصيده في مختلف الجبهات والمواقع وثقة القلوب به، وهكذا صان الاستقرار وحمى الحدود، ولكل ذلك يستحق التحية والتهنئة والسلام.

لبنان 24