أعلن الممثل الدولي - العربي السفير الأخضر الإبراهيمي انه «ليس هناك مجال الآن للتعامل مع الأزمة السورية إلا من خلال مجلس الأمن». وقال الابراهيمي الى «الحياة» في أول لقاء صحافي له في أعقاب اجتماعه للمرة الأولى بسفراء الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن للبحث في الشأن السوري أن تلك «العبارة الجميلة» التي جعلت الدول الخمس «تدور حول دور الرئيس السوري بشار الأسد» في العملية الانتقالية في جنيف في حزيران (يونيو) الماضي سميت «الغموض البناء» ولكن «هذا الغموض يجب أن يأتي وقت ويُنزع وينتهي».
وهنا نص الحديث:
> واضح أن عمق ألمك إزاء ما يحدث في سورية وما تواجهه من دمار هو ما يجعلك مثابراً مهما كان أمامك من عراقيل. واقعياً، هل لديك الأدوات التي تجعلك اليوم أكثر تفاؤلاً بوقف النزيف في أعقاب اجتماعك بمجلس الأمن بكامل أعضائه، ومع الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن في شكل خاص؟
- هذا هو الباب الذي يمكن أن يفتح طريقاً الى عملية معالجة سياسية للأزمة السورية وليس هناك باب آخر. وبالتالي ما أفعله منذ مدة أنني أطرق هذا الباب. ويبدو كأن هناك فتحة صغيرة جداً، أولاَ في (ضوء) اللقاءات الثلاثة مع الأميركيين والروس، وأمس (مساء الثلثاء) في مجلس الأمن ومع الأعضاء الخمسة الدائمين، وهم جميعاً مدركون خطورة الموضوع. وأظن أنني حاولت أن أشعرهم بمسؤوليتهم. سورية بلد يتهشم الآن، هل صحيح أن مجلس الأمن مسؤول عن الأمن والسلم أم لا؟
> هل لمست أي حس فعلي بضرورة التحرك الآن من جانب أعضاء مجلس الأمن؟
- لنقل أنهم تأثروا، والقصد من كلامي كان هذا بالضبط. أي أنه ليس هناك مجال الآن للتعامل مع هذه القضية وبحث إنقاذ سورية إلا من خلال مجلس الأمن.
> دعني أدخل الى بعض التفاصيل لو سمحت. أنت تحدثت داخل مجلس الأمن ومع الأعضاء الخمسة الدائمين ومع الصحافة، عن ضرورة إزالة الغموض عن عنصر مهم في العملية السياسية الانتقالية المتمثلة في الهيئة الانتقالية ذات الصلاحيات الكاملة، وقلت أنه لا دور للرئيس بشار الأسد في تلك العملية.
- لا، لم أقل هذه العبارة، بل قلت إنه في جنيف في شهر حزيران من العام الفائت (في جنيف)، وجدوا هذ العبارة الجميلة التي جعلتهم (يدورون حول) دور الرئيس الأسد، وكان ممتازاً ما يسمى «الغموض البناء»، ولكن يجب أن يأتي وقت وينتهي هذا الغموض. الآن المفروض أن تمارس الحكومة التي ستتشكل الصلاحيات الكاملة بكل معنى الكلمة وهذا التعريف يجب أن يأتي من مجلس الأمن.
> ولكن للدقة لو سمحت ...
- يكفي هذا القدر من الدقة ...
> أوساط الدول الخمس الدائمة العضوية قالت إنك كنت واضحاً في الاجتماع.
- لا أريد أن أقول أكثر من هذا حول هذه النقطة.
> ولكن هل هناك طريقة وأدوات عملية للوصول الى تشكيل تلك الهيئة الانتقالية ذات الصلاحيات الكاملة؟
- تشكيلها ليس أمراً صعباً وهو يكون (بمشاركة) من الطرفين وبشخصيات معروفة ومقبولة من الحكومة ومن المعارضة. وقلت إن على الهيئة المفاوضة أن تتشكل من فريق قوي يمثل أطياف المعارضة، وفريق قوي مدني وعسكري يمثل الدولة. وهذه هي الخطوة الأولى. تشكل الحكومة من طريق هؤلاء، والسوريون هم من يجب أن يشكلوا حكومتهم.
> زمنياً، متى يمكن أن نفهم أن ذلك سيصبح ممكناً؟
- لا أعلم.
> مما نقل عن اللقاء بينك وبين سفراء الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن أنك عرضت ٦ نقاط أو عناصر، وليس مشروع قرار، وتمنيت أن تكون هذه العناصر في أي موقف أو قرار يصدر عن مجلس الأمن. هذه النقاط الست حسبما علمت، لم تتضمن الانطلاق من وقف النار، على غرار خطة كوفي أنان. لماذا؟ وما هو المنطق وراء هذا الطرح؟
- ثبت مع جامعة الدول العربية والأخ كوفي أنان أن وقف إطلاق النار لا يمكن أن يصمد إن كان العنصر الوحيد المطروح. لا شك إن كان هناك من حل، أن الخطوة الأولى تكون بوقف إطلاق النار وهذا تحصيل حاصل. لكنه يجب أن يكون من ضمن عملية متكاملة. المقاتل لن يقبل أن يتوقف عن القتال إلا إن كان عالماً الى أين يتجه. الناس تريد أن تعلم الى أين هي متجهة.
> حسبما علمت أنك انطلقت أولاً من مبدأ سلامة الأراضي السورية وكرامة الشعب السوري ثم تشكل الهيئة الانتقالية بالصلاحيات الكاملة، ولكن لم يكن واضحاً ماذا كنت تعني بالمفاوضات في مسألتين: المفاوضات بين الأطراف كمبدأ، والمفاوضات للاتفاق على إطار زمني للعملية الانتخابية. ما هو الفارق بين الأمرين؟
- هذه تفاصيل لا أحبذ الدخول فيها الآن. الموضوع بين أيدي مجلس الأمن، وفي ما بعد لكل حادث حديث.
> إذاً، فقط بالنسبة الى مبدأ المفاوضات كمبدأ عام. كيف تتصور أن تكون المفاوضات؟
- هل تريدين أن أحل أنا وأنت القضية السورية؟
> لا. لكن الناس تريد أن تفهم ما يحدث، وهناك الكثير من التسريبات ونحاول هنا إيضاح الصورة.
- كلامي كله مسرب كاملاً.
> أريد أن أفهم ما هي استراتيجيتك؟ هل هي قائمة على ما أنجزته في أفغانستان مثلاً بأسلوب ٦ زائد ٢ بمعنى الجهد الدولي الى جانب الجهد الإقليمي أم أنك تركز الآن على مجلس الأمن فقط؟
- ليس عندي وصفة جاهزة لحل القضية السورية أو أي قضية أخرى. الآن نتحدث مع مجلس الأمن وقلت بصراحة أن الإخوة في سورية عاجزون عن أن يتكلموا ويحلوا مشكلتهم بأنفسهم. لو كان هذا ممكناً لكان هو الخيار الأفضل. لو تستطيع دول المنطقة أن تساعد لكان هذا ايضاً خياراً جيداً. أهل مكة أدرى بشعابها، وهم هنا السوريون، والمجموعة الثانية التي يمكن أن تنتمي الى «مكة» هي المنطقة، ولكن من الواضح أن هؤلاء جميعاً غير قادرين على الحل، ويوجد هنا مجلس الأمن الذي هو مسؤول عن الأمن والسلم الدوليين. نحن نطرق هذا الباب ونحاول أن نفتحه وهو لم يفتح بعد. عندما يفتح الباب فإني سأكون مستعداً لأن أعود وتحت تصرف مجلس الأمن، إن كانوا هم احتاجوا إلي فإنا موجود.
إن وصلنا الى تفاهم وصدر بيان عن أعلى هيئة مسؤولة عن الأمن والسلم وهي مجلس الأمن، عندها يصبح إصغاء الأطراف (للجهود) يتم بطريقة مختلفة. الأطراف في سورية وأيضاً دول المنطقة لا بد وأن يكون لهم دور، ولكن أي دور؟ فالدور الذي حددته دول المنطقة لأنفسها لم يوصل الى نتيجة وهم أنفسهم يكررون جميعاً أن على مجلس الأمن أن يتخذ موقفاً. نحن الآن وصلنا الى أننا طرحنا الموضوع على مجلس الأمن وسننتظر لنرى.
> إذاً لا تزال العقدة الأساسية في التفاهم الأميركي الروسي. هل تغلبت قليلاً على تلك العقدة في اجتماعكم الثلاثي وفتحت تلك النافذة قليلاً؟
- تحدثت معهم وكان اللقاء جيداً ومفيداً. الآن وبموافقتهم انتقلنا الى الدول الخمس ومجلس الأمن. الآن، الكرة في ملعبهم وأنا متجه الى ميونيخ ثم القاهرة ولكل حادث حديث.
> هل أفهم منك أن المطلوب من مجلس الأمن ورقة ما أو نص ما؟
- ليس ورقة ما ...
> فهمنا من لقاءاتك وتصريحاتك أنك تتمنى أن يصدر قرار عن مجلس الأمن؟
- بكل تأكيد.
> وهل ترى أن هناك فعلاً إمكانية لمعالجة الخلافات الروسية الأميركية بما يمكن من صدور قرار عن مجلس الأمن؟
- إسأليهم هم.
> أنت كرجل تفهم المنطقة وسورية والوضع الدولي، ماذا تريد الولايات المتحدة وروسيا من سورية؟
- لا أدري ما تريد كل من الولايات المتحدة وروسيا.
> هل ترى أن التفاهم ممكن على الموضوع السوري؟
- أن شاء الله، ضروري أن يتم التفاهم.
> ولكن هل هناك متطلبات أوسع من الموضوع السوري؟
- الله أعلم.
> تحدث البعض عن استراتيجية اليوم التالي وهي جملة تتكرر دوماً. إشرح لنا مفهومك لليوم التالي وماذا تعني تلك الجملة؟
- إسألي من طرحها. بالنسبة إليّ أهمية اليوم التالي في أن نتجنب في سورية ثأراً وفوضى، أما استراتيجيات الآخرين الذين يتحدثون عن اليوم التالي فاسأليهم هم عنها.
> الملك عبدالله الثاني قال في دافوس إن ما نواجهه اليوم هو أن «طالبان» جديدة ستكون موجودة في سورية؟
- لا معلومات لدي عن ذلك.
> أنت حذرت من إفرازات الحرب الأهلية في سورية إقليمياً. ما هي هذه الإفرازات التي تخشاها على لبنان والأردن والعراق؟
- هذه مناطق متداخلة وشعب واحد، والأفكار هي أيضاً متداخلة وواحدة. في لبنان مشاكل موجودة أساساً. لا يمكن أزمة بهذا الحجم (في سورية) أن يقفل عليها في حدود بلد واحد، ولا بد أنها ستفيض. وإن كان المحيط قريباً جداً فإن الفيضان يكون أشد خطورة. في أفعانستان، اعتبر الناس أن الأفغان سيقتلون بعضهم بعضاً في بلد بعيد ناء ولكن الأزمة هناك فاضت خارج حدود أفغانستان، أولاً بالمخدرات: في إيران نحو ٤ ملايين مدمن مخدرات وكلها مخدرات أفغانية. ٤ الى ٥ ملايين مدمن في باكستان أيضاً وثم العنف والتطرف الديني في باكستان، وكل هذا آتٍ من أفغانستان. وثم قفزت الأزمة الى الحادي عشر من أيلول (سبتمبر). وبالتالي الوضع في سورية إن استمر وتعفن الجرح السوري فإن العدوى قادمة بكل تأكيد وبوادرها موجودة أساساً.
> هل تتحدث عن تفتيت وشرذمة سورية؟ هل هذا ما تخشاه؟
- طبعاً. وهذا ليس إنقاصاً من قيمة الفرد السوري والشعب السوري. سورية بلد عظيم وعزيز وشعبه جماعات وأفراداً من أفضل الناس في العالم لكن عندما تحصل مشكلة كهذه فإن نتائجها معروفة وواضحة. الصومال أيضاً شعبها طيب ولكن عندما يتعفن الجرح في بلد ما فإن هناك عواقب لا يمكن التعامي عنها.
عندما توجهت الى العراق في نيسان (أبريل) ٢٠٠٤ وقلت إن الوضع كان عبارة عن حرب أهلية، قامت القيامة ورفض العراقيون توصيف الوضع عندهم بأنه كان حرباً أهلية، وكذلك قال البريطانيون والأميركيون. في سورية الآن يحصل الأمر نفسه. الإخوان السوريون سواء في الحكومة أم المعارضة يرفضون التكلم عن وجود حرب أهلية في سورية. تفكيك البلد يحصل بالضرورة عندما توجد أزمة بهذا العمق وهذا الاتساع.
> وهل ترى أن التفكيك قد بدأ؟
- لا أعلم إن كان قد بدأ. ما بدأ هو وجود ١٠٠ الى ٢٠٠ قتيل يومياً. ومليون إنسان الآن خارج البلد وأربعة ملايين هائمون، أي ربع البلد. سورية كانت بلداً مستوراً ولم يكن فيها جائعون. في الكويت جمعت الدول المانحة ١.٥ بليون دولار موازنة لستة أشهر، ولكن هذا لن يكفي. هذا هو الوضع الذي وصلت إليه سورية.
> هل تخشى أن عملية التفكيك قد بدأت؟
- إن شاء الله أنها لم تبدأ ولكن إن لم يستدرك الوضع فإن عملية التفكيك حاصلة.
> هل ترى أنه ثمة من مجال على الإطلاق لعودة الامور الى مجاريها، بمعنى انتصار النظام وبقائه في السلطة؟ أم أن تلك الفترة قد انتهت.
- لنترك جانباً الحديث عن أين يتجه النظام أو الرئيس السوري، ولنتحدث في التاريخ. المياه لا يمكن أن تعود وتجري صعوداً وما فات فات وسورية غداً ستكون مختلفة عن سورية اليوم، وسورية العام المقبل هي سورية أخرى مختلفة عن سورية التي كانت قبل سنتين. هذا قلته في سورية وخارجها: أن التغيير المطلوب يجب أن يكون حقيقياً وفترة الترقيع انتهت. قلت في شباط (فبراير) ٢٠١١ إن منطقتنا كلها تتطلع الى تغيير حقيقي، وان أي حكومة تستطيع أن تقود هذا التغيير وإن لم تفعل فإنها ستكون متجاوزة.
> أنت على اتصال بدول المنطقة هل ترى أن إيران تساعدك كممثل أممي وعربي في تناول موضوع سورية نحو الحل أم أنك ترى أن الدور الإيراني في سورية يشكل عرقلة لجهودك؟
- هذا سؤال مجحف في حقي. هل يمكن أن أقول إن إيران هي مشكلة؟ لا يمكن أن أقول مثل هذا الكلام وأنا زرت طهران وقابلت وزير الخارجية مرات عدة وسأقابله في اليومين المقبلين في ميونيخ. وهذا سؤال ليس في مكانه. السؤال هو أن إيران من دول المنطقة ولها مصالح مشروعة ولها نفوذ وأنا أريد أن أستفيد من مصلحة إيران ومن نفوذها وبالتالي أسعى الى إيران كما أسعى الى سواها. أما السؤال عما إن كانت إيران جزءاً من الحل أو من المشكلة فإنه سؤال لا يطرح عليّ.
> سأطرح سؤالاً آخر قد يزعجك ولكن أتمنى أن تتقبله، أتخشى أن تلام يوماً بأنك راهنت على الحل السياسي فيما كان ذلك الحل مستحيلاً؟
- هذا اللوم موجود أساساً ولن يأتي في المستقبل وهو موجود من اليوم الأول. الأطراف المتأكدة أنها ستنتصر غداً فهي بكل تأكيد ستقول: ماذا به آتٍ ليفعل (لحل الأزمة). وهو الكلام الذي قيل عن كوفي أنان وقيل عني من اليوم الأول بأني أضيع وقت الأطراف.
هذا اللوم موجود والناس التي تؤمن بالحل العسكري ترى أن من يتكلم عن حل سياسي إنما يضيع الوقت وممكن حتى أن يبعد التركيز عن القضية الرئيسية التي هي المعركة وكيفية التخلص من الطرف الآخر.
> هل من مجال لتفاهم روسي - أميركي وهل سيتوجه مجلس الأمن الى قرار وهل الأخضر الإبراهيمي سيتقدم بخطة؟ هل ترى من مجال في الأسابيع المقبلة أن يتم نوع من التوافق بين أعضاء مجلس الأمن؟
- هذا ما نسعى إليه، وتفاءلوا بالخير تجدوه، ولكن أن نصل الى هذا الخير أو لا نصل فهو أمر ليس في يدي بل في ايدي الدول.
> ما الذي تخشاه؟
- خشيتي كلها على الشعب السوري. وقلت إن ليست لي أجندة خاصة ولا مصلحة خاصة ولا عامة بل مصلحتي الوحيدة هي مصلحة الشعب السوري.
> وهل تدعم التحقيق الدولي في الجرائم التي تحدث في سورية؟
- أنا قلت إن هناك أعمالاً معينة كالذي حصل في جامعة حلب، كلا الطرفين يتهم الآخر. وهو عمل شنيع وليست له فائدة عسكرية ويجب التحقيق (الدولي) في هذا الموضوع ويجب أن يتعاون الطرفان لنعلم الحقيقة.
> ولكن أنت لا تعني أن توضع هذه الجرائم أمام المحكمة الجنائية الدولية؟
- لا، هذا موضوع مختلف ولست طرفاً فيه. ولكن أقول إنه نحو ٣٠ مخبزاً قصفت وكل من الطرفين يقول إنه لم يقم بذلك. لنعلم من قام بها ويجب إجراء المحاسبة.
> ولكن من سيقوم بالتحقيق من دون مراقبين دوليين؟
- هناك بعض الحالات التي يمكن الوصول فيها الى الحقيقة ولنحاول على الأقل.
> ماذا تريد وماذا تتمنى؟
- كلمة واحدة وهي للأسف كالأسطوانة المكسورة: سورية في خطر وفي وضع سيّء والشعب السوري يعاني وإن كان هناك من نداء يوجه الى أي إنسان داخل سورية وخارجها، حيث يمكنه المساعدة في رفع المحنة عن الشعب السوري فكثر الله خيره.