لم تكن عملية أسر الجنديين الإسرائيليين في الثاني عشر من تموز 2006، في خلة وردة، على بعد أمتار من السياج الحدودي الشائك بين لبنان وفلسطين المحتلة، هي العملية الأولى من نوعها منذ عملية أسر ثلاثة جنود إسرائيليين في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة في العام 2000، وبعدها بفترة وجيزة عملية خطف العقيد في «الموساد» الحنان تننباوم.
حاولت المقاومة على مدى ست سنوات تنفيذ أكثر من عملية أسر، فشل معظمها، وكان آخرها كمين الغجر في 21 تشرين الثاني 2005، وسقط خلاله ثلاثة شهداء... وبينما كان الإسرائيليون «يحتفلون» بإحباط الهجوم، بدأت المقاومة التحضير للعملية التالية. حق المقاومة في محاولة أسر جنود إسرائيليين ومبادلتهم، كان حقاً مقدساً بالنسبة لـ «حزب الله». هذا ما ردَّده الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله أكثر من مرة أمام المشاركين في طاولة الحوار الوطني في مجلس النواب، عشية تموز 2006.
ومن يعد إلى خطاب السيد نصرالله في تأبين شهداء عملية الغجر الثلاثة يجد الجواب نفسه. قال «السيد» بالحرف الواحد: «هذا واجبنا وربما نقوم بغيرها... ما حدا يتفاجأ». لكن الرسالة صارت أقوى في 28 نيسان 2006، وخصّ بها عميد الأسرى سمير القنطار: «وَعْدُنا لك أن لقاءنا سيكون قريباً جداً جداً جداً».
حتى في اللقاءات السياسية الثنائية التي عقدها السيد نصرالله مع عدد من القادة السياسيين، وأبرزهم الرئيس سعد الحريري، كان شفافاً في القول إن المقاومة لن تتخلى عن الأسرى وعندما تجد الظرف ملائماً لن تتردد.
7 أشهر من التخطيط الدقيق والمناورات الشتوية والصيفية التي تبين أنها أجريت في منطقة أعدتها المقاومة لتحاكي، بشكل دقيق، مكان التنفيذ الفعلي، بتضاريسه ومعالمه كافة.
أبرزت التحضيرات أن العقل الأمني والعسكري للمقاومة، وتحديدا «المايسترو» الشهيد عماد مغنية (الحاج رضوان)، كان يجد مع كل محاولة تفشل دافعاً أكبر لتفادي كل الثغرات التي رافقتها.
وبدم بارد، كان عناصر مجموعة التنفيذ يترددون، دورياً، إلى خلة وردة، في خراج بلدة عيتا الشعب الجنوبية، وصولاً إلى الشريط الشائك، كما تظهر الصور التي تكشفها «قناة الميادين» للمرة الأولى في الوثائقي الذي تعرضه عند التاسعة من مساء غد بعنوان «2006»، وتظهر الشهيد خالد بزي يقيس الإحداثيات أمام الشريط مباشرة.
في الأشهر الثلاثة الأخيرة التي سبقت تموز 2006، تكثفت وتيرة الانتقال إلى مكان التنفيذ، فيما كان العدو يشعر بتحركات مريبة من دون أن يتمكن من تبيان هدفها بشكل دقيق. كانت معلوماته تشير إلى مساعٍ من «حزب الله» لاختطاف جنود. كيف ومتى؟
ظلا سؤالين بدون إجابة، فكانت النتيجة قلقا وخوفا دائمين لدى الجنود الإسرائيليين، الذين صاروا يحلمون بالعودة سالمين إلى منازلهم.
اكتملت التحضيرات، وصار مستوى الجهوزية عالياً. ها هي المناورة الختامية تجري بحضور القائد العسكري العام في المقاومة عماد مغنية الذي أعطى تعليماته الأخيرة واطمأن إلى جهوزية المجموعة قبل الانطلاق إلى مكان العملية. مكثت المجموعة هناك لأسابيع، فرفع الإسرائيلي مستوى التأهب، من دون أن يتمكن من تحديد وظيفة المجموعة. فقط مجرد إحساس من قبل الجنود الذين سينطلقون في دوريتهم الأخيرة قبل تبديلهم، على ما يؤكد الناجي الوحيد من العملية الجندي تومير فاينبرغ.
الاستنفار الإسرائيلي لم يعدّل أو يعطّل الخطة. فقد عمدت المقاومة، في المقابل، إلى تحويل العملية من عملية عسكرية إلى عملية عسكرية – أمنية، سعت فيها إلى تضليل العدو بمجموعة من الإشارات المتضاربة، من دون أن تتأثر الخطة الموضوعة.
الساعة 8.40 من صباح الثاني عشر من تموز، هو موعد الساعة الصفر. استُهدِفَتِ المواقع الإسرائيلية المحيطة بخلة وردة بقصف تمويهي، في الوقت الذي قصفت فيه سيارة «الهامر» الأولى («باسيمون 4») ثم الثانية («باسيمون 4 أ») بقذائف صاروخية.
عندها انطلق أفراد مجموعة الأسر، كل بحسب دوره في الخطة. كانت السيارة الأولى هي هدف عملية الأسر. مجموعة الرصد، رصدت أحد الجنود (فاينبرغ) يفر من السيارة بعد نجاته وتعرضه لإصابات خطيرة. كان بالإمكان ملاحقته، لكن ذلك سيكون خروجاً عن الخطة. انطلقت مجموعة الخطف باتجاه «الهامر»، فأسرت الجنديَّين ايهود غولدفاسر والداد ريغيف اللذين تبين لاحقاً أنهما قتلا.
قُضي الأمر عند الساعة 9.04. وحتى قبل أن تعرف القيادة الإسرائيلية تفاصيل العملية، كان المقاومون، ومعهم غولدفاسر وريغيف، قد صاروا في «مكان آمن وبعيد».
السفير