المعلومات الواردة من باريس الى مرجع غير زمني تفيد بان الديبلوماسية الفرنسية، وبدفع مكثف من الفاتيكان، تعمل الآن على خط مختلف، وفي اختبار جديد، للنظر في امكانية انجاز الاستحقاق الرئاسي في لبنان عبر محطات اخرى غير التي تم التواصل معها في السابق.
وتبعاً لهذه المعلومات فان العاصمة الفرنسية وصلت الى حد اليأس الكامل من امكانية التوصل الى حل للازمة اللبنانية عبر الرياض وطهران اللتين اذ يتصاعد الصراع في ما بينهما، فان الازمات المرتبطة بهما تزداد حدة، بل وقابلية للانفجار...
واذ يبدو واضحاً ان الملف السوري، بكل التضاريس الجيوسياسية والجيوستراتيجية التي في داخله، وبكل العقد التاريخية والعقائدية، بات بيد رجلين هما جون كيري وسيرغي لافروف، لماذا لا تكون الضربات الديبلوماسية على البابين الاميركي والروسي، وبعدما اظهرت واشنطن وموسكو اهتمامهما بالامن اللبناني الذي لا يمكن ان يكون معزولاً عن الاستقرار السياسي.
اللذان يحددان مصير الرئاسة في سوريا، بكل تشعباتها المحلية والاقليمية والداخلية، بامكانهما تحديد مصير الشغور الرئاسي في لبنان.
المحاولة على وشك ان تبدأ، باريس تقول ان التفاهم مع كيري ولافروف اسهل بكثير من التفاهم مع السعوديين والايرانيين الذين اذ يظهران بمظهر من يدعم اي مسعى للحد من الفراغ الرئاسي، مع تقديم «احلى الكلام واعذبه»، فان الواقع ان في الكواليس او على الساحة السياسية يبدو مختلفاً تماماً، حتى ان الفرنسيين يتساءلون ما اذا كان احد الطرفين يريد رئيساً للجمهورية في لبنان ام انه يحتفظ بهذه الورقة لاستعمالها في تسوية او تسويات تتعدى الحدود اللبنانية.
واذا كانت موسكو قد قالت كلمتها في الاروقة الخلفية، وتحديداً في اتجاه النائب سليمان فرنجية لاسباب وخلفيات تتعلق بها، فان واشنطن تركز على مرشح ثالث لا هو رئيس تيار المردة ولا هو العماد ميشال عون...
غير ان الاوساط السياسية والديبلوماسية على السواء تعتبر ان التوصل الى اسم شخصية «ثالثة» ليس بالمسألة المستحيلة او حتى الصعبة، والمهم هو امكانية تسويق هذه الشخصية بين الافرقاء اللبنانيين الذين يختلفون حول كل شيء، فكيف لا يختلفون على من يشغل الموقع الرئاسي الذي يفترض ان يكون باهتاً ومثل «الخاتم» في يد عرابي المافيات...
الاميركيون والروس يعتبرون ان الجنرال مرهق، لكونه يعتبر ان وصوله الى بعبدا انما تم بواسطة الدبابات لا بواسطة اوراق الاقتراع، واذ يحتاج لبنان الى يد قوية لاعادة ترميم ما يمكن ترميمه، فان السفير الاميركي السابق ريتشارد جونز كان يعتبر ان لبنان بحاجة الى رئيس هو نصف ديكتاتور ونصف ليبرالي، لا بل انه كان يردد ضاحكاً امام رئيس احدى الجامعات وهو صديقه ان على الرئيس ان يكون بحذاء عسكري في احدى القدمين وبالكعب العالي في القدم الاخرى...
حتى الآن، الكي دوريسه يحاول جس النبض. اذا لاقى تجاوباً لا بد لجان - مارك ايرولت ان يتوجه الى واشنطن وموسكو، او يتم التوصل عبر ديبلوماسيين رفيعي المستوى.
العائق الوحيد ان الازمة السورية تستنفد كل جهود الوزيرين الاميركي والروسي وفي فترة زمنية محدودة جداً ولا تتعدى المائة يوم. غير ان هذا هو السبيل الوحيد لانتخاب رئيس للجمهورية لان انتظار التفاهم بين الرياض وطهران هو اشبه ما يكون بانتظار «غودو» في المسرحية الشهيرة لصمويل بيكيت...
ويقال في بيروت ان الرئيس نبيه بري غائب في مكان ما في اوروبا، لكن «ملائكته حاضرة في بيروت». ماذا تقول هذه «الملائكة»؟ حتى الآن هناك اشباح وتعطل اي محاولة إن لاقرار قانون الانتخاب او لانجاز الاستحقاق الرئاسي...
التراشق التلفزيوني على اشده، دائماً التراشق بالتهم، والطريف ان يقول احد المراجع ان كل فريق يتهم الآخر بالتعطيل، في حين ان الذي يعطل هو «الطابور الخامس» الموجود خارج البلاد، فثمة ساسة لبنانيون ويدارون بالريموت كونترول مهما ادّعوا الاستقلالية، ومهما حاولوا، بالاجتماعات وما شاكلها، الظهور بمظهر اصحاب القرار...
المقربون من عين التينة يقولون ان هناك جهات احترفت «التخريب السياسي» هي التي تدفع باتجاه تحويل الازمة الى كرة النار دون اي اعتبار للواقع الهش في البلاد.
هؤلاء يضيفون بان بري اعطى الافرقاء، او بعضهم على الاقل، الوقت الكافي للتواصل مع مراجعهم الخارجية لعلهم يقنعون هذه المراجع بان الدولة اللبنانية في اسوأ احوالها، ولم تعد تستطيع ان تتحمل الشلل السياسي ولا الشلل الدستوري، وهذا ما ينعكس بصورة مأساوية على الوضع الاقتصادي، ولكن يبدو ان هناك شخصيات سياسية لا تستطيع ان ترفع صوتها او ان تدلي بحجمها امام اولياء الامر.
المقربون يعتبرون ان قمة نواكشوط (ولا تنسوا انها عقدت داخل خيمة) كشفت ان الواقع العربي في اسوأ احواله. الآن ليس وقت القرارات والتوصيات، اما بانتظار ما سيؤول اليه الاتفاق بين واشنطن وموسكو حول سوريا، وحيث التسوية على مراحل، او ما ستؤول اليه الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة باعتبار ان هناك اطرافاً عربية وتعتقد ان باراك اوباما هو صديق طهران ودمشق، او انه في احسن الاحوال، شخصية مطاطية وعاجزة عن اتخاذ القرارات الحاسمة.
سفير اوروبي في بيروت قال ان تطور الاحداث في المنطقة احدث تغيراً دراماتيكياً في المشهد العام، صحيح ان تركيا لا تزال ممر المقاتلين الى سوريا، لكن ما ظهر في الايام الاخيرة عند الابواب الشرقية لمدينة حلب اثبت ان تركيا، وتحت ضغط الاحداث الداخلية وفي ظل التوتر الذي يسود علاقاتها مع الولايات المتحدة. لم تتدخل لا بالمستشارين ولا بمدفعية الدبابات في المعارك الاخيرة.
هذا ساهم الى حد بعيد في توصل كيري ولافروف الى لغة مشتركة حول برمجة التطورات الميدانية في سوريا ودون ان يكون معلوما ما اذا كان مسموحا للجيش السوري بالسيطرة على كامل مدينة حلب لان هذا يجعل الخارطة العسكرية والسياسية تتغير على نحو دراماتيكي.
ماذا عندما يمسك النظام بدمشق وحلب وحمص وحماة واللاذقية. المعارضة موجودة في اجزاء من دير الزور ودرعا، وحديث عن ان الساحة السورية مرشحة لمرحلة من الهدوء تمهد سيكولوجيا لمفاوضات ناجحة بعدما كانت المفاوضات المستحيلة.
عمليا وعملانياً كان هناك ثنائي سعودي - تركي وبامكانات مالية وعسكرية واستخباراتية هائلة. لم تعد انقرة هناك فكان لا بد ان يتغير المنظر وان تتغير النظرة.
جهات سياسية لبنانية وترى انه عندما تتفلت الساحة السورية من الرياض وطهران، لا بد ان ينعكس ذلك على لبنان.
المشنوق يجزم
وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي لا يمكن ان يلقي الكلام جزافاً في مسألة من هذا النوع قال ان رئيس الجمهورية سينتخب قبل نهاية العام. هذا ليس تحليلاً شخصياً هذا نصف الكلام، النصف الاخر.. من هو رئيس الجمهورية؟
حتماً المشنوق يعلم. هو الذي تكلم. لا داعي لسؤاله «من هي الجهة التي كانت تعطل اذا»؟ الثابت ان وزير الداخلية يعلم، وهو الاقرب الى الرئيس سعد الحريري من الرئيس فؤاد السنيورة. من هو رئيس الجمهورية العتيد. لماذا لم يتلفظ باسم الجنرال؟ كاد يفعل تبعا لما اكدته مصادر المستقبل باجوبة ملتبسة نسبياً.
اسئلة كثيرة تطرح الان. لمصلحة من تعمل التطورات؟ لا لمصلحة الرياض ولا لمصلحة طهران، حتى ولو كان الذي تحقق عند المداخل الشرقية للشهباء، وحيث انقطع الوصل، والوصال، مع السيد التركي يوحي بأن ثمة رابحاً وثمة خاسراً، ودون ان يبقى سراً ان قوات النخبة في «حزب الله» اضطلعت بدور ميداني كبير في المعارك الاخيرة، وباستطاعتها الدخول الى الاحياء الشرقية، وان كانت الامور لا تزال غامضة بالنسبة الى الموقف الدولي من الدخول.
غير ان الروس يقولون ان المسألة لا ينظر اليها هكذا. وكان هناك تفاهم على تسوية للازمة السورية بعيداً عن التأثيرات الجيوسياسية للقوى الاقليمية.
سقوط الدور الاقليمي بالنسبة الى الرئاسة اللبنانية. هذا قد يكون مؤشراً على مسار تسووي يشمل ازمات مختلفة. كان نهاد المشنوق حاسما، وقال «انا اصر».
ماذا عن الحوار؟
انفراج في سوريا انفراج في لبنان، ما دام الوضع اللبناني قد ضبط على التوقيت السوري. ولا تعيين لقائد الجيش ولرئيس الاركان قبل انتخاب الرئيس، ولا توقيع على مرسومي النفط والغاز الا بوجود رئيس الجمهورية في قصر بعبدا..
هل من داع لجلسة الحوار اذا كان جون كيري وسيرغي لافروف يتحاوران ويعدان السيناريوات الغريبة التي من بينها ان تخلع «جبهة النصرة» جلدها وتتحول الى «فتح الشام» حتى ان ابو محمد الجولاني الذي طالما اخفى وجهه في المقابلات التلفزيونية القليلة ظهر بكل وجهه امام الكاميرا، وكاد يظهر بربطة العنق...
الانفصال عن القاعدة
زعيم جبهة النصرة اعلن انفصاله عن القاعدة ودون ان يقول ما هي نظرته الى نظام الحكم في سوريا، وما اذا كان يريد اقامة دولة اسلامية. والغريب ان يتغير الرجل بين ليلة وضحاها، وقد يتحول بين ليلة وضحاها الى داعية للعلمانية وللحداثة.
الجولاني قال «لقد الغينا العمل في «جبهة النصرة» واعادة تشكيل جماعة جديدة هي جبهة عمل تحمل اسم «جبهة فتح الشام» علماً بان هذا التشكيل الجديد ليست له علاقة باي جبهة خارجية «تنظيم القاعدة».
اضاف ان التشكيل الجديد يسعى الى تحقيق اهداف، ومنها العمل على اقامة دين الله عز وجل وتحكيم شرعه، وتحقيق العدل بين الناس، كل الناس.
ثم «العمل على التوحد مع الفصائل برص صف المجاهدين ولتتمكن من تحرير ارض الشام من حكم الطواغيت».
السيناريو مركب، وهذا ما يظهر من كلام احمد حسن (بو الخير) نائب زعيم «القاعدة» ايمن الظواهري «اننا نوجه قيادة «جبهة النصرة» الى المضي قدماً بما يحفظ مصلحة الاسلام والمسلمين ويحمي جهاد اهل الشام، ونحثهم على اتخاذ الخطوات المناسبة تجاه هذا الامر». وقال «وهذه خطوة منا ودعوة لكل الفصائل المجاهدة على ارض الشام ان اجتمعوا على ما يرضي الله وتطاوعوا في ما بينكم».
الكوميديا الساذجة
حتى ان جهات اسلامية تتحدث عن «الكوميديا الساذجة» فالجانب العقائدي من كلام الجولاني يتماهى كليا مع ادبيات القاعدة ليظهر ان هناك من يسعى الى الغاء، او تصفية، جميع المعارضة او جميع المعارضات، ليذهب ممثل عن الجولاني الى جنيف، ولكن كيف يمكن تركيب نظام او بنية سياسية في سوريا بين من يقول «اقامة دين الله» وتحكيم شرعه داخل الدولة بطبيعة الحال، ومن يقول بالدولة العلمانية باعتبار ان سوريا دولة فسيفسائية وتضم فئات سياسية وايديولوجية مختلفة.
اقامة دين الله داخل الدولة ام خارجها؟ هنا المسألة. الحل العجائبي لا بد ان يكون عجيباً ايضاً.
الامر كذلك في لبنان، السياسيون فوجئوا بان العصا السحرية ليست محلية بل عابرة للقارات، الاوامر وصلت، وبدأ تشمير السواعد للتنفيذ...
اليوم، يوم آخر، ماذا تقول حجارة الشطرنج؟
المشنوق جازماً : الرئيس قبل نهاية العام وكاد يتلفظ باسم الجنرال
المشنوق جازماً : الرئيس قبل نهاية العام وكاد يتلفظ باسم...لبنان الجديد
NewLebanon
|
عدد القراء:
288
مقالات ذات صلة
الجمهورية : السلطة تحاول التقاط أنفاسها... والموازنة تفقدها...
الاخبار : السفير الروسي: الأميركيّون يهيّئون لفوضى في...
اللواء : باسيل يتوعَّد السياسيِّين.. ورعد...
الجمهورية : مجلس الوزراء للموازنة اليوم وللتعيينات غداً.....
الاخبار : الحريري بدأ جولة...
اللواء : هل يستجيب عون لطلب تأجيل جلسة المادة...
ارسل تعليقك على هذا المقال
إن المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس بـالضرورة سياسة الموقع
© 2018 All Rights Reserved |
Powered & Designed By Asmar Pro