المشروع الإيراني لتشكيل «دولة موازية» في العراق تحت مسمى «حرس ثوري عراقي»، بات أمراً واقعاً بعد قرار رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي تحويل «الحشد الشعبي» الذي يضم فصائل شيعية مسلحة مدعومة من طهران، إلى جهاز مواز لجهاز مكافحة الإرهاب من حيث التدريب والتجهيز والقوانين.
وينظر العرب السنّة في العراق الى «الحشد الشعبي» بعين الريبة بعد ارتكابه جرائم حرب في المناطق السنّية ويعدونه قوة «احتلال إيرانية« خصوصاً مع تشابه «الحشد» مع الحرس الثوري الإيراني عقائدياً لكونهما تشكلا بفتوى دينية: فالأول جاء بفتوى المرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني والثاني بفتوى من الخميني مؤسس الجمهورية الإيرانية.
وسيكرس «الحرس الثوري العراقي« «الكيان الموازي» في العراق لكون اغلب الفصائل الشيعية المسلحة المنخرطة فيه ممثلة سياسياً في البرلمان العراقي ولها انصار في كافة مؤسسات الدولة العراقية، وبالتالي سيكون حاكماً فعلياً للدولة عبر فرض قبضته على كافة المؤسسات السياسية والقضائية وحتى الاقتصادية، فيما سيعمل هذا الكيان على إضعاف الجيش العراقي الذي كان رئيس الحكومة السابق نوري المالكي قوّضه من خلال عدم تجهيزه لمواجهة «داعش» وإصدار أوامر بالانسحاب من أمام التنظيم المتشدّد في الأنبار وفي الموصل التي لا يزال «داعش» يحكم سيطرته عليها.
ومن الممكن ان يؤدي تشريع عمل «الحشد الشعبي« الذي تبناه العبادي وكان أسس نواته المالكي، الى تلاشي هوية العراق العربية والاخلال بالاستقرار السياسي في البلاد، خصوصاً ان الحشد يضم اكثر من 100 فصيل شيعي مسلح يترأسهم رسمياً مستشار الامن الوطني فالح الفياض ومعاوناه كل من هادي العامري وابو مهدي المهندس، فيما سيكون عدم الاستقرار طابعاً مميزا للعراق، بسبب الصراعات داخل الحشد، إذ إن الفياض يسعى ليكون صاحب الرأي الاول والاخير باعتباره مكلفاً من الحكومة، لكن دور المهندس اقوى بكثير فهو وهادي العامري يمثلان قاسم سليماني قائد قوة القدس الايرانية ويأتمران بأوامره، وهكذا فإن الحشد لا يخضع لرئيس الوزراء الا شكلياً لكون رئاسة الوزراء مسؤولة عن الرواتب وتقديم الامتيازات، فيما لا يمتثل للأوامر التي تخالف الرؤية الايرانية، وهذا ما تعارضه «سرايا السلام« التابعة لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر والفصائل التابعة للمرجعية الشيعية غير المنضوية في الحشد، ولا تلتزم بتعليماته ولها تنسيق مباشر مع الحكومة العراقية في تنفيذ الواجبات العسكرية.
وينقسم الحشد الى ثلاثة اقسام: الاول موال لإيران وللحرس الثوري وقائد قوة القدس سليماني ويخضع لاشرافه المباشر ويضم كتائب كبيرة ابرزها منظمة بدر (بزعامة هادي العامري) وتضم بدورها فصائل صغيرة من بينها كتائب تركمانية شيعية في منطقة الطوز التابعة لمحافظة صلاح الدين (شمال بغداد)، وكتائب حزب الله (بزعامة ابو مهدي المهندس) وتضم فصائل مسلحة عدة من بينها كتائب الامام علي وكتائب حشد عشيرة الجبور (السني) في مناطق العلم غرب تكريت وشمالها بالإضافة الى عصائب اهل الحق (بزعامة قيس الخزعلي) وكتائب النجباء (بزعامة اكرم الكعبي) وكتائب سرايا الخراساني (بزعامة علي الياسري) وكتائب جند الامام (بزعامة احمد الاسدي) وكتائب سيد الشهداء (بزعامة ابو الاء الولائي) ولواء ابو الفضل العباس (بزعامة اوس الخفاجي)، فضلا عن فصائل مسلحة صغيرة تتلقى تمويلاً ودعماً تسليحياً مباشراً من ايران وتتهم بارتكاب جرائم ضد الانسانية وتنتشر في مناطق بيجي (شمال تكريت) ومناطق جنوب بغداد وتلال حمرين (جنوب كركوك) ومناطق غرب الفلوجة في الكرمة والصقلاوية.
اما القسم الاخر في الحشد فهو «سرايا السلام» (يشرف عليها كاظم العيساوي المعروف بأبو دعاء العيساوي) وهي الجناح المسلح للتيار الصدري (بزعامة مقتدى الصدر) وتنتشر في سامراء وبلد والمناطق المحيطة بهما (شمال بغداد) والتابعة لمحافظة صلاح الدين وتتمتع بقبول في الوسط السني.
اما القسم الثالث فهو الحشد التابع للمرجعية الشيعية في النجف وكربلاء ويضم قوات العباس القتالية وقوات الامام علي القتالية وتنتشر في مناطق غرب كركوك وفي الحدود بين كربلاء والانبار وتضم في صفوفها مقاتلين من جنسيات عربية من البحرين والكويت والسعودية ولبنان، لكن لم يسجل عليها اي مؤشر سلبي حتى الان.
ومكامن ضعف الجيش العراقي كانت معلومة لدى الحكومة العراقية قبل اشهر من سقوط الموصل وكان القرار انذاك هو تأسيس قوات رديفة ناقشها اجتماع التحالف الشيعي في حينه، وفيه كشف المالكي كل هذه التفاصيل وكان اول من عرض الفكرة وعمل على تطبيقها الجنرال سليماني، كما ان مكامن ضعف الجيش العراقي كانت معلومة لدى ادارة الرئيس الاميركي باراك اوباما حيث كان هناك اكثر من 40 ضابطاً عسكرياً اميركياً موزعين على مراكز قيادة القوات الخاصة العراقية بحلول نيسان 2014 بصفة ضباط ارتباط مع السفارة الأميركية في بغداد، وفي منتصف الشهر نفسه كانت مساعي سليماني لإنشاء القوة الرديفة في طور اختيار العلامة التجارية وكانت التسمية المبدئية لهذه القوات هي «سرايا الدفاع الشعبي«، وكان شعارها مشابهاً لشعار «حزب الله« اللبناني لتتحول بعد فتوى السيستاني الى «الحشد الشعبي«.
وتفيد المعلومات أن «السيستاني وحسب المعلومات الحالية يتجه لإصدار فتوى لحل الحشد الشعبي بعد استعادة الموصل والتوجه لعزل الفصائل المسلحة الموالية لإيران عن الفصائل الاخرى مع محاولة جذب منظمة بدر الى العمل السياسي فقط والغاء الجناح العسكري، وكل هذه المؤشرات تتم بدراية الولايات المتحدة وفي حال اصرار الفصائل الموالية لإيران على رفض القاء السلاح فسيتم التعامل معها على انها خارج اطار القانون«.
ويبدو ان التوجه الاميركي لمواجهة «الخارجين عن القانون» مستقبلاً دفع برئيس الحكومة العراقية الى اصدار اوامر لإعادة تشكيل وتنظيم «هيئة الحشد الشعبي والقوات التابعة لها» من خلال جعل الحشد «تشكيلاً عسكرياً مستقلاً وجزءاً من القوات المسلحة مرتبطاً بالقائد العام للقوات المسلحة، إضافة لعمله بنموذج يضاهي جهاز مكافحة الإرهاب الحالي من حيث التنظيم والارتباط، فضلاً عن تألفه من قيادة وهيئة أركان وصنوف وألوية مقاتلة«.
كما تضمنت الوثيقة الصادرة من مكتب رئيس الوزراء العراقي أن «يخضع هذا التشكيل ومنتسبوه للقوانين العسكرية النافذة من جميع النواحي وتكييف منتسبي ومسؤولي وآمري هذا التشكيل وفق السياقات من رواتب ومخصصات وعموم الحقوق والواجبات، إضافة لفك ارتباط منتسبي هيئة الحشد الشعبي الذين ينتمون لهذا التشكيل من كافة الأطر السياسية والحزبية والاجتماعية وعدم السماح بالعمل السياسي في صفوفه ويتم تنظيم التشكيل العسكري من هيئة الحشد الشعبي بأركانه وألويته ومنتسبيه ممن يلتزمون بما ورد من توصيف لهذا التشكيل وخلال مدة ثلاثة أشهر وأن تتولى الجهات ذات العلاقة تنفيذ أحكامه«.
ويبدو ان بعض الفصائل المنضوية في الحشد لا تريد استباق الاحداث وتمرير مواقفها حتى انجلاء الموقف اذ جاء تأكيد «عصائب أهل الحق» وعلى لسان المتحدث باسمها نعيم العبودي أن «جناحها العسكري جزء من الحشد الشعبي، ويأتمر بأوامر القائد العام للقوات المسلحة» لكنها لجأت الى الضبابية في تحديد السقف الزمني للانخراط في المؤسسة «التابعة» لرئيس الحكومة عندما اشارت الى ان مقاتليها «سيلقون السلاح حال زوال الخطر عن البلاد وحال التأكد من أن العراق أصبح بمأمن من أي تهديد خارجي»، مع اشتراط ان يحافظ القانون على «العقيدة الجهادية» التي تأسس عليها هذا الحشد وهو موقف يحمل مغزى معيناً بجعل الحشد الشعبي ذا صبغة مذهبية قد تهدف لحماية المصالح الايرانية وتوسيع نفوذ النظام الايراني في العراق.
ويرى المفكر العراقي الشيعي البارز غالب الشابندر أن «طهران تتبنى مشروعها الخاص بها وهو مشروع تصدير الثورة الاسلامية ومحاربة الاستكبار العالمي كما انها تضع امنها القومي في اعلى سلم اهتماماتها«.
وقال الشابندر انه «بحسب نظرية المفكر الايراني جواد لاريجاني (شقيق رئيس مجلس الشورى الايراني علي لاريجاني) بأن كل العالم الاسلامي يجب ان يسند الجمهورية الاسلامية حتى لو كان على حساب امنه واقتصاده وعمرانه لأن طهران هي ام قرى الاسلام الجديدة، وترى بعض القيادات الاسلامية في ايران ان الهدف المركزي لكل مسلم هو الدفاع عن النظام الايراني. ولذلك صرح اكثر من قائد عسكري ايراني بأن العراق وسوريا ولبنان بمثابة خطوط دفاع اولية بالنسبة للثورة الاسلامية المتمثلة او المتجسدة فعلا في كيان سياسي هو ايران، وعلى هذا الاساس ترى القيادة الايرانية من مسؤولية كل القوى الشيعية التضحية في سبيل ايران فهي قبلة المستضعفين وعاصمة الاسلام الكبرى والعدو اللدود لأميركا واسرائيل، والاخرون مسؤولون عن تجنيد انفسهم لخدمة القيادة الايرانية، كما ان مبدأ ولاية الفقيه عابر للعواصم وحكم ولي الفقيه متقدم على حكم الوطن، فالأمر الولائي هو الحاكم وليس الوطن ولا القومية ولا المصلحة الاقتصادية ولا اصوات الشعوب، بل الامر الولائي هو المتسيّد وعلى الجميع الطاعة«.
واوضح انه «وفقاً لهذه الرؤية الايرانية، فيجب على القوى الشيعية في العالم ان تكون طوع الارادة الاسلامية الحاكمة وليس طوع الحدود الجغرافية ولا طوع احكام الفقهاء الاخرين، وهذا ما اسفرت عنه بكل وضوح بعض القوى الشيعية خارج ايران فهي ترفع الشعار الاسلامي الايراني وتدين بالولاء للفقيه المبسوط اليد»، مشيراً الى ان «ايران تريد الشيعة العراقيين في قبضتها، وهي اسهمت بانشقاق الكثير من القوى الاسلامية الشيعية من اجل مسك الخيوط بيدها«.
المستقبل : «الدولة الموازية» الإيرانية: الحرس الثوري العراقي
المستقبل : «الدولة الموازية» الإيرانية: الحرس الثوري...لبنان الجديد
NewLebanon
|
عدد القراء:
457
مقالات ذات صلة
الجمهورية : السلطة تحاول التقاط أنفاسها... والموازنة تفقدها...
الاخبار : السفير الروسي: الأميركيّون يهيّئون لفوضى في...
اللواء : باسيل يتوعَّد السياسيِّين.. ورعد...
الجمهورية : مجلس الوزراء للموازنة اليوم وللتعيينات غداً.....
الاخبار : الحريري بدأ جولة...
اللواء : هل يستجيب عون لطلب تأجيل جلسة المادة...
ارسل تعليقك على هذا المقال
إن المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس بـالضرورة سياسة الموقع
© 2018 All Rights Reserved |
Powered & Designed By Asmar Pro