مرة أخرى برزت حلب باعتبارها عاملاً حاسماً في تحديد مسار الحرب السورية. فالتطورات الميدانية المتسارعة في المدينة ومحيطها تتجه الى فرض معادلات عسكرية وسياسية جديدة بدعم مباشر من روسيا التي تستعد لفتح صفحة جديدة مع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الذي تزداد علاقاته توتراً بسبب محاولة الانقلاب الفاشلة التي تعرض لها في 15 تموز الجاري ومطالبة أنقرة لواشنطن بتسليم الداعية فتح الله غولن المتهم بأنه وراء هذه المحاولة.
وبعد ساعات من اعلان الجيش السوري سيطرته على حي بني زيد في حلب، تحدث وزير الدفاع الروسي الجنرال سيرغي شويغو بدء "عملية انسانية واسعة النطاق" في حلب اعتباراً من يوم أمس، موضحاً ان ثلاثة ممرات انسانية ستفتح بالتنسيق مع القوات السورية "من أجل المدنيين المحتجزين رهائن لدى الارهابيين وكذلك المقاتلين الراغبين في الاستسلام".
وأوضح أن ممراً رابعاً سيفتح في الشمال، على طريق الكاستيلو، ليسمح "بمرور المقاتلين المسلحين بشكل آمن"، مؤكداً ان الامر لا يتعلق إلاّ "بضمان أمن سكان حلب".
وباتت الاحياء الشرقية للمدينة حيث يعيش نحو 250 ألف شخص استناداً الى الأمم المتحدة، محاصرة تماماً منذ تمكنت قوات النظام من قطع طريق الكاستيلو آخر منفذ اليها في 17 تموز الجاري.
وتزامنت المبادرة الروسية مع اصدار الرئيس السوري بشار الاسد مرسوماً تشريعياً ينص على ان "كل من حمل السلاح أو حازه لاي سبب من الاسباب، وكان فاراً من وجه العدالة، أو متوارياً عن الأنظار، يُعفى نن كامل العقوبة متى بادر إلى تسليم نفسه وسلاحه للسلطات القضائية المختصة" في مهلة ثلاثة أشهر.
وفي اطار تطبيق المبادرة الروسية، قال محافظ حلب محمد مروان علبي ان ثلاثة معابر افتتحت لخروج المواطنين من الاحياء الشرقية.
والقت طائرات سورية مناشير عدة على الاحياء الشرقية بتوقيع قيادة الجيش التي ارفقت منشوراً موجهاً الى اهالي المدينة، برسم توضيحي يظهر أماكن وجود المعابر الاربعة في المدينة.
كما القت الطائرات أكياس بلاستيك تضم مواد غذائية بينها الخبز والمربى والسكر ومستلزمات نظافة منها حفاضات للاطفال ومناديل معطرة.
وفي أول ردود المعارضة السورية، رأى رئيس "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية" أنس العبدة أن ما يجري في مدينة حلب هو "جريمة حرب وإبادة وتهجير قسري"، محملاً روسيا "المسؤولية القانونية والسياسية والإنسانية والأخلاقية عما ينجم عن أفعالها الأخيرة بحق الشعب السوري".
تشكيك غربي
وشككت الامم المتحدة في المبادرة الروسية. وقال رئيس مكتب العمليات الانسانية ستيفن اوبراين: "من الضروري ان تحصل هذه الممرات على ضمانات جميع اطراف" النزاع وان تستخدم "طوعاً يجب الا يجبر أحد على الفرار، عبر طريق محددة أو الى وجهة معينة".
وقال المندوب البريطاني الدائم لدى الامم المتحدة السفير ماثيو رايكروفت: "اذا اجازت هذه الممرات نقل المساعدات الى حلب، فهي موضع ترحيب"، رافضاً فكرة استخدامها "لافراغ حلب" تمهيداً للهجوم على المدينة.
وأكد المبعوث الخاص للامم المتحدة الى سوريا ستافان دو ميستورا أن الامم المتحدة "لم تستشر" في شأن اقامة هذه الممرات، محذراً من ان "الوضع دقيق للغاية... وعلى الارجح هناك امدادات لأسبوعين أو ثلاثة أسابيع".
ودعا وزير الخارجية الفرنسي جان - مارك ايرولت ونظيره البريطاني بوريس جونسون النظام السوري وحلفاءه الى وقف فوري للحصار "الكارثي" لمدينة حلب.
وحذّرت وزارة الخارجية الأميركية من ان أي عمل هجومي من جانب روسيا في حلب سيكون غير متفق وقرار الأمم المتحدة.
"جبهة النصرة"
على صعيد آخر، بثت قناة "الجزيرة" الفضائية القطرية شريطاً أعلن الجولاني فيه تغيير اسم "جبهة النصرة" الى "جبهة فتح الشام". وقال: "نزولاً عند رغبة أهل الشام في دفع الذرائع التي يتذرع بها المجتمع الدولي وعلى رأسه أميركا وروسيا في قصفهم وتشريدهم عامة المسلمين في الشام بحجة استهداف جبهة النصرة التابعة لتنظيم قاعدة الجهاد، فقد قررنا الغاء العمل باسم جبهة النصرة واعادة تشكيل جماعة جديدة ضمن جبهة عمل تحمل اسم جبهة فتح الشام".
واضاف ان "هذا التشكيل الجديد ليس له علاقة بأي جهة خارجية"، متوجها بالشكر الى قادة تنظيم "القاعدة" وعلى راسهم زعيمها ايمن الظواهري على "تقديم مصلحة أهل الشام وجهادهم وثورتهم المباركة وتقديرهم لمصالح الجهاد عامة".
وبدا الجولاني في الشريط شاباً مبتسماً بلحيته السوداء الكثة وعمامته البيضاء.
لكن قائد القيادة الاميركية الوسطى الجنرال جو فوتل سرعان ما صرح بان "جبهة النصرة" لا تزال تشكل في الواقع تهديداً وانها على علاقة بتنظيم "القاعدة" على رغم اعلانها فك ارتباطها به. وقال خلال منتدى امني في اسبن بولاية كولورادو: "ان هذه المنظمات ماكرة للغاية، وتتمتع بمرونة بشكل غير عادي. ينبغي ان نتوقع قيامها بأشياء". وأضاف فوتل الذي يشرف على القوات الأميركية في سوريا والعراق وأفغانستان: "يمكنهم اضافة فرع الى شجرة، وجعله مختلفاً قليلاً، لكن هذا الفرع يجد جذوره في ايديولوجية ومفهوم أصوليين. ووسط كل هذا، فإنها لا تزال تنظيم القاعدة".
وقال الباحث في معهد الشرق الاوسط في واشنطن تشارلز لستر انه "في نهاية المطاف سينعكس هذا التغيير بشكل طفيف على النصرة كتنظيم، وعلى كيفية تصرفها وعلى أهدافها. لقد تدفق العشرات من كوادر القاعدة القدامى الى سوريا خلال السنتين الماضيتين لتعزيز صورة النصرة وبينهم أحمد سلامة مبروك الذي ظهر بجانب الجولاني في شريط الفيديو".
وصدر اعلان الجولاني بعد ساعات من تسجيل صوتي نشره تنظيم "القاعدة"، توجه فيه أحمد حسن ابو الخير، "نائب" الظواهري وفق التسجيل الى "جبهة النصرة" قائلاً: "نوجه قيادة جبهة النصرة الى المضي قدماً بما يحفظ مصلحة الاسلام والمسلمين ويحمي جهاد أهل الشام ونحثهم على اتخاذ الخطوات المناسبة تجاه هذا الامر".