أفرِج عن سيف الإسلام القذافي، نجل الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، من السجن في بلدة الزنتان الواقعة غرب ليبيا، بعدما أمضى نحو خمس سنوات هناك منذ اعتقاله في تشرين الثاني 2011. وكان القذافي الابن قد حاول مغادرة ليبيا بعد مقتل والده في 20 تشرين الأول 2011، على أيدي مجموعات الثوّار التي استولت على مدينة سرت، مسقط رأسه، بمساعدة حلف شمال الأطلسي (الناتو).
في آب 2015، أصدرت محكمة في طرابلس حكماً قضى بإعدام القذافي الابن بالرصاص. لكن الحكم لم يُنفَّذ، وكان موضع إدانة من منظمة هيومن رايتس ووتش التي اتّهمت الجهة التي نصّبت نفسها حكومةً على البلاد بتسييس المحاكم.
لم يحضر سيف الإسلام القذافي مطلقاً جلسات المحاكمة، لأنه لم يكن يخضع للسلطات في طرابلس كونه سُجِن في الزنتان التي تتحالف سلطاتها وميليشياتها المحلية مع الحكومة في طبرق، والتي تعتبر نفسها جزءاً من القوات المسلحة الليبية بقيادة اللواء خليفة حفتر. لم يحضر القذافي الابن محاكمته خوفاً على أمنه، وخاطب المحكمة عن طريق الشاشة.
حكومة طبرق هي الحكومة المنتخَبة في ليبيا والمعترَف بها دولياً؛ لكنها أُرغِمت على مغادرة العاصمة في آب 2014 عندما أعلن مسلحون بقيادة الإسلاميين حكومتهم الخاصة في طرابلس.
فضلاً عن ذلك، أدانت المحكمة الجنائية الدولية سيف الإسلام القذافي ووالده ورئيس الاستخبارات في عهد القذافي، عبدالله السنوسي. وقد أسقطت المحكمة القضية ضد القذافي بعد مقتله، ووافقت على أن تتم محاكمة السنوسي في ليبيا.
في العام 2015، أعلن أحد الأشخاص الذين كانوا يتردّدون بانتظام إلى السجن لزيارة القذافي الابن، شرط عدم الكشف عن هويته، إن العائق الوحيد أمام إطلاق سراح سيف الإسلام القذافي هو سلامته الشخصية بعد مغادرته السجن. فقد أشار المصدر إلى أن إبقاءه في ليبيا يتطلب "إجراءات أمنية واسعة النطاق، ونقله إلى الخارج يعني أنه لن يكون له تأثير يُذكَر على الأحداث داخل البلاد".
استند الإفراج عن سيف الإسلام القذافي إلى قانون العفو العام الذي أقرّته الحكومة الليبية المعترَف بها دولياً وطبّقته محكمة الزنتان. وقد صرّح فريق الدفاع عنه في السادس من تموز الجاري أنه جرى إخلاء سبيله في 12 نيسان الماضي، وأنه لم يتم الإعلان عن الخبر لأسباب أمنية. وقد تقرّر أنه من الأفضل لسيف الإسلام القذافي أن يبقى في الزنتان التي تعهّدت سلطاتها بحمايته ما دام يمكث في البلدة. وقد أعلن كريم خان، المسؤول عن فريق الدفاع عن القذافي الابن، أن المحامين التابعين له سيطلبون من المحمة الجنائية الدولية إسقاط القضية ضد سيف الإسلام القذافي، بما أنه تمت محاكمته في ليبيا في الجرائم نفسها، وبالتالي لا يمكن محاكمته من جديد.
بعد الإفراج عن القذافي الابن، السؤال المطروح هو الآتي: ما هو الدور الذي يمكن أن يؤدّيه في البلاد التي تمزّقها الحرب؟ قالت مصادر مقرّبة منه إنه باشر الاتصال بأشخاص يدعمونه داخل ليبيا وخارجها، في محاولة لوضع خطة خاصة به من أجل إنقاذ البلاد.
من المرتقب أن يؤدّي سيف الإسلام القذافي دوراً داخل الهيكلية العشائرية في ليبيا. فأكثرية العشائر التي دعمت والده خلال الحرب الأهلية في العام 2011، ترى فيه منقذاً، وتبدي استعداداً لدعمه باعتباره زعيمها بحكم الأمر الواقع، في أي عملية سياسية لتحقيق المصالحة الوطنية وإعادة توحيد البلاد، لا سيما وأن حكومة الوفاق الوطني والحوار السياسي الذي يتم بوساطة من الأمم المتحدة فشلا حتى الآن في تحقيق الاستقرار والأمن، فما بالكم بتحقيق شيء ملموس للتحفيف من المشقّات التي يواجهها الليبيون بصورة يومية، وتشمل انقطاع التيار الكهربائي، ونقص السيولة في النظام المصرفي، والارتفاع الشديد في الأسعار.
وعُلِم أن قادة العشائر الذين يدعمون سيف الإسلام القذافي مستعدّون للقبول به ممثّلاً وحيداً عنهم، أو ما يُعرَف بالعادات القبلية بـ"أقرب الأقرباء". يعني ذلك أنه سيكون الشخص الوحيد المسؤول عن القبول بشروط اتفاق المصالحة الذي قد يتم التوصل إليه في مقابل الموافقة على العفو عن الجرائم التي ارتكبها الثوّار منذ العام 2011، مثل القتل، وذلك من أجل تحقيق المصالحة الوطنية.
على الصعيد السياسي، وإزاء الوضع الأمني والاقتصادي المتدهور في البلاد، يرى عدد كبير من الليبيين في سيف الإسلام القذافي لاعباً إيجابياً محتملاً، نظراً إلى فشل الحكومات المتعاقبة التي تولّت إدارة البلاد منذ تشرين الأول 2011. واقع الحال هو أن الأشخاص الذين كانوا يدعمون والده هم الأكثرية بالأرقام المجرّدة، وإذا جرى تنظيمهم خلف قيادة فاعلة تتمتع ببعض المؤهلات على المستويَين العشائري والسياسي، يمكن أن يشكّلوا قوة فاعلة جداً يصعب تجاهلها.
كما أن القوى العشائرية في البلاد تعرّضت إلى حد كبير للتهميش من مبعوثي الأمم المتحدة الذين تعاقبوا على ليبيا والذين حاولوا – لكنهم باؤوا بالفشل حتى الآن – تحقيق أي تقدّم ملموس في إنقاذ البلاد. وأحد الأسباب هو عدم تنظيم العشائر ضمن كيان سياسي واحد يمكن التعامل معه بجدّية كشريك تفاوضي ذي مصداقية. في الواقع، تنظّمت العشائر المعارِضة لما يُسمّى ثورة 17 شباط، في ما يُعرَف بـ"المجلس الأعلى للقبائل والمدن الليبية"، لكن المجلس افتقر إلى التماسك السياسي والقيادة القوية المدعومة من تفويض واضح. بإمكان سيف الإسلام القذافي تأدية هذا الدور، كونه يتمتّع بدعم شعبي واسع وتأثير واضح لدى العشائر بدءاً من قبيلة القذاذفة التي ينتمي إليها.
في مجتمع عشائري على غرار المجتمع الليبي، تشكّل القبائل – لا سيما الكبرى منها مثل قبيلتَي ورفلة وترهونة – حجر الزاوية في أي تسوية مستقبلية في البلاد، ومن دون إشراكها، لا يمكن تحقيق الكثير، كما كان الحال في الأعوام الخمسة الماضية. لقد فشل وسطاء الأمم المتحدة المتعاقبون، حتى الآن، في تحقيق شيء يُذكَر نحو إيجاد حلول للاضطرابات السياسية في ليبيا، والسبب الأساسي هو تجاهلهم للقاعدة العشائرية في البلاد. في هذا السياق، بإمكان سيف الإسلام القذافي تأدية دور سياسي مهم.
تزامن الإفراج عن القذافي الابن أيضاً مع إخلاء سبيل ستة مسؤولين كبار من فريق والده كانوا مسجونين في طرابلس، ومن بينهم محمد الزوي، آخر أمناء مؤتمر الشعب العام (البرلمان) في عهد القذافي، ومحمد الشريف الذي كان مساعد وزير. يبدو أن هذا الإجراء هو خطوة على طريق المصالحة الطويل في ليبيا، والتي من دونها لا يستطيع أي فريق أن يحكم البلاد رسمياً، فما بالكم بالمساعدة على بلسمة جروحها.
(Al Monitor)