أضحى ملف النفط الشائك في لبنان واحدا من أهم الملفات التي تتداولها الأوساط السياسية في البلاد. وتحول الملف من موضوع اقتصادي بحت إلى سجال سياسي حقيقي ضمن دائرة التجاذب السياسي الحاد الذي تعيش على وقعه لبنان.
ولا تزال بنود الاتفاق النفطي الذي عقد بين رئيس مجلس النواب اللبناني الرئيس نبيه بري والجنرال ميشال عون زعيم التيار الوطني الحر عبر وزير الخارجية جبران باسيل غامضة.
وإثر ذلك الاتفاق الذي وصف بـ“الغامض” أدى وزير المال علي حسن خليل زيارة إلى روسيا وصفت بأنها زيارة نفطية بامتياز.
بعد هذه الزيارة جرى حديث عن اتفاق وقع مع شركة النفط الروسية العملاقة “غازبروم” على الشروع في استخراج النفط من المنطقة الاقتصادية المتنازع عليها بين لبنان وإسرائيل على أن يتولى كل من البلدين دفع كلفة استخراج النفط في القسم الخاص به.
ولا تزال الطريق لإنفاذ هذا الاتفاق طويلة إذ يتطلب المرور في مجلس الوزراء والحصول على إجماع حوله في ظل تحول مجلس الوزراء إلى مجلس رؤساء الجمهوريات، كما يوصف حاليا، حيث أن لكل وزير مشارك في الحكومة حق النقض “الفيتو”.
والمهم في الحراك النفطي الذي يشغل الأوساط السياسية اللبنانية هو مدى تأثيره على السياسة، فقد خرجت الكثير من التحليلات تربط بين الانفراجات التي تحصل في شأنه بالانفراجات في الملفات السياسية الكبرى العالقة، والتي يتصدرها ملف رئاسة الجمهورية الذي يمكن أن يتحرك في إطار صفقة شاملة أو ما بات يسمى بالسلة المتكاملة التي تتضمن الإتيان بميشال عون رئيسا للجمهورية وبسعد الحريري رئيسا للحكومة.
من ناحية أخرى يرى محللون أن الاتفاق النفطي من شأنه أن يتيح الفرصة لإزاحة الفيتو الكبير الذي يضعه الرئيس بري على وصول الجنرال عون إلى سدة الرئاسة.
ويقول النائب أمين وهبي “الملف النفطي قديم والعمل تم فيه من أيام الرئيس فؤاد السنيورة الذي حاول منح الأمور المرتبطة به قدرا كبيرا من الشفافية ولكنه بقي عالقا في أدراج المشاحنات السياسية، وحاليا يعاني هذا الملف من الكثير من الصعوبات التي تجعله يعاني من المراوحة والتعثر بسبب تدني أسعار النفط”.
أحمد فتفت: قد نفقد فرصة الاستفادة من ملف النفط في ظل التجاذب السياسي
وبشأن التوظيف السياسي لهذا الملف يؤكد وهبي”القوى السياسية في لبنان تستعمل أي شيء في سبيل تحقيق مآربها وأهدافها، والملف النفطي هو واحد من أبرز الملفات التي تستعمل، يسود الآن نقاش بين الأطراف السياسية يتم فيه تقاذف تهم التعطيل وتحميل المسؤولية حول إهدار الفرصة الكبيرة التي كان ممكنا أن يستغلها لبنان حين كانت أسعار النفط في حدود الـ100دولار.
وتُربط الملفات الكبرى بهذا الملف وتتحول إلى سجال سياسي، وإلى تهم متبادلة بإهدار فرصة سد الدين العام وتحقيق فائض في الموازنات”.
ويشير وهبي إلى التلازم الذي أجراه التيار العوني بين الاتفاق النفطي مع الرئيس بري وبين الملف الرئاسي معتبرا أنه “كانت هناك رغبة عند التيار الوطني الحر في إشاعة جو من التفاؤل حول الملف الرئاسي، انطلاقا مما سمي بالاتفاق النفطي بين الرئيس بري والجنرال عون”.
وحول المعنى السياسي لمحاولة توكيل شركة روسية باستخراج النفط المتنازع عليه بين لبنان وإسرائيل يعلق وهبي قائلا “هناك من يحاول الاستفادة من تحسن العلاقات الروسية الإسرائيلية، واستغلال الرغبة الروسية في الاستثمار في استخراج النفط بلبنان، وقدرتها على الحد من العامل الإسرائيلي المعطل. هذا كله ليس حتى هذه اللحظة سوى مسار لم تتضح معالمه بعد، ولا يزال محتاجا إلى المرور بشبكة تفاهمات داخلية تمنحه إطارا قانونيا وشرعيا”.
وينتقد النائب اللبناني مسارعة الأطراف السياسية اللبنانية إلى التوظيف السياسي لملف النفط، انطلاقا من تحليلات تقول إن المنطقة على أبواب تسويات كبرى معتبرا “أننا لم ندخل في زمن التسويات الكبرى بعد، بل الأمور،على العكس من ذلك، ذاهبة في اتجاه تصعيد كبير. والوضع العالمي يزداد تعقيدا وأسعار البترول تتراجع، ومع ذلك نجد القوى اللبنانية عاكفة على التعامل مع الموضوع النفطي وكأنه رافعة لطموحاتها السياسية”.
ولا ينفي النائب أحمد فتفت خضوع الملف النفطي للتجاذب السياسي ولكنه يؤكد على أن ملف النفط هو “ملف بطيء والعمل عليه سيأخذ وقتا طويلا، وهو ملف معقد يتطلب على الأقل صدور مرسومين، هما مرسوم المناطق ومرسوم الشروط”.
ويعتبر فتفت أن “القوى السياسية توظف هذا الملف، وتعد الناس وتوهمها، ولكن الوقائع تقول شيئا آخر تماما، فنحن في الملف النفطي لا نتحدث عن شيء تام ومنجز، بل عن احتمالات وقد نفقد الفرصة من الاستفادة منها في ظل استمرار التجاذب السياسي، وفي ظل أسعار النفط المتدنية”.
ويعلن فتفت أن الربط بين الاتفاق النفطي بين بري وعون وبين الانفراج في الملف الرئاسي الذي ساد في وسائل الإعلام أجبر التيار على نفي الربط بين الأمرين قبل أن يعود ويؤكد من جهة أخرى أن جلسة الثامن من أغسطس المقبل ستكون جلسة انتخابية ناجحة، وسيتم فيها انتخاب الجنرال مع فصل الموضوع عن الاتفاق النفطي.
شادي علاء الدين: العرب